هانا لوسيندا سميث
تصدير المادة
المشاهدات : 3794
شـــــارك المادة
باتت البلدة القديمة في حلب مكانا منعزلا هذه الأيام. كانت المنطقة التي حصلت على لقب «عاصمة التراث العالمي» من منظمة اليونيسكو تعج بالسائحين الذين كانوا يمتزجون بالسكان المحليين ويشترون الحلي من الأسواق، ولكنها اليوم أضحت مهجورة عدا من رجال يرتدون الزي العسكري وقطط ضالة، وأصبحت الحلي الوحيدة المتبقية هي أغلفة الرصاص على الأرصفة.
تغلق المداخل بنقاط تفتيش تابعة للمعارضين، وقد أصبحت الشوارع الضيقة القديمة داخل القلعة جزءا من خط أمامي عنيف. من خلال سيرنا مثل طلاب مدرسة في صف طابور خلف مجموعة من مقاتلي الجيش السوري الحر وقائدهم، نتشبث بالبناء الحجري، أولا على الجانب الأيسر، ثم إلى الأيمن، بينما نحاول البقاء بعيدا عن مرمى بصر القناصة. يقول محمود عفيش، قائد لواء سوريا الحرة في البلدة القديمة، إن رجاله يتوخون الحذر الشديد في هذه المنطقة القديمة الشهيرة بحلب، في حرب لحماية التاريخ مع التصدي لعدو مسلح بأسلحة ثقيلة. يقول: «نحن نحاول إبقاء هذا الخط الأمامي مستقرا».
في الأسابيع الأخيرة، التقى متخصصو آثار من أوروبا لمناقشة كيف يمكن الحفاظ على القلعة في خضم حرب أهلية وإعادة بنائها بمجرد انتهاء الحرب. يقول: «نحن سوريون ومهتمون ببلدنا». لكن البلدة القديمة تحمل مأساة مادية وبشرية أيضا. فمعظم سكانها قد رحلوا، وتم تدمير بنيتها الفريدة من نوعها قطعة تلو الأخرى.
يحدثني شخص حلبي قائلا: «بكيت عندما رأيت كيف تم تدمير منارة المسجد الأموي». ويضيف: «ليس لديهم احترام للتاريخ ولا لأي شيء». لكن وراء الجدران المرتفعة، عبر مدخل يبعد بمسافة بضع ياردات عن زقاق القناصة، ما زالت هناك مجموعة من المدنيين - الأكثر عرضة للمخاطر والأبرياء في هذه الحرب. اعتاد 40 من كبار السن العيش في كنيسة مار إلياس، التي تديرها مجموعة من الكاثوليك السوريين في قلب البلدة القديمة، ولكن الآن لم يبق منهم سوى ثمانية: الأكبر والأضعف، ومن ليس لديه مكان آخر يمكنه الذهاب إليه.
تقول جوانا، وهي واحدة من موظفي الرعاية الثلاثة الذين بقوا هناك: «بعض الناس الذين نرعاهم رحلوا مع أقاربهم وسافروا للخارج. والبعض انتقل إلى مناطق أكثر أمانا بحلب. لكن بعض الناس الذين يعيشون هنا متقدمون في العمر وفي حالة مرض شديد بحيث يستعصي عليهم الانتقال». إنهم يواجهون خيارا مستحيلا: كونهم ضعفاء جدا بحيث يستحيل عليهم إدارة التحدي بالخارج للهروب من البلدة القديمة، علاوة على ضعفهم الشديد إلى الدرجة التي يستحيل عليهم معها البقاء. لقد توفي الناس هنا إبان المعارك، لا من الرصاصات الشاردة أو الشظايا، ولكن من الأزمات القلبية التي أصيبوا بها جراء حالة الذعر والفوضى. لقد تم تحويل حوض أزهار إلى قبر غير معروف نظرا لأن منظمة الصليب الأحمر رفضت الحضور لالتقاط جثة شخص توفي. تقول جوانا: «قالوا إنه من المستحيل أن يأتوا إلى هنا، فهي مهمة بالغة الخطورة». غير أن الكنيسة، بساحتها البديعة وأيقوناتها الكاثوليكية، لا تزال يبدو أشبه بمعبد أو محراب، على الرغم من وجود ثقب في سقف غرفة المصلى، حيث مرت عبرها قذيفة. وتقول جوانا إنهم يعتمدون على الثوار الآن، وإن المقاتلين المسلمين السنة يحمونهم ويجلبون لهم الطعام والإمدادات في روتين يومي يثبت أن سوريا المتسامحة متعددة الثقافات ما زالت حية. تقول جوانا: «نحن المسيحيين ندرك أن هذه الحرب ليست متعلقة بالدين». تقول إن هذا المبنى شيد بأموال تم جمعها من المؤسسات الخيرية وإنها تجسد حقيقة سوريا - لا حمام دم طائفيا، وإنما مكان يمكن فيه للأفراد من مختلف العقائد أن يعيشوا معا في سلام جنبا إلى جنب معا على مدى قرون. وتقول: «المعركة هنا بين السوريين الذين يهتمون ببعضهم البعض وديكتاتور لن يتنحى عن الحكم». على غرار البلدة القديمة نفسها، تعتبر تحف كنيسة مار إلياس مهددة، إضافة إلى الحياة الهشة للأفراد داخلها.
يقول محمود عفيش: إن لواءه يحاول عدم استخدام الأسلحة الثقيلة بالقرب منها، غير أن القذائف ما زالت تسقط على مقربة بشكل مرعب. يبدو أن الجنون سيستمر، غير أن جوانا تقول إنها ستستمر في القيام بوظيفتها، حتى وإن رحل كل الناس الذين تهتم بهم في نهاية المطاف. تقول جوانا: «تعود هذه الكنيسة إلى مائتي عام، وقد أبقى هنا لمجرد حمايتها وحماية كل الأشياء الموجودة داخلها». وتضيف: «كنا نعيش هنا قبل مجيء بشار الأسد، وسوف نظل هنا بعد رحيله».
الشرق الأوسط
أحمد حمزة
ماهر شاويش
العربي الجديد-عدنان عبد الرزاق
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة