..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


اخبار الثورة

أطفال سوريون في المسلخ

ليال بورسلان

٢٤ مارس ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 4590

أطفال سوريون في المسلخ
سوريون في المسلخ 1.jpg

شـــــارك المادة

 

في مسلخ صبرا، يعمل الطفل السوري محمد، الآتي مع عائلته هرباً من معرّة النعمان. يبدأ شغله عند الساعة العاشرة ليلاً ويستمر إلى العاشرة من صباح اليوم التالي. يقبض راتباً أسبوعياً "مرموقاً" يراوح بين عشرة آلاف ليرة وخمس عشرة ألف ليرة.
أحياناً يمتد دوام عمله إلى الظهر، فيكون مجموع ما يمضيه في المسلخ نحواً من أربع عشرة ساعة في غالبية أيام الأسبوع.


وحين يعود إلى المنزل، لا يكون يملك القوة لخلع ملابسه ولا لتناول الطعام، بل يغطّ في نومٍ عميق، واجداً فيه سعادته الوحيدة. وكم من المرّات، كانت شقيقته تلقمه الطعام وهو نائم، من جرّاء الإنهاك الذي يعتري جسده الهزيل.
لا يعمل محمد في إحدى المهن المعروفة والمتداولة كالحدادة أو البويا أو الميكانيك، بل يعكف على تنظيف الكروش والمصارين ونقل أفخاذ اللحوم وصدورها إلى حيث تنتظر السيارات في مرأب أمام المسلخ.
من الآثار المترتبة على هذا العمل المضني، أن رقبته تعرضت للالتواء، ولالتهاب مزمن، بسبب المشقات الناجمة عن عمليات النقل المرهقة.
"معلّموه" لا ينادونه باسمه، بل بعبارات ليس من اللائق إيرادها في هذا الموقع، بسبب ما تنطوي عليه من ابتذال وسوقية ومهانة.
عندما اقتربتُ منه لألتقط له صورة تذكارية، لم يتمكن من إخفاء نظرةٍ ملأى بالأسى، كافية لاختصار الحال النفسية التي تضطرم في دواخله مما آلت إليه حياته.
روى لي أنه كان يتمنى لو استطاع الانضمام إلى إحدى المدارس في المنطقة، ليتعلّم ويعيش ما يعيشه الأطفال والفتيان الذين من عمره، لكن والده حضّه على العمل للمساهمة في ردّ غائلة الجوع عن إخوته وأخواته.

حدّثني بأسى عن البرد الذي يغمر جسده بسبب المياه والرطوبة التي تتسرب إلى ثيابه في المسلخ. وأخبرني أنه تعرّض أكثر من مرّة للتعنيف، وأحياناً للضرب، على أيدي زبائن، بسبب هفوات صغيرة قد تكون نجمت عن إتيانه هذا العمل الشاق.
يبلغ محمد الحادية عشرة من عمره، وهو من عائلة سورية تتألف من الأب والأم وأربعة صبية وخمس بنات، الكبرى بينهن في السادسة عشرة من عمرها، وهي على وشك الزواج من شاب سوري.
أما "البيت" الذي ستنتقل إليه، فلا يفصله عن مكان سكن العائلة إلاّ "برداية" فاصلة داخل الغرفة نفسها.
هربت العائلة إلى لبنان منذ خمسة أشهر، بعدما طاولها التهجير في مسقطها، ولم تجد مكاناً تلجأ إليه إلاّ في مخيّم الداعوق الملاصق لمخيّم سعيد غواش، على أطراف مخيّم صبرا.
شقيقه أيهم، تسع سنوات، يعمل في محلّ لبيع الخضر، ويقبض ألف ليرة يومياً لقاء نهارٍ كامل يمضيه من السابعة الى السابعة في المحل المذكور.
شقيقه الآخر عبده، يبيع البالونات في أزقة المخيّم، وهيهات أن يعود مساءً إلى البيت وفي يده ما يضيفه إلى "صندوق" العائلة لدفع إيجار "المنزل" البالغ شهرياً 500 ألف ليرة.
شقيقته الصغرى، حلا، البالغة من العمر سنة ونصف السنة، رأيتها وأنا أغادر المخيّم تلحس "مرطباناً" كان على الأرض، علقت عليه بقايا مربّى المشمش.
الجمعية التي تهتم بأوضاع السوريين هناك، تعتقد أن وضع هذه العائلة مريح نسبياً، لأن ثلاثةً من أفرادها "يجنون" المال.
لكن، كم يجني هؤلاء؟
ولقاء كم من الساعات؟
إنهم يجنون ما مجموعه حوالي خمس وعشرين ألف ليرة في الأسبوع، لقاء 12 ساعة عمل لكلّ من هؤلاء "العمّال" الأطفال الثلاثة!



النهار

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع