أنور قاسم الخضري
تصدير المادة
المشاهدات : 2820
شـــــارك المادة
أنَّى اتجهت في بلاد المسلمين تجد الحروب حاضرة عليهم أو بينهم. أما التي عليهم فأهم أسبابها ضعف المسلمين مادياً أو معنوياً أو في الجانبين معاً، ما أغرى أعداءهم بهم من جميع الأمم؛ لذلك قال تعالى: ((وأَعِدُّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ ومِن رِبَاطِ الخَيلِ تُرهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وعَدُوَّكُم وآخَرِينَ مِن دُونِهِم لا تَعلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعلَمُهُم ومَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ)).
أما التي بينهم فهي قاصمة الظهر، والمصيبة العظمى التي تناقض دينهم من أمر ربهم ووصية نبيهم؛ فقد قال تعالى: ((ومَن يَقتُل مُؤمِنًا مُتَعَمِّدًا فجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وغَضِبَ اللَّهُ عَلَيهِ ولَعَنَهُ وأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا))، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض).
والإسلام لا يعظم من شأن الحرب بل يحصر من استخدام هذا المصطلح لصالح مصطلح الجهاد، لأن مفهوم الحرب في الوعي الجمعي الإنساني مليء بالصور البشعة والمآسي المؤلمة والموروث الإجرامي في القتال والتعذيب. وجاءت الحرب في القرآن الكريم في وصف حالة الاقتتال بين المسلمين الكفار في موضعين فقط.
الموضع الأول قوله تعالى: ((إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُم لا يُؤمِنُونَ؛ الَّذِينَ عَاهَدتَ مِنهُم ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهدَهُم في كُلِّ مَرَّةٍ وهُم لا يَتَّقُونَ؛ فإِمَّا تَثقَفَنَّهُم في الحَربِ فَشَرِّد بِهِم مَن خَلفَهُم لَعَلَّهُم يَذَّكَّرُونَ))، حيث الحديث عن أقوام اعتادوا الخيانة والغدر، فأصبحت الحرب معهم حالة ضرورة لمواجهة هذا السلوك الساعي في الأرض فساداً.
والموضع الثاني قوله تعالى: ((فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَربَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثخَنتُمُوهُم فَشُدُّوا الوَثَاقَ فإِمَّا مَنًّا بَعدُ وإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الحَربُ أَوزَارَهَا ذَلِكَ ولَو يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنهُم ولَكِن لِيَبلُوَ بَعضَكُم بِبَعضٍ والَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ فلَن يُضِلَّ أَعمَالَهُم))؛ وأوزار الحرب آثامها وآلاتها، وذلك لا يكون كما قال بعض المفسرين إلا بأن يمسك الكفار عن الاحتراب إما بدخولهم في الإسلام أو مسالمتهم له.
وفي موضع آخر استخدم القرآن الكريم وصف الحرب تجاه فئة من المفسدين في الأرض، تأكل أموال الناس بالباطل وتنهك المجتمع بالفقر في حالة من الاستغلال الشهواني؛ يقول تعالى في شأن أهل الربا: ((فإِن لم تَفعَلُوا فَأذَنُوا بِحَربٍ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ وإِن تُبتُم فَلَكُم رُءُوسُ أَموَالِكُم لا تَظلِمُونَ ولا تُظلَمُونَ))!
وفيما عدا هذه المواضع يغلب وصف الجهاد على استخدامات القرآن الكريم، أو القتال في سبيل الله كعبارة أوضح لمقصود القتال ومرجعيته التشريعية.
لكن هناك استخدام مختلف تماماً وصف فيه القرآن الكريم يهود باعتبارهم موقدي نار الحروب، في حين جعل مشيئته –سبحانه- إطفاءها، يقول تعالى: ((وأَلقَينَا بَينَهُمُ العَدَاوَةَ والبَغضَاءَ إِلَى يَومِ القِيَامَةِ كُلَّمَا أَوقَدُوا نَارًا لِلحَربِ أَطفَأَهَا اللَّهُ ويَسعَونَ فِي الأَرضِ فَسَادًا واللَّهُ لَا يُحِبُّ المـُفسِدِينَ)).
ونظراً لتفنن اليهود عبر التاريخ في صناعة الحروب، فإنهم أخبر الناس بوسائل إشعالها لذلك فلديهم قائمة طويلة بأسمائها، ومنها:
الحرب العالمية:
وهي الحرب التي تشاركت فيها دول عظمى ضمن تحالفات إقليمية تمتد عبر القارات. وأول إطلاق لهذا المصطلح جرى خلال القرن العشرين، على الحرب العالمية الأولى (1914م- 1918م)، والحرب العالمية الثانية (1939م- 1945م)، وتستخدم كلمة الحرب العالمية الثالثة في القصص الخيالية عن حرب محتمل حدوثها، بالإضافة إلى مقالات ودراسات غربية تشير إلى افتراضية قيام حرب كهذه في المستقبل!
الحرب الباردة:
وهو مصطلح استخدم لوصف حالة الصراع والتوتر والتنافس التي كانت توجد بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتى وحلفائهم، من فترة منتصف الأربعينيات حتى أوائل التسعينيات من القرن المنصرم.
حيث دخل فيها الطرفان في تحالفات عسكرية وسباق في التسلح والتقدم الصناعي والتطور التقني والوصول إلى الفضاء، وقادا دعايات مضادة وأزمات متبادلة وحروب غير مباشرة ضد بعضهما البعض. خلال هذه الفترة، ظهرت الندّية بين القوتين العظميين، على الرغم من أنهما كانا حلفاء ضد قوات المحور إلا أنهما اختلفا في كيفية إدارة ما بعد الحرب وإعادة بناء العالم؛ حيث سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى سياسات المحاصرة والاستئصال للشيوعية وحشد الحلفاء خاصة في أوروبا الغربية والشرق الأوسط، فيما دعم الاتحاد السوفيتى الحركات الشيوعية حول العالم خاصة في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية ودول جنوب شرق آسيا.
الحرب الاستنزافية:
وهي حرب تهدف إلى استنزاف مقدرات الخصم عبر توسيع دائرة المواجهات وتنويع ميادين الجبهات وإطالة أمد الحرب، بغية إضعافه أو القضاء عليه. كما كان حال القوى الاستعمارية والمعادية للدولة العثمانية، حيث تعددت الجبهات وتنوعت الميادين.
الحرب الاستباقية:
وهو مصطلح حديث يشير إلى قيام طرف ما بحرب مباشرة ضد طرف آخر، وبدون سابق إعلان أو إنذار، تحت ذريعة أن الطرف الآخر لديه نوايا مسبقة للهجوم وإلحاق الضرر على الطرف المحارب؛ وربما شنت الحرب الاستباقية بفرضية احتمال عدو خفي! وهي سياسة اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية في العقود الأخيرة تجاه العالم الإسلامي.
الحرب التدميرية:
وهي حرب شاملة، تهدف للقضاء على كافة مقدرات الطرف الآخر وبناه العمرانية والتاريخية والثقافية، ما يوسع من طبيعة أساليب الحرب لتشمل البشر والعمران والأراضي الزراعية والمياه والمنشآت الحكومية والحيوية والآثار والوثائق والمخطوطات واللغة والدين والتقاليد. وما حرب احتلال العراق عام 2003م إلا مثال لهذه الحرب.
الحرب الذرائعية:
وهي الحرب التي تقوم بدعوى تحقيق أهداف ومصالح معلنة في حين أنها على الأرض تحقق أهدافاً ومصالح مختلفة تماماً. وكثير من الحروب العسكرية تقوم تحت شعار الاستقلال أو التحرير أو فض نزاعات مسلحة أو مناصرة حكومة شرعية.. في حين تخفي وراءها أهدافاً أخرى تتجاوز الشعارات. ولقد قامت بريطانيا ووريثتها الولايات المتحدة الأمريكية بحروب من هذا النوع عبر تاريخهم العسكري في العالم، وما الحرب على "الإرهاب" إلا حرب ذرائعية بامتياز.
الحرب القذرة:
وهي الحرب التي تنشأ لأهداف قذرة أو تقوم على ممارسات قذرة، بحيث تستحل فيها جميع وجوه الفساد والكذب والإجرام. وهو مصطلح يناسب كل حرب لا تقوم على مقاصد شرعية أو عدلية، ولا تلتزم بالأخلاق والأعراف الإنسانية. وما حروب إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية إلا أنموذج تطبيقي لهذا المصطلح.
الحرب العبثية:
وهي حرب لا تمتلك قيادة واضحة ولا رؤية واضحة ولا هدفاً واضحاً ولا ميداناً واضحاً ولا قواعد اشتباك واضحة؛ مما يجعل ضحاياها من خارج دائرة الصراع أكثر من داخل دائرة الصراع كونها لا تميز مفهوماً واضحاً للأعداء. وغالباً ما تقوم مثل هذه الحروب في البيئات الاجتماعية متعددة الأقطاب مع ازدواجية الولاءات.
الحرب بالوكالة:
وهي حرب يختفي فيها طرفا الصراع، أو أحدهما، حيث يتم استخدام أطراف أخرى بديلة للقتال بشكل مباشر، سواء بتحريضها أو بدعمها أو بالضغط عليها لتوجيهها نحو هذا الخيار. وفي أحيان معينة قد يجهل الطرف المحارب أنه يقوم بهذه الحرب بالوكالة عن الطرف الداعم أو المحرض له. وغالب حروب العرب في تاريخهم الحديث كانت بالوكالة!
الحرب عن بعد:
وهي حرب يجري التحكم فيها من بعد، سواء من خلال التقنيات الحديثة أو عبر وسطاء أو من خلال الاختراقات الإلكترونية لأجهزة أو مواقع أو قواعد بيانات الأطراف المعادية. وميزة هذا النوع من الحروب أنها قليلة التكاليف على الطرف المهاجم، وذات مردود أعلى.
الحرب الخفية:
وهي حرب تمارس بصورة غير مباشرة وغير ظاهرة وعبر الوسائل غير التقليدية المتعارف عليها؛ وقد يظهر فيها الطرف المحارب بصورة صديق. ومن أكثر ما يتجلى فيه هذا النوع الحرب الاستخبارية التي يتقنها الغرب عموماً، خاصة إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.
الحرب المفتوحة:
وهي الحرب التي لا تتقيد بزمان أو مكان أو أسلوب أو قواعد. فالحرب التي أعلنتها الإدارة الأمريكية عقب أحداث 11 سبتمبر على "الإرهاب" كانت حرباً مفتوحة على الجميع: من لم يكن معنا فهو ضدنا! وعلى مستوى دول العالم، وبدون أي حدود زمانية، أو قيود عرفية أو قانونية.
الحرب الصفرية:
وهي حرب يراد منها القضاء النهائي على الخصم، بحيث تكون حالة العداء مستحكمة وغير قابلة للتعامل معه أو القبول بوجوده. وقد تعرض المسلمون في كثير من دول العالم لهذا النوع من الحروب الذي تتم فيه إبادة جماعية وتطهير عرقي لوجودهم البشري والحضاري، كحالة البوسنة والهرسك!
الحرب الناعمة:
وهي حرب تستخدم القوة الناعمة، كالدبلوماسية أو الإغراءات أو الضغوط أو الدعاية لصنع القناعات، للوصول إلى الهدف وتحقيق المكاسب وإسقاط قوى الممانعة والمقاومة لدى الخصم.
كما أتقن اليهود إيقاد أنواع أخرى من الحروب، وذلك بحسب ميدان المواجهة ووسائلها، كالحرب الفكرية، والحرب الثقافية، والحرب السياسية، والحرب الاقتصادية والحرب الإعلامية. حتى أصبح لكل حرب من هذه الحروب فنونها وفلسفتها وخططها وأجنداتها.
كما سعى اليهود في إيقاد الحروب الداخلية، فأوجدوا أسبابها وغذوا دوافعها، كالحرب الطائفية التي تنشأ بين أصحاب الديانة الواحدة، والحرب الدينية التي تنشأ بين أتباع ديانات مختلفة، والحرب القومية أو العرقية التي تنشأ على أساس العرق والقومية، والحروب الطبقية التي تنشأ على أساس الفوارق الطبقية، ومن ثمَّ كم تفككت من دول وتطاحنت من شعوب على أساس "الحروب الأهلية" الداخلية.
وتحت ذرائع وتطلعات بعض الأقوام غذوا:
حرب الاستقلال:
وهي حرب يقوم بها شعب أو جبهة ما بغية الاستقلال عن الدولة الأم أو الحكومة المركزية طلباً للاستقلال، وإقامة كيان سياسي مستقل أو حكم ذاتي مستقل.
وحرب التحرير:
وهي حرب يقوم بها شعب أو جبهة ما ضد قوى محتلة لإخراجها واستعادة الأرض والسيادة السياسية التامة عليها.
لكن لا من أجل الاستقلال التحرير ولكن من أجل استعادة مصالحهم أو تعزيز مكاسبهم.
هذه حروب مختلفة نحن غائبون عن حقائقها وآثارها وكيفية التعامل معها، في حين أننا في موقع المحترق بها! وذلك لأننا أصبحنا في حالة من التخلف الشعوري والحضور التفاعلي والتراجع القيادي. منتدى المفكرين المسلمين
عصام العويد
إدراك
المرصد الاستراتيجي
غياث بلال
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة