طريف يوسف آغا
تصدير المادة
المشاهدات : 3899
شـــــارك المادة
قبل أن يهيء انقلاب الثامن من آذار 1963 الطريق للأسد الأب لينقض على الحكم بعده بعدة سنوات، كانت صورة العلوي في المجتمع السوري هي صورة الرجل الريفي البسيط والفقير والمستغل من قبل العائلات الثرية من كافة المكونات الباقية.
وهذا خلق بطبيعة الحال كراهية وحقداً من العلويين اتجاه بقية أطياف المجتمع السوري وخاصة الأغلبية السنية منه.
ولكن يجب أن لايغيب عن الذهن أن الطائفة العلوية ساعدت بحد ذاتها على تكريس تلك الصورة وعلى ذلك الوضع المزري والشاذ لها كونها اختارت دائماً أن تعزل نفسها في جبال الساحل العالية بعيداً عن بقية شرائح مجتمعها المتعدد الأطياف. وأعتقد أن السبب الرئيسي لعزلها لنفسها طواعية هو من جهة معتقداتها (الغرائبية) وعلى رأسها إيمانها بألوهية الحاكم البشري ووجوب الخضوع والسجود له، مما أدى إلى تكفيرها في مجتمع لايمكن تجاهل قاعدته الدينية العميقة. ومن جهة ثانية فقد ساعدت على تكريس الشعور بالكراهية المتبادلة بتعاونها مع غزاة سورية على مدى القرون السابقة، من الغزو المغولي إلى الحملات الصليبية إلى الانتداب الفرنسي. على كل، وإذا أردنا أن ننسى كل ذلك باعتباره إما (من الماضي) وإما (حرية شخصية)، فقد لاحت فرصة ذهبية بعد الاستقلال أمام فقراء تلك الطائفة وغيرها لأن تحسن وضعها عن طريق التحصيل العلمي والعمل الجاد الذي أصبح متاحاً للجميع. وهي فرصة أتيحت لها ولكافة شرائح الشعب السوري لأول مرة في تاريخه بعد دخوله تجربة الحياة الدستورية وتحرره من احتلال خارجي دام لقرون، فرصة تأملت الطبقة الفقيرة أن تتمكن خلالها من الانتقال إلى الطبقة المتوسطة. ولكن لم تمهل الانقلابات العسكرية الجمهورية الفتية طويلاً، فسرعان مابدأت بمسلسلها الدرامي قاضية على كل أمل وضعه الشعب أمام عينيه ومغرقة البلد في مسلسل من الدم والعنف. ثم لاحت للعلويين فرصة ثانية لتحسين أوضاعهم وبالتالي صورتهم في المجتمع السوري حين وصل (الأسد الأب) إلى الحكم عام 1970، فعاودهم الأمل أن يساعدهم الرجل على تحسين تلك الأوضاع والصورة السلبية معاً. وقد بدأ بداية لم تكن سيئة حين نكل برموز النظام السابق الذي كان مكروها من كافة أطياف الشعب. ثم عزز تلك البداية بدخوله حرب تشرين ضد إسرائيل عام 1973 ليقنع الشعب من خلالها أنه جاد في استرجاع الجولان المحتل الذي كان هو شخصياً المسؤول عن ضياعه خلال حرب حزيران عام 1967 حين كان وزيراً للدفاع. إذاً وحتى تلك المرحلة كانت الأمور تسير بشكل حسن وكان الشعب قد بدأ فعلاً بتغيير نظرته للعلويين وبدأ يعتقد أنهم يمكن أن يكونوا حقاً من بناة المجتمع السوري ومن المفيدين له، لا من أعدائه ولا ممن هم عالة عليه. ولكن يبدو أن (الأسد الأب) كان حينها قد استعمل كافة أقنعته الجميلة، وبات عليه البدء بتنفيذ مطالب من أوصله إلى الحكم. فاضطر بعد حوالي السنة إلى خلع قناع (القائد الملهم) ودخل إلى لبنان ليصفي المقاومة الفلسطينية لصالح اسرائيل مقابل السماح له بالبقاء واحتلال البلد الجار. هنا بالذات فهم الشعب السوري حقيقة الرجل وفهم أنه ليس بأكثر من ديكتاتور دموي مهمته الرئيسية حماية إسرائيل، وله مقابل ذلك أن يفعل مايشاء. وكما ذكرت في مقال سابق، وبالإضافة لمعارضة أغلبية الشعب له، فقد عارضه أيضاً قسم من طائفته نفسها، إما لأسباب اجتماعية أو سياسية. ولكن هذا القسم كان صغيراً وضعيفاً بحيث لم يسمعه إلا القلائل، في حين أن القسم الأكبر من الطائفة وقف معه إما طمعاً في الجاه والامتيازات وإما جهلاً وقصر نظر وإما حقداً وكراهية. هنا وفي تلك الأجواء المشحونة يبدو أن (الأسد الأب) كان قد قرر إعادة رسم صورة الرجل العلوي في المجتمع السوري وتقديمها في عدة نماذج تخدم أهدافه المعلنة وغير المعلنة. وقد رسم تلك الصور ببراعة بحيث تجعل من الاستحالة على أي علوي بعد ذلك أن يكون مقبولاً في المجتمع السوري وبالتالي لايفكر بالانشقاق عن مملكة الأسد ولا بالتصالح مع الشعب. أي أنه أحرق بتلك الصور كل مراكب طائفته وربط مصيرها بمصيره وجعلها لاتفكر بالتخلي عنه. الصورة الأولى (والأهم): صورة رجل المخابرات الجلاد الذي لايعرف الرحمة ولا الإنسانية. وقد رسم هذه الصورة لتكون أقرب ماتكون للمسخ منها إلى الإنسان. الصورة الثانية: صورة ضابط الجيش صاحب الرتب والنياشين البراقة والسلطة المطلقة. وأقنع الرجل في هذه الصورة أن علوياً برتبة ملازم أفضل حتى من أي لواء من بقية الطوائف وخاصة السنية. الصورة الثالثة: صورة العسكري الهمجي المدجج بالسلاح الذي ينتمي لميليشيات النظام مثل سرايا الدفاع أو الصراع أو الحرس الجمهوري والذي لايجرؤ أحد على النظر إليه وهو يمشي في الشارع. الصورة الرابعة: صورة الوزير أو المدير العام أو الصانع الحقيقي للقرار في الجهات المدنية. وهو رجل لايختلف كثيراً عن سابقيه من حيث عدم الكفاءة بل والجهل التام بما يقوم به. الصورة الخامسة: صورة عميد الكلية أو المعهد المتوسط أو الدكتور المدرس. وقد أوصى هؤلاء أن يستأثروا أبناء الطائفة بالبعثات والمنح وأن يتركوا الفتات للآخرين. الصورة السادسة: صورة رجل أعمال القطاع الخاص صاحب الثراء الخيالي الذي ينهب ثروات البلاد ويستأثر بمشاريعها التجارية العملاقة، وقد خص بهذه الصورة أسرته والمقربين منه حصراً. الصورة السابعة: صورته هو شخصياً. وقد رسمها ليس لتكون فقط قريبة من صور الرسل والأنبياء، ولكن لتكون أقرب إلى صور الآلهة، وهي صورة تتوافق مع معتقدات طائفته على أي حال. وقد أوصى أصحاب هذه الصور بأن ينهبوا ويسرقوا ما يريدون، وأن ينكلوا ويفعلوا بالشعب ما يريدون، وأن أكثرهم لصوصية وأكثرهم إجراماً هو أعزهم إليه وأقربهم إلى قلبه. هذه الصور التي رسمها (الأسد الأب) ثم (الابن) للرجل العلوي على مدى الأربعة العقود الماضية رسخت في ذهن بقية الشعب السوري وستبقى لأجيال طويلة، فهو إما جلاد وإما لص، وربما كليهما. أما صورة العلوي المعارض والمقهور مثله مثل بقية الشعب السوري فقد كانت كما ذكرت صورة باهتة لدرجة أن أغلبية الشعب لم ترها ولم تسمع بها حتى. حين كنت ما أزال أعيش في سورية، ويحصل أن أقابل علوياً من المحسوبين على النظام ويبدأ بالحديث عن الصورة التي ينتمي لها، كنت دائماً أنظر في عينيه وأسأله في نفسي: هات من الآخر، أنت من فئة اللصوص أم الجلادين، أم من كليهما؟ الفرق اليوم أن الشعب السوري يطرح عليهم نفس السؤال ولكن بصوت مرتفع لأن وقت الحساب قد آن ووقت الصمت قد مضى.
ياسر الزعاترة
حسان العمر
رضا خليل الجروان
عبد العزيز كحيل
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة