فايز سارة
تصدير المادة
المشاهدات : 6766
شـــــارك المادة
لا تبدو مأساة السوريين مع نظامهم نهاية المطاف. بل هي فصل أول ومستمر من حقيقة تمثل واحدة من أكثر الحقائق العالمية قسوة، تتوالى تفاصيلها عبر وقائع وأخبار متلاحقة، منها أخبار عن قوارب الموت في البحر المتوسط، وسوريين عالقين في المطارات وفي مراكز الحدود البرية، وسوريين أبرياء تم اعتقالهم وتوجيه تهم كاذبة لهم.
واضطهاد عنصري يصيبهم في بعض البلدان، وعن هائمين على وجوههم في شوارع وحدائق عواصم ومدن. وكلها أخبار لا تقل قسوة عن حياة لاجئين يعيشون في مخيمات، تفتقد لأبسط أسس الحياة الإنسانية، قرابة منتصف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.
لقد فتح نظام الأسد أبواب المأساة الجهنمية منذ مارس (آذار) عام 2011، وما زالت فصولها مستمرة، وقد تسببت في قتل وجرح (يصل إلى حد الإعاقة) لنحو نصف مليون سوري، ومثلهم من المعتقلين والمختفين قسرا الذين لا يعرف أحد مصيرهم، وكان من نتائجها تدمير ممتلكات ملايين السوريين ومصادر عيشهم، كما دفعت كثيرين منهم إلى الهجرة والتشتت في العالم، لاجئين ومقيمين، تجاوز عددهم خمسة ملايين إنسان وسط كارثة هي الأخطر والأسوأ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وسط تلك اللوحة، تتوالى تفاصيل، تختلف في مجرياتها عن ممارسات السلطات السورية ضد مواطنيها، لكنها تتوافق من حيث المحتوى مع تلك الممارسات. وهي الخلاصة، التي ترسمها سياسات العديد من البلدان العربية والإسلامية، حيث يتعرض اللاجئون السوريون لمشاكل وصعوبات تعمق مأساتهم التي صنعها النظام، وتضعهم في مكانة من يتحملون نتائجها، وقد ساهمت سلطات تلك البلدان في خلق أجواء مناهضة للسوريين في محاولة لإعطاء تصرفاتها وسلوكياتها مبررات داعمة، وقد يصبح الأمر مفهوما في ضوء حقيقة أن أغلب تلك البلدان يماثل أو يقارب محتويات السلطة السورية وتوجهاتها السياسية.
وواقع السياسة المناهضة للسوريين ليس محصورا في النوع السابق من البلدان، بل حاضر في غيرها، ترفع رايات حقوق الإنسان وتدعو إليها وتزعم الدفاع عنها، وبعضها يصنف نفسه في عداد «دول أصدقاء الشعب السوري»، وتتوالى تصريحات المسؤولين فيها عن دعم ومساندة للسوريين في مواجهة سياسة القتل والدمار التي يمارسها النظام ضد الشعب، غير أنها في الممارسة العملية، تتبع خطوات مختلفة، وهذا ينطبق على دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، تمنع وتتشدد في عمليات منح سمات الدخول للسوريين الهاربين من الموت والدمار، وتخلق صعوبات أمام عمليات جمع شمل عائلات سورية شتتتها سياسات النظام وممارساته.
وتفتح تلك السياسات بوابات الهجرة غير الشرعية للسوريين وغيرهم، ممن يستغلون المأساة السورية للذهاب نحو البلدان الأوروبية بطرق مختلفة بالمرور تهريبا عبر حدود برية أو بواسطة سفن المهربين من موانئ البحر المتوسط الشرقية والجنوبية وصولا إلى الموانئ الأوروبية وخاصة إيطاليا، التي شهدت العديد من حالات تحطم السفن التي كانت تقل مهاجرين غير شرعيين إلى أوروبا عبر سفن صغيرة، وقتل فيها عشرات بينهم أطفال ونساء.
غير أن المميز في مأساة السوريين في عبورهم إلى أوروبا، كان عبورهم من تركيا عبر بلغاريا. وهي مأساة تبدأ من خضوعهم لابتزاز المهربين، ودفع مبالغ طائلة من أجل تأمين عبورهم خط الحدود المشتركة، ثم اعتقالهم في الأراضي البلغارية، وسوقهم إلى مراكز احتجاز المهاجرين، وهي أقرب إلى معسكرات اعتقال، تفتقد لأبسط أساسيات الحياة؛ من حيث عدم كفاية المواد الغذائية، ونقص العناية الصحية والأدوية والتدفئة اللازمة في شتاء بلغاريا القاسي، إضافة إلى المعاملة السيئة المصحوبة بعمليات فساد مالي وإداري في مراكز الاحتجاز، تصاحب إخراج المحتجزين من جانب المحامين المعنيين بإتمام المعاملات اللازمة.
ورغم قسوة هذا الفصل في التعامل مع اللاجئين السوريين في بلغاريا، فإن فصولا أخرى لا تقل قسوة عنه. والأهم في هذه الفصول حملات من التحريض العنصري تشن ضدهم في الإعلام، والأبرز في ذلك ما تقوم به واحدة من أعضاء البرلمان ومؤيدون لها من أعضاء حزب أكا القومي وثيق العلاقة بالسفارة السورية في بلغاريا والذين يصفون اللاجئين بمن فيهم اللاجئون السوريون بـ«المجرمين» و«الإرهابيين» وأنهم يشكلون «خطرا على الأمن القومي البلغاري»، وهو تحريض معلن على القتل، كان من نتائجه الأولى هجوم على شاب سوري ومحاولة قتله مؤخرا، لولا تدخل مباشر من مواطنين بلغار، كانوا موجودين في المكان، منعوا تواصل الهجوم.
والفصل الآخر من منظومة التعامل البلغاري مع اللاجئين، يظهر في سياسة الحكومة عبر تشددها في استقبال لاجئين، وكان تعبيرها في ذلك توجهها إلى بناء جدار عازل على حدود البلدين في منطقة هي الممر الأكثر عبورا. كما أن بين التعبيرات استخدام الحكومة البلغارية معايير مختلفة عن المعايير الأوروبية في التعامل مع اللاجئين، وتأخرها بالقيام بواجب مساعدة اللاجئين، وهو ما أكدته تقارير صحافية وحقوقية عن واقع اللاجئين السوريين هناك، وهو ما يتطلب تحركا سريعا من جانب المجتمع الدولي وأوساط الرأي العام إضافة إلى البلدان المعنية ومنها السلطات البلغارية لإحداث تغييرات جوهرية في التعامل مع اللاجئين السوريين، ورفع الظلم اللاحق بهم، ووضع حد لمعاناتهم بمساعدتهم بوقف سياسات القتل والتدمير التي يمارسها نظام الأسد، والوصول بالوضع السوري إلى حل نهائي، وهي المهمة الملحة رغم أهمية التسهيلات والمساعدات، التي يمكن أن تخفف مأساة السوريين عموما واللاجئين بشكل خاص. الشرق الأوسط
فيصل القاسم
أبو لجين إبراهيم
محمد السلمي
أسامة الملوحي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة