..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


مقالات منوعة

الثورة في سوريا.. بين بثينة والبوطي

حلمي القاعود

٥ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 5948

الثورة في سوريا.. بين بثينة والبوطي
1.jpeg

شـــــارك المادة

السيدة بثينة شعبان هي مستشارة الرئيس السوري بشار الأسد، تجاوزت الستين مثلي، ولكنها تبدو بصحة جيدة، وصوتها جهوري وتملك طلاقة تعبيرية ملحوظة باللغة العربيَّة الفصحى، ولديها قدرة واضحة على تحويل الأنظار عن القضايا المطروحة إلى القضايا التي تريدها هي أو يريدها النظام بمعنى أدق.


أما البوطي، فهو فضيلة الشيخ الدكتور محمد سعيد البوطي، أستاذ الشريعة بجامعة دمشق، وإمام الجامع الأموي العريق، ويعدُّ من أشهر علماء سوريا الآن، وهو متحدث لبق، ويملك قدرة تعبيريَّة على التحدث في قضايا الشريعة بما يجعله وجهًا مقبولًا لدى العامة والخاصة على السواء، وأذكر أنني تلقَّيت منه رسالة في السبعينيات، حول نشر بعض كتبه، وكانت ذات خط جميل يُنبئ عن أناقة صاحبه وتنظيمه، وإن كنت لم ألقه أو أره.
السيدة بثينة شعبان خرجت على شاشة التلفزيون في مؤتمرٍ صحفي عقب مجزرة درعا ومقتل عشرات من أهلها برصاص النظام السوري الحي؛ لتتلو على الصحفيين مجموعة من القرارات التي أصدرها الرئيس السوري بشار الأسد تدور حول تسهيل بعض الأمور المعيشية للناس، وأكَّدَت السيدة بثينة أنه لا توجد خلافات بين الحكومة والشعب في سوريا (؟)، وأن الإعلام يضخِّم الأحداث، وأن أحداث درعا تستهدف وحدة واستقرار سوريا، حيث ذكر ناشطون حقوقيون وشهود عيان أن مائة شخص على الأقل قُتلوا في مدينة درعا يوم الأربعاء 24 /3 /2011م، على أيدي قوى الأمن السوريَّة بعد اقتحامها المسجد العمري بالمدينة، فضلًا عن مئات الجرحى!
وقد لقي سلوك السلطة السوريَّة استهجانًا من أصحاب الضمير ودول العالم المؤثرة بدءًا من الولايات المتحدة حتى تركيا، وهو ما حاول الرئيس السوري استدراكه على لسان السيدة بثينة شعبان بإصدار بعض المراسيم التشريعيَّة التي تقضي بزيادة الأجور والرواتب والمعاشات، وتعديل معدل الضريبة على الرواتب والأجور ورفع الحدّ الأدنى المعفي من الضريبة من الدخل الصافي إلى عشرة آلاف ليرة سوريَّة.
ونقلت السيدة بثينة شعبان تعازي الرئيس السوري في قتلى درعا، وقالت: إن الأسد "لا يهون عليه إراقة قطرة الدماء من الشعب السوري"(؟)، وقالت إن قرارات قيادة الشعب هي توفير أفضل الخدمات للسوريين، ومنها زيادة رواتب العاملين في الدولة وتوفير الموارد اللازمة لزيادة فرص العمل للعاطلين عن العمل.
وأكَّدت السيدة مستشار الرئيس السوري أن سوريا تنوي إعداد مشروع لقانون الأحزاب في سوريا وتقديمه للحوار السياسي والجماهيري ودراسة إنهاء العمل بقانون الطوارئ "بالسرعة الكليَّة".
كما وجَّهت السيدة بثينة شعبان "التهنئة" إلى الأكراد في سوريا بمناسبة عيد النيروز، طبعًا لم تصدر هذه المراسيم إلا بعد مجزرة درعا! حيث لم تتوقف الأحداث بقتل وجرح المئات من أهلها، ولم يتقبل الشعب السوري محاولات الرئيس الأسد لوقف الغضب الشعبي، وتمادي الإرهاب الأمني السوري في القتل بالرصاص الحي، وإصابة المواطنين المحتجين سلميًّا بعد امتداد الغضب إلى مدن أخرى مثل الصنمين ودمشق والقامشلي واللاذقيَّة وحمص وغيرها، وسقط العشرات من الشهداء والمئات من الجرحى، وتزايدت الاحتجاجات والمطالبة بالحرية ووقف جرائم الأمن ضد الجمهور الأعزل، ولكن السلطة تمادت وأغلقت أسماعها عن الاستجابة للنداءات الدوليَّة التي تدعو إلى وقف القمع والكفّ عن إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين.
العالم ومنظمات حقوق الإنسان والسياسيون يقفون إلى جانب الشعب السوري، وينادون بحفظ دمائه، ولكن النظام البعثي الطائفي في دمشق، لا يبالي ولا يكترث، بل يغالط ويكذب ويدعي أن أهل درعا هم الذين اعتدوا، ويعرض أسلحة يدعي أنهم استخدموها، وأن تدخلات أجنبيَّة من وراء الأحداث، ويكرر السيناريو نفسه الذي كان يقول به الطغاة المخلوعون والذين في طريقهم إلى الخلع بدءًا من بن علي ومبارك إلى القذافي وعلي عبد الله صالح!
وإذا كان طبيعيًّا أن تدافع بثينة شعبان عن النظام الذي تنتمي إليه، فإن من غير الطبيعي أن يدافع بعض علماء الدين عن النظام الدموي الإرهابي الظالم الذي قتل وما زال يقتل المحتجين على إجرامه ومظالمه، ولا أدري ما الذي يدفع مفتي سورية إلى الانحياز للنظام الدموي الإرهابي، ويصطف معه في موقف واحد مخز ومشين، ويسوغ ذلك بكلام لا يقبله من لدية أدنى ذرة من عقل؟ إن المفتي (أحمد حسون) يهاجم فضيلة الشيخ القرضاوي، ويسوغ قتل المتظاهرين في سوريا بتكرار الأسطوانة المشروخة بأن هناك أيادٍ خارجيَّة تحرض على الفتنة، متناسيًا القمع والفساد والاستبداد والطائفية والظلم الاجتماعي!
وإذا كان المفتي يبدو منصاعًا للنظام لأسباب تخصُّه، فضلًا عن إحساسه أن النظام هو الذي يعينه، وهو الذي يقصيه، فما الذي يدفع رجلًا مثل الشيخ البوطي، بلغ أرذل العمر، وصار قريبًا من الآخرة، ومن لقاء الله، ولن يبلغ منه النظام ما يبلغه من المفتي وأمثاله، أن يردد الأسباب نفسها، ويتحدث عن الأيدي الخارجيَّة، وعن الاستقرار، وغير ذلك مما ورد في الأسطوانة المشروخة ذاتها؟
لقد دَعَا البوطي السوريين إلى عدم الانقياد وراء الدعوات المجهولة المصدر التي تحاول استغلال المساجد لإثارة الفتن والفوضى في سوريا.
وحثَّ الدكتور البوطي الشباب السوري في كلمة وجهها مساء الخميس 25 /3 /2011م، من التلفزيون السوري؛ على التبصر للمؤامرة التي تحاك ضد سوريا(؟)، رافضًا ما يسميه الانقياد إلى المجهول من خلال دعوات تحريضية من جهات لا ترغب في الإفصاح عن شخصيتها، وهو ما يؤكد حسب رأيه سوء غاية هذه الجهات التي ليس لها مراد إلا دمار البلاد وهلاكها.
وقد حكم البوطي على المحتجين بالخيانة والكفر ووصف القسم الأكبر منهم بأنه "لا يعرف جبينه السجود أبدًا"، واتَّهم الكيان الصهيوني بأنه شريك في استثارة ما سماه العاصفة التي تجري، وأضاف محمد سعيد رمضان البوطي قائلًا: "يوم الجمعة الفائت وقبل أن ننهي الصلاة كان الجو داخل المسجد طبيعيًّا، ولما خرجت من المسجد ولاح أمامي صحن المسجد الخارجي وإذا بي أمام أناس كانوا موجودين في باحة المسجد لكن لم يصلوا وكان ينتظرون الساعة التي ينفذون بها الأوامر(؟!)، ليست وجوههم وجوه مصلين وليس تصرفاتهم تصرفات ناس يتعاملون مع المساجد هذه ظاهرة رأيتها".
وختم البوطي وهو إمام الجامع الأموي كلامه بالقول: "الإصلاح واجب ومشروع، الإصلاح بدأ ويسير(؟!) ولو توقف نقول لكل حادث حديث، نعم نحن رواد إصلاح ولا يوجد إنسان معصوم ونحن قلنا للسيد الرئيس ونقولها دائمًا نعم طالبنا بالحريات وطالبنا بأمور كثيرة قد لا تخطر في بال مَن يطالبون بالإصلاح اليوم وتمت الاستجابة لها... "!
ومشكلة الشيخ البوطي أنه يتصوَّر ما قالته بثينة شعبان هو الإصلاح المزعوم الذي يسير، ونسي أن دماء البسطاء الذين اغتالتهم يد الإجرام النصيري كانت حارة، ولا أحد يعلم بأي ذنب أهرقت، وإذا كان ينفي الإسلام عن الشعب السوري من أجل رئيسه النصيرى الذي حكم عليه الإمام ابن تيمية مع طائفته حكمًا هو أعرف الناس به، فهل عدم صلاتهم يسمح كما يزعم فضيلة إمام الجامع الأموي بقتل العشرات وجرح المئات في بقية أرجاء دمشق العمرية (نسبة إلى عمر بن عبد العزيز) وبقية المدن السوريَّة؟
مولانا يعلم جيدًا أن نصف الشعب السوري يعيش منفيًا، غريبًا عن بلاده، ولا يسمح النظام الطائفي الدموي المجرم بدفن من يموت بالمنفى في بلاده، وبلغ به الفجور أن يعتقل من يشاء بلا حساب ولا رقيب لدرجة أن يسجن رجلًا في الثمانين، وشابة صغيرة في السابعة عشرة من عمرها بسبب رأي قيل هنا أو هناك.
إن النظام الذي تخلَّى عن قضيته الأولى وهي تحرير الجولان، وتفرَّغ لتحرير شعبه من الإسلام لا يستحقُّ من شيخ مثل البوطي أن يقف معه ويكفِّر من أجله جموع الشعب المظلوم، ويصفهم بأن جبينهم لا يعرف السجود أبدًا!
النظام السوري يزحف على يديه ورجليه من أجل التفاوض مع العدو، ولا يمثل الممانعة بحال، لأن الأسد الكبير كما يعلم الشيخ البوطي إمام الجامع الأموي؛ قد باع الجولان للعدو بثمن بخس، وأعلن سقوطها قبل وصول قوات العدو إليها بسبعة عشر ساعة. -أحيل القارئ إلى كتاب سقوط الجولان الذي ألفه ضابط المخابرات السوري خليل مصطفى، وصدر عن دار الاعتصام، 1400هـ - 1980م-.
أقول للشيخ البوطي: {وَلا تَرْكَنُوا إلى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ..} (هود: 113)، ثم إن الشعب السوري يطلب الحريَّة قبل زيادة المرتبات وتخفيض الضرائب!

المصدر: الإسلام اليوم

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع