مهران الديري
تصدير المادة
المشاهدات : 3674
شـــــارك المادة
لا يكاد يمر يوم على مدينة الشيخ مسكين التي تتوسط سهل حوران بموقع استراتيجي هام لقوات بشار الأسد إلا وتقدم فيه شهداء وجرحى في ظل حصار خانق قسم المدينة إلى ثلاث أجزاء يكاد كل واحد منها أن يكون قرية مستقلة بذاتها، ولكن جريمة قتل رجل مسن وزوجته خنقاً وإحراق قريبهما لانتمائهم لأحد العائلات المحسوبة على الجيش الحر في المدينة في منزلهما الملاصق لأحد الحواجز.
كان علامة فاصلة في حاضر المدينة ومستقبلها وتاريخها فهي الجريمة الأولى التي تتم بهذه الطريقة الوحشية والتي تنم عن حقد سادي يرتقي إلى الغريزة الحيوانية التي باتت ميزة كثير من جنود جيش بشار.
تفاصيل الجريمة: رغم أن هذه الجريمة ليست الأولى في المدينة التي قدمت أكثر من مائتي شهيد ومئات الجرحى في المظاهرات السلمية والمعارك ضد جيش بشار في أنحاء حوران إلا أن قتل أبو عمار الحمصي البالغ من العمر نحو سبعين عاما وزوجته خنقا بشريط حديدي من عيار 2 ملم وجد ملفوفا على رقبتهما بحسب أقربائه من قبل عناصر حاجز جسر نوى المجاور لمنزله الذي طالما رفض مغادرته ومن ثم إحراق صهره الذي يتجاوز الخمسين عاما. في اليوم التالي بنفس المنزل أصاب السكان هنا بالذهول فليس لأي من هؤلاء أي نشاط في الجيش الحر أو الثورة بشكل عام ناهيك عن أن هذه هي المرة الأولى الذي يقتل بها مدنيون في المدينة بهذه الطريقة الوحشية فغالبية شهدائها قتلوا قنصا أو بالقصف أو خلال الاشتباكات بالنسبة لعناصر الحر. حملات إعدام على الهوية: نفذت قوات الأسد في الأيام القليلة الماضية حملات إعدام ميدانية واعتقال تعسفي بحق سكان مدنيين على الهوية إضافة إلى عمليات قنص عشوائي في المدينة المحاصرة بنحو عشرة حواجز وذلك انتقاما لمقتل نحو عشرة جنود بينهم ضباط وجرح آخرين بعد تفجير الجيش الحر سيارة ذخيرة لجيش بشار على الطريق الحربي الذي يصل الشيخ مسكين بمدينة نوى تبعها اشتباكات عنيفة، وقد استهدفت الحملة التي شنتها الحواجز المنتشرة على أطراف المدينة كل من تتشابه كنيته مع كنية قياديين في الجيش الحر في المدينة بعد عجزها عن الرد على العملية النوعية.
وقد وجه ثوار المدينة بعد تصاعد الهجمة الانتقامية الشرسة نداء إلى المدنيين بعدم الخروج من الجزء الخاضع لسيطرة الجيش الحر في المدينة إلا في حالات الضرورة القصوى حيث شهدت المدينة التي كانت سوقا تجاريا للقرى والبلدات المحيطة بها شللا شبه تام في حركة السكان وخاصة تجاه الحاجز المتمركز على طريق دمشق درعا القديم عند التقاطع مع طريق نوى حيث يقع مخفرا الشرطة العسكرية والمدنية والمساكن العسكرية ونقطة إشارة تابعة للجيش. من مدينة إلى ثلاث قرى: للمدينة المنكوبة حالة خاصة بين مثيلاتها في حوران فما جرى فيها لا ينسحب على غيرها وقد حولتها الحواجز العسكرية والثكنات إلى ثلاث قرى يكاد كل جزء أن يكون مستقلا عن الآخر بشكل تام، يفصل طريق نوى الحربي المدينة جزأين الأول جنوبه شبه محرر ولا تواجد عسكري فيه ويعتمد سكانه في حاجاتهم على التواصل مع القرى الأخرى المجاورة بينما يقع الجزء الأوسط تحت سيطرة تامة للجيش الحر حتى قيادة اللواء 82 الذي يفصل المدينة بدوره الجزء الأوسط عن الشمالي الذي ينتشر فيه اللواء السابق بكثافة عالية ويقع تحت سيطرته إلى حد ما مع بعض اختراقات ينفذ فيها عناصر الحر بعض العمليات.
موقع المدينة وسط سهل حوران جعلها في مرمى العديد من ثكنات مدفعية جيش بشار وصواريخه عدا أنها تقع بين مدينتين لا تقلان أهمية عنها وهما إزرع ونوى وتشكل معهما ما أسميناه سابقا بمثلث الموت ويمر منها طريق يصلها بمدينة نوى وقد سمي طريق الموت حيث استشهد وجرح العشرات من المدنيين أثناء مرورهم فيه ناهيك عن مقتل عشرات العسكريين التابعين للأسد بعد استهدافهم من الجيش الحر وبالرغم من أنه أصبح منطقة عسكرية مغلقة إلا أن قوات الأسد مازالت عاجزة عن السيطرة عليه بشكل كامل فهو شريان حياة بالنسبة لكثير من الألوية والثكنات العسكرية لجيش بشار التي تقع في المنطقة الغربية من حوران. كابوس قوات بشار: تحول طريق نوى إلى كابوس يقض مضاجع جنود الأسد رغم انتشار المئات من الجنود على طوله واحتلالهم لعدة منازل ولكن الجيش الحر لا يبعد عن الطريق إلا أمتار قليلة ويرابط كثير من عناصره ساعات طوال بانتظار صيد ثمين مثل سيارة ذخيرة أو إطعام تتوجه إلى نوى أو القطع العسكرية المنتشرة على طول الطريق أو ضابط يعود من قطعته إلى منزله في مساكن إزرع أو الشيخ مسكين واللتان تحولتا إلى أشبه بثكنات عسكرية حيث يوجد في كل واحدة منهما مدرعات من أنواع مختلفة وعشرات الجنود.
ظل التنازع على الطريق سببا في استمرار تصاعد الهجمة الشرسة على الشيخ مسكين وقد توعد كثير من الضباط مرارا بتحويل المدينة إلى جحيم وقد سبب ذلك بإحداث انقسام بين السكان الذي يطالبون ببقائه سالكا حفاظا على ممتلكاتهم وأرواحهم على اعتبار ألا إمكانية لقطعه بشكل دائم بينما يرى الجيش الحر أن بقاء الطريق مفتوحا أمام التعزيزات ونقل الطعام والذخائر للكتائب الواقعة غرب حوران يندرج في سياق الخيانة العظمى فالخسائر المادية يمكن تعويضها والأولوية الآن هي إلحاق الهزيمة بجيش الأسد بكل الإمكانات. نداءات "الفزعة" دفعت الأحداث المتسارعة في الشيخ مسكين بثوارها وناشطيها إلى توجيه نداء للمجلس العسكري في المحافظة وكتائب الحر في حوران للفزعة لكتائب الجيش الحر المرابطة في الجزء المحاصر من المدينة بإمكانياتها المتواضعة والبدء بمعركة تحرير المدينة بعد حصار خانق فرض عليها منذ أكثر من ثمانية أشهر، فالجريمة الأخيرة قلبت موازين المدينة التي كان كثير من سكانها يفضلون بقاء الحواجز داخلها لأن ذلك يخفف من حدة القصف عليهم.
المدينة التي أنجبت عشرات الأطباء تعاني نقصا حادا في الكوادر الطبية بعد أن هجرها العشرات منهم سواء إلى داخل سوريا أم خارجها ولم يتبق فيها سوى بضع أطباء منهم متقاعدون ومنهم من يرفض تقديم العلاج خوفا من الملاحقة الأمنية ذلك أنهم يتنقلون عبر الحواجز ومازالوا في وظائفهم ضمن المستشفيات الحكومية وقد تسبب نقص الأطباء واقتصار الكادر الإسعافي على مسعفين يتبعون للهلال اللأحمر وعدم وجود أي مستشفى في المدينة المحاصرة بوفاة كثيرين كان من الممكن معالجتهم لولا حيلولة حواجز قوات الأسد دون إخراجهم إلى القرى المحررة التي فيها مستشفيات ميدانية. ضريبة الجغرافيا: يقدر ناشطون الخسائر التي دفعتها المدينة منذ بداية الثورة بمئات ملايين الليرات فقد دفع أصحاب المحال التجارية ضريبة مشاركتهم بالإضرابات وقد أحرقت قوات النظام عشرات المحال خلال الاقتحامات المتعاقبة على المدينة ولكن تصاعد الأحداث دفع بنحو ثلثي السكان إلى النزوح وقد تسبب ذلك بانعدام أي نشاط تجاري في المدينة التي كان سوقها التجاري المتنوع قبلة لجيرانها من البلدات والقرى المجاورة.
قلبت الثورة هنا في حوران كما في سوريا كل الموازين فتحولت نعمة الجغرافيا إلى نقمة وأضحى لزاما على الناس الذين تمتعوا بموقع سكنهم الاستراتيجي دفع ضريبة نيابة عن جيرانهم في القرى والبلدات الذين طالما دفعوا ضريبة لبعدهم عن وسائل وطرق المواصلات والطرق الرئيسية والمدن الهامة وعليهم الآن دفع ضريبة الجغرافيا بعد أن تمتعوا بموقع سكنهم الاستراتيجي لسنوات عديدة إن لم يكن لعقود.
أورينت نت
مفكرة الإسلام
محمد زيدو مستو
علاء الدين عرنوس
الشرق الأوسط
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة