..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


مقالات منوعة

بدر ثبات ونصر

رقية القضاة

٦ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6144

بدر ثبات ونصر
077 طقل يبكي لوفات أخيه.jpg

شـــــارك المادة

قريش تلتفت إلى تجارتها،وتتناسى أمر رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم وصحبه -،الذين أخرجتهم من ديارهم وأموالهم إلى المدينة المنوّرة ،وترسل أبي سفيان بقافلة عظيمة إلى الشام،فيها أموالها و ما تركته الفئة المؤمنة المهاجرة ،من أموال في سبيل الله ، وقد ضاقت عليهم مكة الحبيبة،ولم يجدوا بدّا من فراقها فرارا بدينهم من الفتنة ويسمع النبي صلى الله عليه وسلم بعير قريش،وقد قفلت من الشام محملة بكل غال ونفيس ،فيأذن لأصحابه بمعارضة القافلة والاستيلاء عليها ،لتعويض ما سلبتهم قريش الباغية إيّاه ظلما وعدوانا فيخرج معه ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا، وهم يظنون أنهم لا يلاقون حربا ولكن الله يريد غير ما ظنّوا ويودّ غير ما يودّون .

 

ويسوق سبحانه الأسباب ويسيّر الأحداث وفق مشيئته سبحانه ،فتفلت القافلة ، وتصل مكة سالمة ، ولكنّ عنجهية قريش وكبرياءها تدفعها إلى حتفها ، فقريش تجمع جيشها ،وتنتقي قيانها ،وترصّ دنانها ،وتدق طبول الحرب وتسير إلى المدينة المنوّرة لاستئصال شأفة محمد ومن معه ، وهي ترسم معالم الاحتفال بذلك النّصر الذي سيستمر ليال من الأنس والابتهاج حسب تقديرها وعلى مسافة بعيدة من المدينة ، يصل خبر قريش إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- ، فيشاور أصحابه في الأمر ،فتأتيه المشورة الصائبة والقول المثبّت{ والله لو استعرضت بنا هذا الأمر فخضته لخضناه معك فامض يا رسول الله لما أمرك به الله } وترتقي الرّوح النبوية وتحلّق حول موجبات النّصر فيقول لأصحابه {أبشروا والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم } .

فتمتلئ النّفوس عزّة ، وتتألّق القلوب بنور ربّها ، وتسجل بدر في صفحاتها الخالدة صورة عمير بن الحمام ،يستعجل الجنّة ويرى الحائل بينه وبينها بضع تمرات يأكلهن ،فيلقيهن من يده طمعا في وعد الله للصابرين الثابتين ، المقبلين غير المدبرين ، أن يثيبهم الجنّة ،وحمزة ضرب بسيفه يفعل الأفاعيل بأئمة الكفر ، وبدر القتال إقبالا بلا إدبار ، وبدر الموعد الربّانيّ للربّانيين ،تحدّد موعدها إرادة الله ،وتؤيد المجاهدين فيها عناية الله ، ملائكة مسوّمين ، مردفين ،ينتشرون بين الأرض والسماء ، يهوون على الهامات الحمقاء الجبّارة ،فتطير ثمّ تهوي ممرّغة بذلّة الهزيمة والميتة السوء والمردّ المخزي ، وبدر انتصار الله للمستضعفين ، وبدر قدرة الله على الجبّارين ، وبدر استجابة المجيب للضراعة النبوية المشفقة على الملة وأهلها ، وحاشا لله ان يردّ المصطفى خائب الرجاء والدعاء وعلى القليب وقد جيّف الكبراء ، وقهر الجبابرة العظماء ، وجندل الفراعنة الجهلاء ، يقف النبي مناديا ، قوما حرص على هداهم فأخرجوه ، وحرص على برّهم فآذوه ، وحرص على صلتهم فقطعوه ، دعاهم إلى إله واحد لا شريك له فحاربوه ،فيقف عليهم قائلا :يا أهل القليب هل وجدتم ما وعد ربكم حقّا فإنّي وجدت ما وعدني ربّي حقا ،لتكون تلك المقولة تثبيتا للقلوب وتصديقا جازما بوعد الله. {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (40) سورة الحـج.

ولتكون غزوة بدر دليلا على انتصار الله لعباده الضعفاء المقهورين ،حين يستكملون شروط الانتصار،{ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (249) سورة البقرة .

وبدر خطاب ربّانيّ للأمة على مرّ الزمان ،أن النّصر بيد الله ،فإذا أراده هيأ له أسبابه ،فيا أيها المقهورون في بورما {فدعا ربه أنّي مغلوب فانتصر}،ويا أيها المقتّلون المحرّقون في آسام ، وفي كشمير ، {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} (4) سورة البروج .

ويا أيها المجاهدون في أفغانستان ، ويا أيّها المرابطون في فلسطين ، ويا أيها المعذّبون ،المضطهدون ،المذبّحون في سوريا ،{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (123) سورة آل عمران .

ويا أيتها الأمة التي نصرها الله في مواطن كثيرة ،لا تيأسي من رحمة الله ،فبعد حلكة الليل إشراقة الفجر المنير ،وبعد الضعف والهزيمة قوة ونصرا،ومع العسر يسرين ،فصبرا إن وعد الله حق {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (55) سورة النــور

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع