..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


ابحاث ودراسات

الموقف التركي بعد تغيير قواعد الاشتباك مع النظام السوري

مركز الجزيرة للدراسات

٢٤ أكتوبر ٢٠١٢ م

المرفقـــات

pdf

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 10151

الموقف التركي بعد تغيير قواعد الاشتباك مع النظام السوري
1.jpg

شـــــارك المادة

 

شهدت الحدود السورية-التركية تطورات خطيرة في شهر أكتوبر/تشرين الأول إثر سقوط قذائف سورية داخل الأراضي التركية ما أدى إلى مقتل خمسة مواطنين أتراك؛ ردت تركيا فورا بالمدفعية لأول مرة منذ اندلاع الأزمة السورية تلاه اتخاذ عدد من التدابير السياسية والعسكرية مغيّرة بذلك قواعد الاشتباك بين البلدين.

 

 

فقد وافق البرلمان التركي على مشروع قانون تقدمت به الحكومة سريعًا يجيز للجيش التركي القيام بعمليات عسكرية خارج حدود تركيا إذا رأت الحكومة ضرورة لذلك، راسمة بذلك حدود سياسة ردعية جديدة في وجه النظام السوري في محاولة استباقية لمنع الأوضاع من التدهور ولإرسال رسالة قوية للنظام السوري بأن تركيا لن تسكت بعد اليوم على الخروقات ومستعدة للرد بحجم أكبر.

وبالرغم من ذلك لم تتوقف الخروقات وظلت القذائف السورية تسقط داخل الأراضي التركية على مدى ستة أيام متتالية؛ الأمر الذي يهدد بخروج الأمور عن السيطرة خاصة فيما يبدو أنه اختبار لحدود السياسة الردعية الجديدة التي رسمتها تركيا والتي قد يؤدي تآكلها نتيجة هذا القصف المتكرر إلى مخاطر جديّة.

 

موقف حلفاء تركيا من تطورات الأحداث

 

لم يخرج الرد من قبل حلفاء تركيا على الاعتداء الذي تعرّضت له عن إطار الرد التقليدي السلبي المقتصر على التضامن مع تركيا من خلال الإدانة الشفهية والمطالبة بأن يكون الرد متوازنًا حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة ويتم الانزلاق إلى تصعيد أكبر. وبدا واضحًا من خلال طبيعة الردود أن لا أحد مستعد للذهاب مع تركيا بعيدا في حال توسّع الاشتباكات بين الطرفين، كل لدوافعه الخاصة.

فالموقف الأميركي اقتصر على تفهّم الرد التركي ولم يتعدَّه إلى أكثر من ذلك على اعتبار أن واشنطن كانت قد عبّرت بشكل صريح وواضح عبر الناطقة باسم وزارة الخارجية عن رفضها حتى الآن دعم مساعي تركيا المتكررة والدائمة لإنشاء منطقة آمنة داخل الأراضي السورية لدواعٍ إنسانية.

أما حلف شمال الأطلسي، فعلى الرغم من أنه أبدى دعمًا معنويًّا لتركيا من خلال القول بأن لديه خططًا لمختلف السيناريوهات، إلا أنه عاد وأكد أنه ليس بصدد الدخول في حرب مع سوريا.

وأمام هذه المعطيات، تشعر تركيا بأنها تُرِكت وحيدة في الساحة في ظل الحسابات الخاصة لكل من الحلفاء في إطار محور أصدقاء سوريا، وأنّه لابد من الاعتماد على الذات في الرد على الخروقات التي لم يعد من الممكن السكوت عليها.

فمن ناحية أطلق هذا الموقف قدرات تركيا في الرد بحيث لم تعد تنتظر مواقف الآخرين، لكنه من جهة أخرى قيّد من إمكانية تدخلها في الحالة السورية على نطاق واسع.

صحيح أن البرلمان التركي كان قد وافق على المذكرة التي قدمتها الحكومة والتي تجيز للجيش التركي العمل ونشر قوات (بحرية-برية-جوية) خارج حدود الوطن، إلا أن هذا التفويض ليس مفتوحًا لا من حيث المضمون ولا من حيث المدة الزمنية فهو يحتاج إلى تجديد دوري من قبل البرلمان أضف إلى ذلك أنه لا يخوِّل الحكومة أو الجيش إعلان حالة الحرب، وإنما هو بمثابة رخصة للرد السريع الذي قد يتطلب في مرحلة من المراحل عمليات محدودة خارج حدود البلاد.

وقد زاد هذا التخلي عن تركيا من المخاوف الموجودة لدى صنّاع القرار من أن التعامل مع الحالة السورية بمنطق ثنائي سيؤدي إلى أن تكون تركيا في مواجهة ليس النظام السوري فحسب وإنما الإيراني والروسي والصيني والعراقي أيضًا، وهي مواجهة غير متكافئة خاصة أن تركيا تعتمد على هذه الدول في أمن الطاقة لديها، وعندها يصبح التدخل في سوريا بمثابة فخ، وبهذا المعنى فإن تخلي الحلفاء عمليًّا عن تركيا جعلها مترددة بل متشككة جدًّا من أن تقوم بتدخل عسكري على الأرض.

 

الثابت والمتحول في الموقف التركي

لم تتغير ثوابت تركيا من الأزمة السورية والمرتبطة بشكل أساسي بمحددات التدخل العسكري منذ اندلاع الثورة في مارس/آذار 2011 وحتى اليوم، وهي ثوابت متعلقة بتأمين الشرعية لتدخل تركي عسكري واسع النطاق إضافة إلى الغطاء السياسي والاقتصادي والعسكري لمثل هذا التدخل، وتتمثل بــ:

لكن هذه الثوابت لم تحُلْ دون دخول عناصر تحوّل في الموقف التركي من الأزمة السورية، ليس على المعطيات أعلاه وإنما على طبيعة تشخيص الأزمة السورية؛ فمع تصاعد وتيرة انتهاكات النظام السوري للسيادة التركية، بدا واضحًا أن مقتل المدنيين الأتراك رسم حدودًا جديدة للتعامل مع النظام السوري ليس على أساس أن هناك مشكلة بين النظام السوري والشعب السوري نفسه فقط، بل من ناحية أنّ هذا النظام بات يشكّل تهديدًا على الأمن القومي التركي بشكل فعلي وعملي مع تجاهله كافة التحذيرات السابقة وتخطيه كل الحدود الحمراء التي تم رسمها.

  •  قرار صادر عن مجلس الأمن يحظى بإجماع دولي على اعتبار أن تركيا لا يمكنها أن تخالف في هذه الحالة قرارات الشرعية الدولية، وهو خيار لا يزال معطّلاً ومشلولاً بسبب الموقف الروسي تحديدًا.
  •  قرار خارج إطار مجلس الأمن ولكن يحظى بغطاء واسع من المجتمع الدولي ولاسيما الولايات المتحدة، والناتو، وجامعة الدول العربية، على اعتبار أنه من دون هذا الغطاء سيكون من شبه المستحيل على الأتراك التدخل في سوريا على نطاق واسع لأن ذلك سيضعها منفردة في مواجهة غير متكافئة مع المحور الداعم للأسد (روسيا، الصين، إيران، النظام السوري، النظام العراقي).

 

لقد أدى مقتل المواطنين الأتراك إلى تغيير حسابات الحكومة التركية التي وجدت نفسها في مأزق داخلي:

  •  فإما أن تسكت على مقتل مواطنيها وبالتالي تشجّع النظام السوري على زيادة حجم ونوع هذه الخروقات من جهة، وتقوّض من مصداقيتها الداخلية من جهة أخرى مع تزايد الانتقادات المحلية لسياسة الحكومة من قبل المعارضة التركية المتماهية مع النظام السوري لأسباب لها علاقة بالتنافس السياسي الداخلي ضيق الأبعاد داخل الساحة التركية نفسها وليس لأبعاد خارجية. فالمعارضة التركية بشكل عام غير قادرة على هزيمة حزب العدالة والتنمية، كما أنها غير قادرة على استهداف البُعد الاقتصادي في سياسته، لكن الأزمة السورية فتحت لها فرصة الانتقاد اللاذع للحكومة من الزاويتين السياسية والأمنية، وهم يقومون بتوظيف الملف السوري في الحسابات السياسية الداخلية بشكل فعّال جدًّا في انتقاد الحكومة.
  •  وإما أن ترد فتدخل في نطاق تصعيد جديد ودائرة حسابات جديدة مختلفة عن المرحلة السابقة وهو ما حصل فعلاً.

ولأن حزب الشعب الجمهوري يرفض كل ما تطرحه الحكومة بغضّ النظر عن فحواه، ولأن اليساريين لهم حساباتهم الخاصة فقد رفضوا الخطوات التي اتخذتها الحكومة، وعلى الرغم من أنّهم غير قادرين على التأثير في القرار السياسي إلا أنهم استطاعوا إلى حدٍّ بعيد أن يشوّشوا على الرأي العام التركي بما في ذلك بعض القواعد الشعبية لحزب العدالة والتنمية، وهو ما دفع الحكومة إلى التأكيد على طبيعة تغيير قواعد الاشتباك والهدف منها.

 

مغزى تغيير قواعد الاشتباك

آخذة بعين الاعتبار المعطيات الداخلية والخارجية بالإضافة إلى الثوابت التي تم التطرق اليها، حرصت الحكومة التركية على أن يكون الرد متناسبًا ومحدودًا ومربوطًا بالأمن القومي التركي وليس بملف التطورات داخل سوريا. صحيح أن ذلك أتاح لها الآن في هذه الظروف وهذا التوقيت القيام بالرد العسكري على الخروقات، لكنه سيقيدها من ناحية حجم هذا الرد ومداه على اعتبار أن خروقات النظام السوري ليست بالحجم الذي يبرر حصول اجتياح مثلاً أو إشعال حرب شاملة بين البلدين.

وعلى هذا الأساس، فقد حرصت الحكومة التركية على أن تؤكد في وجه المخاوف الدولية من انفلات الأوضاع وأيضًا في وجه المخاوف الداخلية، على أن الرد التركي هو رد دفاعي محدود في إطاره ومكانه وزمانه ومرتبط بالانتهاك الذي يقوم به النظام السوري، ولا يهدف إلى ما يتعدى ذلك فيما يتعلق بحماية سلامة الأراضي والسيادة التركية، ومنع تآكل مصداقية الحكومة والحفاظ على قدرات تركيا الردعية كقوة إقليمية.

وللتأكيد على هذا المنحى، يتم الآن المضي قدمًا في مسار سياسي بموازاة الرد العسكري الذي يجري، على أن لا شيء جديد في هذا المسار السياسي من حيث المضمون، فقد تم طرح فكرة شبيهة منه في فبراير/شباط من العام 2012، وحاولت تركيا تحقيقها من الخلال العمل عن قرب مع ايران وروسيا، وتتضمن إيقاف العميات القتالية والقيام بحوار وطني ومن ثَمّ بعملية انتقالية متسلسلة ومنظمة يتبعها إجراء انتخابات، وكان العائق فيها إصرار إيران وروسيا على بقاء الأسد خلالها، فيما ترى تركيا ضرورة أن لا يكون الأسد موجودًا لاسيما بعد الثمن الباهظ الذي دفعه الشعب السوري.

وقد اقترح وزير الخارجية التركي مؤخرًا فاروق الشرع لتولي زمام المبادرة بدلاً من الأسد، وقد أُريد لهذا الطرح أن يكون بمثابة رسالة لعدد من الأطراف، منها:

  •  للداخل التركي: وهي بمثابة تطمين للمعارضة والقواعد الشعبية إلى أن الحكومة التركية لا تسعى إلى حرب مع سوريا وإنما هي مستعدة للحرب إذا أرادها نظام الأسد، وتعمل بموازاة ذلك على كل الخيارات الممكنة لحل القضية السورية بما فيها الخيار السياسي.
  •  للولايات المتحدة: على اعتبار أن واشنطن كانت طرحت في مرحلة من المراحل فكرة مشابهة للحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، فأُريد من خلال هذا الطرح القول للولايات المتحدة بأنها إذا لم تكن تريد التحرك أو تغطية العمل التركي عسكريًّا، فماذا عن الخيار السياسي الذي كانت هي طرحته في مرحلة من المراحل؟!! وبالتالي هي محاولة لإخراج واشنطن من حالة الجمود في الملف السوري.
  •  لروسيا: إذ يُعد الطرح أيضًا اختبارًا لحدود الموقف الروسي من نظام الأسد ومحاولة لإيجاد أرضية مشتركة على قاعدة رفض روسيا للعمل العسكري وتركيزها على الطرح السياسي، خاصة أن الرئيس الروسي كان من المقرر له أن يأتي في هذا الشهر لأنقرة، وتم تأجيل زيارته إلى ديسمبر/كانون الأول المقبل.

 

حدود توظيف قواعد الاشتباك

تقوم الحكومة التركية حاليًا بتوظيف المعطيات الجديدة في إطار الدبلوماسية القهرية وليس في أي إطار آخر بما فيه فكرة المنطقة العازلة أو الآمنة. فعلى الرغم من التزام تركيا بمتابعة الجهود الرسمية للضغط السياسي والدبلوماسي من أجل تحقيق المنطقة الآمنة، إلا أنه لا توجد معطيات تشير إلى توظيف قواعد الاشتباك الجديدة في هذا الإطار أو ربطها بموضوع المنطقة الآمنة.

لكن وبموازاة إمكانية أن تردع السياسة الجديدة النظام السوري خاصة بعد إقرار مذكرة البرلمان، إلا أن هذه المذكّرة قد تكون سببًا في تصعيد الخروقات والاعتداءات على تركيا إذا ما صحّت النظرية القائلة بأن هناك أحدًا ما يدفع تركيا باتجاه سوريا أو أن نظام الأسد يريد أن يجر تركيا إلى الفخ السوري منفردة.

وهذا يعني أنه وفي مقابل سيناريو ارتداع النظام السوري، فإن إمكانية حصول تصعيد خطير للأزمة ستكون عالية خاصة إذا ما تم اختبار حدود الردع التي وضعتها تركيا مؤخرًا عبر القيام بعمليات منخفضة التأثير كأن يتم سقوط قذائف غير قوية أو في أماكن غير مأهولة داخل تركيا، أو عبر زيادة الدعم المقدم لحزب العمال الكردستاني.

وبهذا المعنى فقد يصبح طرح المنطقة العازلة ضرورة قصوى، وفي حال إقرارها مستقبلاً، فإن الأمر سيكون أسهل بالنسبة لتركيا على اعتبار أنه وخلال الأحداث الأخيرة قامت الحكومة بنقل تعزيزات عسكرية كبيرة تتضمن وحدات ومعدات وأسلحة ودبابات وحتى طائرات إلى نقطة العمليات على الحدود مع  سوريا، ومن بينها مؤخرًا 50 دبابة بالإضافة إلى 20 طائرة إف-16، وعدد من أنظمة الدفاع الجوي ناهيك عن القيام بعدد من المناورات العسكرية لرفع جهوزيتها الميدانية.

أما خيار تسليح الثوار السوريين بأسلحة متقدمة فلا يزال يراوح مكانه، ورغم أنه لا يوجد تفسير رسمي منطقي لعدم تزويد الثوار السوريين بأسلحة متطورة من قبل تركيا في هذه المرحلة، خاصة بعدما تجاوزت أنقرة الاعتراض المبدئي على تبني الجيش الحر في بداية الثورة السورية لأسباب عديدة، إلا أن التبريرات الحالية المتعلقة بالأسلحة المتطورة غالبًا ما تدور حول ثلاثة عناصر:

  •  العوائق المتعلقة بنقل أسلحة متطورة إلى طرف ثالث خاصة أنها غالبًا ما تكون غير محلية الصنع، وبالتالي تخضع لشروط العقود العسكرية التي لا تتيح نقل السلاح أو بيعه إلى طرف ثالث. وفي حالة الأسلحة التركية المضادة للطائرات، فقد تحتاج إلى موافقة الدولة الأم وهي في هذه الحالة الولايات المتحدة الأميركية التي ترفض حتى الآن تزويد الثوار بهذا النوع من الأسلحة لمعطيات عديدة منها ما يتعلق بواشنطن ومنها ما يتعلق بإسرائيل.
  •  خوف تركيا من وقوع هذه الأسلحة المتطورة -في حال تزويد الثوار بها- في أيدي حزب العمال الكردستاني أو جماعات معادية لتركيا وبالتالي استخدامها أو توظيفها في مرحلة لاحقة ضد تركيا في مرحلة حرجة جدًّا تخوض فيها الحكومة معارك ضارية مع حزب العمال الكردستاني.
  •  الخوف من تورط الحكومة داخليًّا وخارجيًّا في حال انكشاف هذا العمل، خاصة إذا ما كانت هذه الأسلحة تُخِلّ بموازين القوى؛ حيث من الممكن أن تلجأ الأنظمة المؤيدة للأسد إلى إجراءات مماثلة بتزويد حزب العمال الكردستاني أو إجراءات انتقامية أخرى ضد تركيا.

 

تقديرات مستقبلية للموقف التركي

القراءة الشاملة للأحداث تشير إلى أن مختلف الأطراف لم تعد تملك إستراتيجية للتعامل مع الحالة السورية وإنما كل ما يتم فعله هو تكرار نفس الطروحات السابقة والقيام بردود أفعال على مستوى تكتيكي وهو ما يهدد بانفجار مفاجئ للأوضاع على اعتبار أن المسار التركي-السوري يبدو انفعاليًّا أكثر منه إستراتيجيًّا، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الجانب التركي لا يزال حتى الآن يدير ردود أفعاله بانضباط دون توسيع النطاق، لكن دون أفق واضح أيضًا إلى أين من الممكن له أن يصل أو إلى أين هو مستعد للذهاب؟

ولكن عند تقييم الموقف التركي يجب أن التفريق بين نظرة الأتراك إلى الملف السوري كقضية تتطور بوصفها مشكلة بين نظام وشعبه لها انعكاساتها على أنقرة، وبين نظرتهم إلى الملف السوري كتهديد لأمنهم القومي بشكل مباشر وعملي؛ ففي الأولى يكون الموقف التركي مكبَّلاً بالمعطيات الخارجية الإقليمية والدولية وبتعقيدات الملف السوري، لكن في الثانية فإن الموقف التركي يكون أكثر تحررًا وبالتالي عمليًّا يكون أكثر حزمًا ومستعدًّا للذهاب إلى ما هو أبعد من مجرد قصف مدفعي على مصادر النيران إذا ما بقي اختبار حدود الصبر التركي قائمًا بهذا الشكل خلال المرحلة القادمة.

فاستمرار النظام السوري في الخروقات يقول إنه إما لم يرتدع وأنه مستمر في قراءته للمعطيات السياسية الدولية، ويراهن على عدم قدرة تركيا على التحرك بشكل أكثر فعالية، وبالتالي فهو يستهدف الحكومة التركية من خلال الخروقات المستمرة ويستهدف مصداقيتها ويستهدف إفشال السياسة الردعية الجديدة التي ستتآكل مع مرور الوقت، وهو بطبيعة الحال دخول في المجهول لأن ردود الفعل قد لا تخضع حينها للحسابات المنطقية، وإما أن النظام السوري فاقد لمنظومة السيطرة والتحكم المرتبطة بما تبقى من قواته العسكرية وأن هذه القذائف تسقط بشكل غير دقيق وعشوائي.

في جميع الأحوال، المؤكد أن الحكومة التركية رسمت حدودًا جديدة في العلاقة المتأزمة مع النظام السوري، ومن غير المستبعد أن تقوم أطراف عديدة باختبار هذه الحدود إذا كانت هناك نية لوضع تركيا في مأزق جديد يجعل الحكومة في موقف من اثنين: إما السكوت عن اعتداءات مستقبلية وبالتالي تحملها تكاليف ذلك سياسيًّا على المستوى الداخلي وتآكل مصداقيتها، وإما الرد والذي من المحتمل أن يتطور إلى ما هو أبعد من مجرد عمل محدود، وهذه معادلة دقيقة سيكون على جميع الأطراف توخي الحذر في التعامل معها خلال الفترة القادمة.

________________________________________

علي حسين باكير - باحث في منظمة البحوث الإستراتيجية الدولية (USAK)، أنقرة

  •  

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع