إبراهيم الأصيل
تصدير المادة
المشاهدات : 3556
شـــــارك المادة
لكلّ وطن علمٌ واحد.. إلّا لسوريّا اليوم فهناك علمين، وما يحزّ في القلب أن يغدو كلّ علم رمزاً للخيانة في نظر الجانب الآخر.
تغيّر العلم السّوري أكثر من أحد عشر مرّة ابتداءً من انزال العلم العثماني عام 1918 حتّى يومنا هذا. العلم الحالي ذي النجمتين اعتمد أوّل مرّة في عهد الوحدة مع مصر قبل عهد الأسد، وان كان الأسد الأب أعاد اعتماده عام 1980.
في بداية الثورة اضطرَّ المؤيّدون تمييز مسيراتهم عن المظاهرات المندلعة فوضعوا صورة بشّار الأسد على العلم بين النّجمتين. وجاء تأثير الثّورة اللّيبيّة ورفع علم الاستقلال اللّيبي، هذا العامل وعوامل أخرى كتفضيل بعض مكوّنات الثورة لعلم غير العلم الذي تبنّاه الأسد جعلت حضور علم الاستقلال السّوري أو الانتداب قويّا وواضحاً. خصوصاً وأنّه بالنّسبة للكرد مثلاً يرمز للجمهوريّة السّوريّة قبل مأساة مشروع الإحصاء الاستثنائي لعام 1962 الذي حرم أكثر من سبعين ألف كردي من الجنسية السّورية وبدأ سلسلة التمييز العنصري ضدّهم من دولة البعث. ومع دخول الانشقاقات والعسكر على الثّورة، احتاج العسكر لعلم واضح يميّزون به سراياهم في المعارك عن سرايا الطّرف الآخر، وهو أصلا السبب الذي أوجد البشر الأعلام لأجله سابقا، فاختار المنشقّون علم الاستقلال.
علم الاستقلال أم علم الانتداب؟
وهنا طُرح اتّهام من وسائل اعلام النّظام وبعض مؤيّديه بأنّ هذا العلم هو علم الانتداب الفرنسي بما يحمله الانتداب من تسلّط للخارج علينا واخضاع الوطن لسيطرة أجنبية وضعف وتفرّق، وأنّ النّجوم الثّلات ترمز لتقسيم طائفي (سنّة، علويّون، دروز) وأنّ هذا هو ما ينشده رافعوه. في الواقع مرّت سوريا تحت الانتداب الفرنسي بالعديد من التحوّلات وتقسيمات ادارية وفدرالية لأقاليم ومناطق متعدّدة، وبدأت تنضم لبعضها تدريجيّا. عندما رُفع العلم عام 1932 بنجومه الثّلاث كانت حكومة اللاذقية أصلاُ ما تزال مستقلّة وكذلك جبل الدّروز ولم يشملهما العَلَم. فاذا كانت النّجوم ترمز حينها لتوّحد كلّ من دير الزور، حلب، ودمشق وانتقل ذلك عام 1936 ليعني الاقاليم الثلاث السابقة متوحدّة في نجمة، ونجمة لكل من اللاذقية وجبل الدروز، فهذا يعني أن النّجوم كانت تدلّ دائما على التوحّد، ولا أعتقد أن أبطال الاستقلال كانوا طائفيين ليبقوا على علم يدلّ على التقسيم الطائفي والمناطقي وليبقى قرابة ثلاثة عقود. واذا كانت النجوم تتبدّل معانيها (مناطقية تارة وطائفية تارة بحسب تطوّر المرحلة) فلمَ لا يكون معناها اليوم المعاني التي انطلقت الثّورة لأجلها، ولتكن النّجوم الثّلات هي العدل والكرامة والحريّة، أو الحريّة والدّستور والدّولة المدنية.
اطلاقنا علم الانتداب على علم الاستقلال، كأن نطلق مصطلح “رجال الانتداب” على فارس الخوري وسعد الله الجابري وشكري القوتلي ورفاقهم بدل من “رجال الاستقلال”، الموضوع يعتمد على الزاوية التي تنظر منها للموضوع، أو بالأحرى يعتمد على تسييس الموضوع ليخدم أطراف سياسية معينة. هذا العلم كان العلم السّوري الأوّل، واختاره رجال الاستقلال ليبقى علم سورية عشيّة توقيع معاهدة الاستقلال عام 1936، وأبقوه مرفوعا يوم جلاء المحتلّ الفرنسي عنها عام 1946. بل إنّ هذا العلم هو العلم الوحيد الذي رفرف يوما ما على كامل التّراب السّوري، متضمّنا لواء اسكندرون واقليم الجولان المحتلّ، اذاً لم لا يكون رفع هذا العلم دليلا على وحدة التّراب السوري ومكوّناته كاملة.
أمّا عن كون العلم هو أصلاً تصميم فرنسي فللأسف علم الثّورة العربيّة (الذي تستمد كافّة الأعلام السّورية التي نعرفها وأعلام الكثير من الدّول العربية ألوانها وتصميمهما منه) من تصميم العسكري والسياسي الانكليزي مارك سايكس، هذا يدلّ على حجم التدخّل الخارجي في هذه الأمّة ودورها الكبير الذي نعرفه في تشكيل دول المنطقة، ولكنّ هذا لا يغيّر من قيمة العلم كرمز وطني أبدا.
شخصيّاً ما زال للعلم السّوري ذي النّجمتين المساحة الكبرى من قلبي، أهواه ويخفق قلبي كلّما رأيته، ولعلم الاستقلال هوى في الرّوح لأنّه رمزٌ للثّورة بقيمها وأهدافها ومعانيها… أهوى العلمين ولكنّي أهوى وطني بعلمٍ واحد، وأتطلّع لليوم الذي يختار فيه السّوريّون علمهم بحريّة وكرامة، وليختاروا ما شاؤوا حينها، أيّا من العلمين، أو ليأتوا بعلمٍ جديد. وهذه دعوة أيضا للثوّار لاحترام العلم الرّسمي الحالي، علم عرفته سوريّا قبل حزب البعث، فالعلم مثلنا… ومثل سورية.. ينتظر الحرية… فلا تَدَعوه وتتخلّوا عنه.
لنقدّس العلمين ففيهما انعكاس لسنين طويلة من عمر وطننا، واختلطت ألوانهم بدماء شهدائنا. لنقدّسهم بعيدا عن كلّ الترّهات السياسية، فقيمة العلم من قيمة التّراب الذي يُرفع فوقه، من قيمة الهواء الذي يمرّ به فيحرّكه ليخفق شامخا. العلم مهم، والرّموز مهمّة، والتّراب مهم، ولكن هناك شيء أهم بكثير، أقدس بكثير، لا معنى للعَلم أو التّراب بدونه، هناك أنت وأنا، يا أنت، يا ابن الوطن، ويا بنت الوطن، أهمّ من كلّ الألوان والأقمشة، أنت وأنا، نحن ما يعطي هذا الوطن اسمه، نحن من يرسم العلم، نحن من يعزف النشيد، فاذا قتلنا أنا وأنت بعضنا، اذا قتلنا أنا وأنت الـ “نحن”… فقل لي بالله عليك… من سيرفع العلم.
المصدر : مدونة مدينة
صالح عبد الله السليمان
أبو عبد الله عثمان
طريف يوسف آغا
عباس عواد موسى
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة