محمد عبد الرحمن اليحي
تصدير المادة
المشاهدات : 9066
شـــــارك المادة
حافظ الأسد رئيساً للجمهورية: تعتبر فترة حكم حافظ الأسد ظاهرة غريبة في تاريخ سوريا، ويعتبر استمراره في الحكم ثلث قرن من الزمن، خلال البطش والإرهاب والتفريط لمقدرات البلاد أشد غرابة، ناهيك عن توريث أسرته الحكم في سوريا. قام الأسد بعد صراع مرير منذ عام 1963م بما سماه الثورة التصحيحية في (16 /تشرين الثاني/ عام 1970م) ضد شركائه الباقين من قادة حزب البعث، ورموز الطوائف الأخرى، وأصبح رئيساً للجمهورية بقوة الحديد والنار، وهو أول رئيس للبلاد من غير المسلمين أهل السنة. ولد حافظ الأسد في (06/10/1930م)، في قرية قرداحة في جبل النصيرية (العلويين) من محافظة اللاذقية، ونشأ نشأة فقيرة، في أسرة مستورة الحال، وكان جده سليمان الأسد ممن وقعوا على وثيقة رفُعت للمستعر الفرنسي، تضمنت الاعتراض على وحدة سوريا واستقلالها، وطالبت باستمرار استقلال (الدويلة العلوية) تحت مظلة فرنسا. (انظر: النصيرية، نفي شرف الدين /ص 178، بيروت / 1986م). وقد اتخذ الأسد حزب البعث مظلة لحكمه، بعد التخلص من قياداته التاريخية، واشترك في التخطيط والتنفيذ لتغلغل الطائفة النصيرية -كما مر معنا في الحلقة السابقة-، وأما الطائفة النصيرية التي اعتمد عليها في حكمه فهي: حركة باطنية ظهرت في القرن الثالث الهجري، كانت تسكن في جبال النصيرية حول اللاذقية في الساحل الشمالي لسوريا، وكانت فقيرة منغلقة علي نفسها، لا تزيد نسبتها عن (10-12%) من مجموع سكان سوريا. تنسب هذه الطائفة إلى مؤسسها (محمد بن نصير النميري) فارسي الأصل، ادعى أنه نبي من عند الله، ويؤله علي بن أبي طالب، وقال بإباحة المحارم وتحليل الشذوذ الجنسي بين الرجال. تؤمن هذه الطائفة بالتقمص وإنكار اليوم الآخر كما تنكر الجنة والنار والحساب، مع إباحة المحرمات، ولها طموحات سياسية انفصالية. (فرقة الشيعة المسن النونجتي /ص: 103، تاريخ 1969م). اختير الأسد رئيساً للبلاد منذ عام 1970م، بنسبة (99.2%) من الأصوات، كما تزعم وسائل الإعلام المحلية، وهي نسبة سحرية، لا تعرف إلا في بلدان العالم الثالث. (جريدة الشرق الأوسط في 12/02/1999م). وتتلخص خطة الحكم عند الأسد بأنه أحكم القبضة على البلاد بيد من حديد، معتمداً على طائفته وبعض السياسيين المتملقين ممن لا رأي لهم من خارج الطائفة، وكانت مهمة الوزراء المسلمين شكلية للاستهلاك المحلي والتمويه الفاضح، أما قادة الحزب المناوئون فقد سجنوا أو قتلوا. (هؤلاء حكموا سوريا: د. سليمان المدني / دمشق وبيروت / 1999م). وقد اعتمدت خطة الأسد على: - توفير الأمن للحكم وللطائفة النصيرية. - السيطرة على القوات المسلحة مع الاعتماد على كتلة الضباط الموالين له من طائفته. - تسخير الاقتصاد السوري لازدهار منطقة العلويين. - صد كل تحرك شعبي معارض وسحق الاتجاهات السنية ومطاردة أصحابها في كل الأقطار. - محو المقومات الإسلامية للشعب السوري، ومحو هويته وأخلاقه، ونشر الفساد بكل أشكاله. (ينظر: الدكتاتورية محنة الإسلام والعالم، محمد بن الواحد حجازي / ص: 156، الزهراء للإعلام العربي). واقتضى ما سبق بيانه الاعتماد على أجهزة الحكم المتعددة؛ كجهاز المخابرات، وجهاز أمن الدولة، الذين يضم أكثر من عشرين ألف شخص وقياداته نصيرية، ومهمة هذا الجهاز هو التجسس على كل بيت، وملاحقة كل مواطن، ولازال رجال الأمن يداهمون كل المدن السورية بوحشية عجيبة في ظل حكم بشار الأسد. وهناك جهاز الأمن المركزي، وسرايا الدفاع، التي كانت تضم أكثر من عشرين ألف شاب نصيري وكان يقودهم شقيق الرئيس وقتها رفعت الأسد وهي التي نفذت مجزرة تدمر، وانتقلت هذه السرايا إلى قيادة ماهر الأسد شقيق الرئيس الحالي بشار، وصار اسمها الحرس الجمهوري، وهاهم الآن يتولون القيام بمجازر وحشية، ومهاجمة المدن والأديان، والتنكيل بالمواطنين، وإحياء ذكرى مجازر الأب الهالك. وقد جعلت رئاسة الأجهزة الأمنية كلها من أبناء هذه الطائفة. (المرجع السابق: 156). أبرز ملامح سياسة الأسد الداخلية: لقد ظهرت الخلفية الحزبية والطائفية بأحقادها وشرورها من خلال إشاعة التحلل الخلقي، وانتشار الرشوة، فعم الفساد والذعر والإرهاب داخل البلاد وخارجها. وأضحي النظام الحاكم أشبه بنظام عصابات المافيا، وبشريعة الغاب، وبات الناس يعيشون في حالة من الفوضى لا مثيل لها، فالقوي يبطش الضعيف، وانتشرت المظالم والمنكرات، وتحولت أغلبية الشعب تحت وطأة هذا النظام إلى مجموعة فقيرة، تجهد نفسها من أجل تحصيل لقمة العيش إذ أن البلاد ومنذ أكثر من أربعين عاماً وهي تحكم بالحديد والنار، في ظل قانون الطوارئ المعلن منذ (8/3/1963م)، وما يزال ساري المفعول. فالحاكم العرفي، يملك حسب قانون الطوارئ أن يفعل "بأي مواطن أو مقيم على أرض سوريا، أو مار منها" ما يشاء، بمصادرة حقه في الحرية وحجزه إلى آماد غير محدودة، قد تصل لأكثر من ثلاثين عاماً مع مصادرة أمواله المتحولة وغير المنقولة ويشمل مصادرة حقه في الإقامة والتنقل، وحرمان المواطن من وثائق السفر وغيرها. )انظر: تقرير انتهاكات حقوق الإنسان في سورية التي تتم بغطاء دستوري). أما السجون فقد غصت بالمعتقلات إذ يعدون بالآلاف، ومازال الناجون منهم يروون قصص التعذيب الوحشي، وفيها تصوير حالات الإعدام والقتل في تلك السجون، وقد كثرت الكتب التي يصور أصحابها المآسي في تلك الفترة، من ذلك كتاب شاهد ومشهود لصاحبه: محمد سليم حماد، والذي صدر عام 1998م، بعد أن سجن صاحبه 11عاماً، وهو طالب أردني كان يدرس في جامعة دمشق، واعتقل مع آخرين. وقد صور فيه صاحبه أهوال التعذيب في سجن تدمر، من صعق بالكهرباء، والتعليق من القدمين، والضرب المبرح، وتحدث الكاتب عن الأجواء المرعبة والإعدامات المتواصلة لسجناء الرأي داخل السجن، وقد شاهد وفاة عدد منهم، والكتاب مطبوع في الأردن. ونموذج آخر للطالبة الجامعية هبة الدباغ التي كانت تستعد في (31/12/1980م)، للتقدم لامتحان صباح اليوم التالي في جامعة دمشق، حين داهم شقتها عصابة من الأمن المركزي والسري، وطلبوا منها أن ترافقهم إلى مركز التوقيف للأمن السياسي في دمشق، وقد أصدرت هبة كتاباً يحتوى على (239) صفحة من المقطع المتوسط، تحت عنوان (خمس دقائق)، حيث قال لها العسكر السري: "نريدك خمس دقائق فقط"، وقد روت هبة ما شاهدته في سجنها من وسائل وحشية، من التعذيب البدني الذي لا يطاق، ويشمل الضرب على سائر أنحاء الجسم، كما صعقت الفتاة بالكهرباء مراراً، واستمر سجنها تسع سنوات، وشاهدت في سجنها معتقلين من الرجال يعرضون للتعذيب، كما شاهدت أكثر من جثة للمعتقلين ماتوا تحت التعذيب. والجدير بالذكر أن الكاتبة المذكورة قد فقدت والدها ووالدتها وثمانية من أخواتها وإخوانها في المجازر الجماعية التي ارتكبتها القوات العسكرية في مدينة حماة في شهر شباط عام 1982م. (مذكرة حول حقوق الإنسان في سوريا، إعداد اللجنة المركزية للتضامن مع سجناء الرأي /1998م). ونعرض فيما يلي صوراً من المجازر الوحشية التي ارتكبها نظام حافظ الأسد عام1980م، بسبب بعض المظاهرات التي قامت في البلاد، تعبر عن الاحتقان والشعور بالظلم والطغيان: بدأت قوات من الجيش تساندها القوات الخاصة تداهم مدينتي حلب وحماة في عام 1980م، بعد إضرابات قامت في شهري آذار ونيسان من نفس العام، وقد تم حصار المدينتين وتمشيطهما، بالتعاون مع سرايا الدفاع التابعة لرفعت الأسد، وسقط العديد من القتلى خلال تلك العمليات، وقد ابتعد النظام عن استخدام الرصاص المطاطي أو خراطيم المياه لتفريق المتظاهرين، وهذا ديدنهم منذ أكثر من أربعين عاماً حتى الآن. (الصراع علي السلطة في سوريا، نيقولاوس فان دام / ص:154، طبعة ثانية / 1995م). وقد ذكرت الصحف الخارجية، ومصادر الإسلاميين، المواجهات الدامية التي وقعت وكان من أبرزها: - مجزرة جسر الشغور في (10/3/1980م): فقد حاصرت القوات الخاصة تلك المدينة، وقصفت بالمدفعية والصواريخ المنازل والمنشآت، فهدمت عشرين منزلاً، وخمسين حانوتاً، وقتلت ما يزيد عن مائة شخص، كما اعتقل المئات، وشكلت محكمة عسكرية ميدانية في مكتب البريد التابع لتلك المدينة وأعدم المئات من أهلها. (الصراع على السلطة في سوريا ص/155). وتتكرر المجازر في هذه المدينة في عهد بشار وعصابته في هذه الأيام، ويفر معظم أهلها إلى الحدود التركية، وتصبح جسر الشغور مدينة أشباح، وهاهي الحكومة التركية تقيم المخيمات داخل حدودها، ويبلغ عدد النازحين إليها أكثر من اثني عشر ألفاً حتى الآن 28/6/1980م. - وفي دمشق في 18/ آب/ 1980م، داهمت القوات المسلحة في حكومة حافظ الأسد ساحة العباسيين، وهاجمت المنازل المجاورة بالقذائف المكثفة وكانت الحصيلة مقتل 60 شخصا،ً وجرح 150 آخرين وتدمير ثلاث بنايات. - أما مجازر سوق الأحد في حلب، فقد قتل فيها 43 شخصاً، وجرح 150 آخرون في 13/ تموز/ 1980م، وفي مجزرة هنانو بحلب أيضاً، وفي أول أيام عيد الفطر المبارك تم إعدام 3 مواطنين في 11/ آب/ 1980م، وفي حمص قتل في مجزرة البساتين 16/ آب/ 1980م يوم الجمعة العديد من المواطنين، وتكررت المجازر في مدينة سرمدا حيث مثلوا بالمواطنين الأبرياء، وأحرقوا بعض المنازل ونفذوا حكم الإعدام في ساحة المدرسة بعدد من الأبرياء. وتنوعت الجرائم التي تهون أمامها جرائم نيرون، إذ جمعت القوات السورية 400 شخص كمعتقلين في مدرسة ثانوية بمدينة الرقة شمال البلاد في منتصف أيلول 1980م وأشعلت النيران في المدرسة في ليلة ممطرة حيث قتل الجميع ولم ينج منهم أحد. (مذكرة حول حقوق الإنسان في سوريا). - أما أبشع المجازر وأشدها وحشية فهي مجزرة تدمر في 17/6/1980م، فقد تمت بعد محاولة اغتيال فاشلة لحافظ الأسد، إذ صدرت الأوامر لعدد من الطائرات المروحية؛ وهي 12 طائرة تحمل كل واحدة منها ثلاثين عنصراً من سرايا الدفاع، وطلبت من المساجين الخروج من مهاجعهم ثم أطلقت عليهم النيران، وبلغ عدد الضحايا 700 شخص، فيهم نخبة من الأطباء والصيادلة والمدرسون والمحامون والقضاة، (جريدة الرأي عمان 26/شباط/1981م). تم كل ذلك بصورة وحشية، وقد تعالت الصرخات بين نداء الله أكبر وبين الصياح والهلع، وحاول النظام كعادته أن يحيط العملية بجو من السرية، إلا أن التفاصيل ظهرت فيما بعد. (انظر: الصراع علي السلطة بسوريا ص/157). وقد تمت المجزرة في ظرف أربعين دقيقة، ولم ينس الجناة الإجهاز على كل جريح كما كان يصنع القرامطة والحشاشون. وفي غضون أسبوعين من محاولة اغتيال الطاغوت أصدر المجلس الوطني السوري في 7/ تموز/ 1980م قانونه رقم (49) الذي يقضي باعتبار عضوية الإخوان المسلمين جريمة عظمى يستحق صاحبها الإعدام. (الصراع على السلطة في سوريا، ص/157). وتتوالى النكبات على الشعب المسكين، فقد أعلنت السلطات عن إحباط محاولة انقلابية في عام 1981م، واعتقال لفيف من الضباط الإسلاميين في الجيش على مدى أكثر من خمسة عشر عاماً من التخفي والصبر، وقد أعدمت السلطة هذه المجموعة من الضباط بسرعة عجيبة - رحمهم الله جميعاً -. (انظر: الثورة الجهادية الإسلامية في سوريا: عمر عبد الحكيم، ص: 82-83). مجزرة مدينة حماة: عام 1982م: خلافاً للمداهمات العسكرية لمدينة حماة عام 1981م التي قامت سرايا الدفاع بإعدام اكثر من 200شخص، بما في ذلك القضاء على عائلات بأسرها في أحياء مختلفة من المدينة، إلا أن الهجوم الوحشي للسلطة تحول هذه المرة إلى المواجهة المسلحة بين قادة النظام النصيري المسلح وقوات المعارضة الإسلامية، واستمرت المعارك مشتعلة مدة شهرين تقريباً من 2/ شباط حتى 28 منه، وقد ألجأت القوات المسلحة المجاهدين إلى الثورة رغم عدم تكافؤ الفرص وتميزت المواجهات بأقصى وسائل العنف، من سفك للدماء وتخريب المنازل والمنشآت، وهو ما لم تشهده البلاد من قبل. فقد قتل ما لا يقل عن 30- 35 ألفاً من المواطنين وتدمير أحياء بكاملها، ومن ثم أزيلت عشرات المساجد والمناطق التاريخية نتيجة القصف المدفعي، وقد تراوح عدد القوات المشاركة ما بين (اثني عشر ألفاً إلى خمسة وعشرين ألفاً). وفرضت السلطات تعتيماً إعلامياً على ما يجري في المدينة، وقطعت طرق المواصلات المؤدية إليها، كما أفنيت أسر بكاملها، وقامت بتخريب ما لا يقل عن نصف المدينة، وتشريد ما لا يقل عن مائة ألف من سكانها، وقد منح كبار الضباط القتلة رتباً أعلى، وعين محافظ حماة محمد حربة وزيراً للداخلية. (انظر الصراع علي السلطة في سوريا، ص/165 وما بعدها / وحماة مأساة العصر: نشر التحالف الوطني لتحرير سوريا / ص 149). أخي الكريم: إن مسلسل مجازر عام 1980م وما بعدها، يكررها أبناء الطاغوت حافظ الأسد، فالمدن تٌدَمر والأحياء يقتلون وهم عزل من السلاح، وليس لهم ذنب إلا أنهم يطلبون الحرية وتحقيق العدالة وإبعاد شبح قانون الطوارئ، والمادة الثامنة من الدستور، التي تضع قيادة الشعب والدولة بأيدي بقايا حزب البعث، وقراصنة الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة، والشبيحة من القتلة والمجرمين. هذا ما كان يقوم به الأب، وهذه نماذج من جرائمه، وهاهو الشعب يقول كلمته: "الشعب يريد إسقاط النظام" بعد قرابة أربع أشهر من المظاهرات السلمية حتى الآن، والتي يطالب فيها الشعب بحرية طالما قد فقدها خلال نصف قرن من حكم هذا الطاغية الفاسد. وهذه مقتطفات من خطاب حافظ الأسد، في ذكرى ثورة الثامن من آذار، وكان مشحوناً بالحقد والسخط على الإخوان المسلمين الذين تم سحقهم على حد قوله: "إن الإخوان المسلمين مجرمون بحق الدين والدنيا، مجرمون بحق الشعب، بحق الله، أين هم من الإسلام؟ أين هم من القرآن؟ ليمت أعداؤنا.. ليمت الإخوان المسلمين، فلن نسمح لهم مطلقاً بتدمير إسلامنا، وتشويه تراثنا..". (الصراع على السلطة في سوريا: نيقولاوس فان دام / ص172، وإذاعة دمشق في: 8/آذار/1982م).
طالب عبد الله آل طالب
محمد بسام يوسف
أبو عبيدة الحموي
محمد المختار الشنقيطي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة