..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


سوريا المعاصرة

حــــماة: عصيّــة الدمع.. شيمتــها الصــبــر

مدونة بوح الياسمين

٢٥ يناير ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 7720

حــــماة: عصيّــة الدمع.. شيمتــها الصــبــر
167615_123620421043183_100001856774028_157398_8036713_n.jpg

شـــــارك المادة

خلال أسابيع من تقليب صفحات الزمن.. والعودة بأوراق التاريخ لثلاثين سنة مضت.. وتحديداً لمجزرة دموية عُرفت باسم ضحاياها: "مجزرة حماة".. كنت أحاول إعادة التوثيق لتفاصيل علقت بذاكرتنا ورفضت النسيان.. في محاولة تحريض لمن سيأتون للوقوف على أعتاب كلماتي على مغادرة الحظيرة التي يُحشَرون فيها كالقطعان ويُساقون إلى مراعي حيث لا ينبت غير عشب المذلّة.
ولكنني اكتشفتُ خلال وقـفاتي الكثيرة أثناء القراءة لأجهش بالبكاء أنني مؤرخة فاشلة؛ أعلق بسهولة في التفاصيل التي تحفر في وجداني الأبدي وتصبح هاجسي الأوحد... فالعربي يعيش على حافة البكاء، وحتى وهو يبدو متماسكاً لا يتوقف داخله مطر الدموع من الهطول مهما كانت نشرته المزاجية.
 لقد تركت الصور القليلة جداً والتي هربت من حماة بعد مأساة 1982م في ضميرنا العربي جرحاً لم يخلّفه القتلة رغم وحشيتهم... إنما جرح إنساني مما تركه أبناء حماة من دمائهم... ليعلق في الصور التي ملئت شاشاتنا، وتبقى عيون الأموات مفتوحة، حتى بعدما نغلق الصورة، تنظر إلينا سائلة: "لماذا.. "؟؟
 يسألنا هذا الطفل الحموي الذي ارتدى أسمال الوجع مبكراً.. والذي علقت صورته بين جفني وعيوني:
أين كنّا؟؟... عندما سطا الهمجيون على أمنه.. وسقف بيته.. وسرير مشفاه.. واحتجزوه في دوائر الخوف والتهجير والموت العبثي.. عندما حاولوا تجريده من كرامته.. أين كنّا؟؟... عندما سرقوا من القتيل كبرياءه، ومن الشهيد شهادته؟؟
مات نزار وهو يتساءل بحرقة:

أنا يا صديقتي متعب بعروبتي ***  فهل العروبة لعنة وعقاب؟؟؟

يكاد المرء يفقد صوابه، وهو يتابع بعض الشهادات الموغلة في الألم... حتى كاد الألم أن يصرخ وجعاً منها...
لا يدري إن كانت تلك جثة؟ أم عروبته مدفونة تحت الأنقاض... دموع، تضرعات، جثث، مقابر مرتجلة في ملعب أو في حديقة... أطفال في عمر الفاجعة... وأمهات يخطف الموت أطفالهن من حجورهن... ويخطفهن أيضاً...
والرجولة عارية إلا من ذعرها... مكبّلة اليدين والكبرياء... مذبوحة برصاص محشوّ بالحقد في احتقار الإنسانية...
وكأنها حدثت بالأمس... !
بل هي تحدث الآن... ؟!
أم كانت قبل ثلاثة عقود... ؟؟! ضاعت بوصلتي الزمنية... فما أشبه اليوم بالأمس... وما أشبه الصور ببعضها...
لكن الصورة تَعرِف أيضاً.. أن الضحية دوماً أكثر أناقة من جلاّدها... سلاحها دمها... لذا لا قاتل يخرج نظيفاً من جريمة... كم من صورة قتيل استطاعت أن تُجهز على قاتلها... وكم هذه الأيام مناسبة لتكون زمن القصاص... وزمن النواعير لتدور على مأساتها... ليجري العاصي أسرع مما اعتاد طوال عقود... فهذه المرّة سيشهد على وطن... بأنه سينهض كالعنقاء... من تحت الأشلاء...
نحن أحياء.. وباقون.. وللحلم بقية...

 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع