..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


مقالات منوعة

يا أهل الشام: شمروا واجتهدوا.. وأنتم الأعلون

سليمان أبو الخير

١٨ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2398

يا أهل الشام: شمروا واجتهدوا.. وأنتم الأعلون
753.jpeg

شـــــارك المادة

قف قليلاً، خفف الوطء، شمر واجتهد وانقل خطوك في حذر، فأديم الأرض مغطى بالدم المسفوح، وامض رويداً رويداً، متى شئت إن تمضي وتلفت، فلعل على جانبيك من يستغيث من غير صوت أو إشارة، ففرعون دمشق أمعن في الذبح ومن منكم لا يعرف الذبح، فما أبقي لأحد حتى على صوت أو إشارة، وإن أصابك بعض الفضول، فاستدر بكلك والتفت إلى الوراء، كي تشرع ما اتسعت ذاكرتك من الأرقام المجردة، في عد الشهداء الأحرار الذين سقطوا على يد النظام المتعطش لكل دم حر أبي عصي على الضيم والظلم والعدوان في بلاد الشام.... تكاد من هول الفاجعة أن تغرق في الإحباط، يهوي بك إلى قعر من القنوط...


فبطن الوادي ادلهمت الظلمة فيه، وصار نقل الخطى هناك ضرب من ضروب المجازفة، فقد زرع مجرمو الأسد الألغام المضادة للأفراد على كل الحدود، كيلا تبقى لأحد من المدنيين الفارين من أتون الذبح أي فرصة من فرص النجاة....
أما الجبل فسفحه زادوا في زاوية انحداره، ووعورة مرتقاه فما عاد أحد قادر على تسلقه أو الهبوط منه، فعلى كل شارف منه وأكمة زرع محترف إجرام من القناصة استقدموه من خلف الحدود يترصد كل شاردة وواردة كي يعدمها الحياة...
وعلى البحر زرعوا الزوارق والبوارج الحربية، ودكوا بها الساحل، ولم يسلم حتى المخيم اليتيم، حتى هذا فقد انضاف إلى تل الزعتر وعين الحلوة والبداوي وانجر عليه تراب كثير كما انجر عليهما وصار شيئاً من الذكريات، وبعضاً من الماضي الذي نتمنى لو نقدر على نسيانه فننساه!!!
أما سلاح الجو، فعجبك قد يتجاوز عجب واستغراب موسى - عليه السلام - من الرجل الصالح في حكاية خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار، حين تدرك إدراك المشاهد الموقن أن هذه الطائرات بقيت في مرابضها، حين حلقت طائرات معادية من خلف الحدود فوق عرين الجرذ كي تقصف وتعود إلى قواعدها سالمة، أما طائراتنا فقد أفرغت حمولتها أثناء إعداد هذا المقال فوق حمص وحماة وإدلب والساحل... وهي بدورها عادت إلى قواعدها سالمة!!! موسى - عليه السلام - عرف السبب فزال منه العجب، ونحن ما زلنا نعيش في كل يوم رجب وما زلنا نرى العجب!!
أما المدن... هل بقي في لغتنا الجميلة يوم كانت لها على الدنيا دلال الحسناء طلعت طلوع البدر في الليلة الظلماء... أقول: هل بقي في لغتنا ما يفي بالغرض من كلمات الندبة والحزن المفضي إلى التفجع، هل هناك ما يتخطى كلمات الحسرة والتحسر، إن وجدت فهي لكل المدن المنكوبة على امتداد تراب بلاد الشام...
سئمنا سؤال البشر، فتعالوا نسال الشجر ما بقي وما انهد من الحجر، اسألوا حمص.. مروا باحيائها... حاراتها... أزقتها... بابا عمرو... الإنشاءات.. البياضة....
حماة... اسألوها.. اسألوا نواعيرها التي صمدت آلاف السنين أمام تقلبات الطبيعة والتاريخ، تمكن أبناء الأسد حافظ ورفعت من تركها في غفلة من الزمان قاعاً صفصفاً... وعلى رأي من قال: من خلف ما مات، سار الأبناء على خطى الآباء في الفضائح والفظائع والجرائم، دكت البيوت على رؤوس ساكنيها في كل المدن...
عوجوا على إدلب والدير ودرعا، عوجوا على الزبداني... مضايا... دمشق الأمويين بريفها وأحيائها... هل أبقي البغاة على حرمة لشيء... لقد استمرت آلة طحن الأبناء على خطى الآباء.. تطحن الحيوان والحجر والشجر ناهيك عن طحن البشر!!!
قتلوا والله وأوغلوا..
اغتصبوا والله وأفحشوا...
سرقوا والله وافسدوا...
كفروا والله وفجروا...
امتهنوا كل شيء -من الإهانة وإن شئت فمن المهنة-... امتهنوا كل شيء إلا الفضيلة... فما بينهم وبين الفضيلة تجاوز بعد المشرقين!!
كل هذا بالمحسوس الملموس يبعث إلى ما ذهبنا إليه وزيادة، ويزيدنا ضيق صدر على ما عندنا من ضيق صدر، أن العالم كله قلب لنا ظهر المجن، وراح يسرف في الكيد لنا.. والشماتة بنا، كما لو أنه يثار منا.. فكل من حولنا صاروا بين متفرج لا يبالي... ومساند موافي لا لنا بل علينا... وفي كل محافل الدنيا.. أكثرهم عطفاً علينا بادلنا غراماً ونبذنا سيوفاً مشرعة وأوهاماً... كل هذا بلسان العوام من الناس "كوم" وأبناء جلدتنا، سندنا المفترض... وعزوتنا.. "كوم".. وكل هذا وذاك "كوم" واختلافنا على حقنا.. وتشتتنا من حوله "كوم ثالث".
إن من بيننا من يحبذ الإمارة ولو على الحجارة... خصومنا قد اجتمعوا على باطلهم، واختلفنا على حقنا مطمئنين، سادرين.. لاهين...
غير إن المتأمل لما بين أيدينا من كتاب نؤمن به إيماننا بكل جارحة مَنّ الله بها علينا، كي نذعن مستسلمين لقوله - تعالى -: {و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}، قول صادق كهذا يتركنا نهب لسؤال مشروع، يلح علينا في استنهاض الإجابة: لماذا يتأخر النصر؟!
نحن الذين سللنا من تحت جلدنا بعبعنا الذي أطعمناه من حر مالنا حتى أشبعناه، وسقيناه من صافي مائنا حتى رويناه، واشترينا له السلاح ليحمينا به، فإذا به يوجه إلى صدورنا كي نكون أول وقوده، تركنا للباغي اللئيم الفرصة، فتمسكن حتى تمكن!!
استنكف آغوات بلادي عن تشييع أبنائهم إلى الجيش، فهذه مهنة دونية لا تناسب الأبناء، ليس أقل من الطب أو الهندسة، فنحن على رأي من قال: لنا الصدر دون العالمين أو القبر!!
فاخترنا الثانية، وكان ميلاد الإجرام مجتمعاً في آلـ(الأسد)، يغار علي قرانا وأريافنا ومدننا ينتزع أبناءنا فلذة أكبادنا من أحضان أمهاتهم، يسوقهم عنوة إلى الجبهات، يتقاتل فيها جيشان لا يعرف أحدهما الآخر من أجل اثنين يعبد أحدهما من دون الله الآخر!!
من كان في شك من كل هذا، فليتصفح تاريخ حُماة الديار، من لبنان إلى العراق مروراً بالجولان، والمُشاهَد الآن غني عن التعريف!!!
ساق أبناءنا عبيداً جنوداً أغراراً، فعباهم ضدنا، وحين حاق بنا مكرهم، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، رحنا نصيح بملء حناجرنا على العملة النادرة في هذا الزمن الأغبر، على أهل النخوة والحمية... وإن كان لي من زعم، فقد ذكروا في مدارج السالكين أنهم ظعنوا مع الريح؟!
من هنا ما عاد لنا من مندوحة أن نجيب: هل حقاً أنه لم يبق في الميدان إلا الأسد حديدان؟!!
هذا قولنا في حدود عجزنا البشري، غير أن لله يا أبناء الشام، شأناً آخر وسنناً ما حاد قدره عنها ولا أبطأ، وسؤالنا اللاحق نطرحه على النحو التالي: كم دب على أديم الأرض هذه من بشر وأمم، من عهد آدم وأمنا حواء - عليهما السلام - وحتى يوم بشار الإجرام هذا عليه من الله ما يستحق؟!!
يا صاح.. خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد، فإذا أجبتم -ولا أظنكم تعجزون-، ستقولون مطمئنين: أمم كثيرة، عندها سنتبع بالسؤال التالي: أين هم الآن؟؟!! هل ترى منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا؟!! وإذا كانوا جميعاً قد تساووا تحت الثرى، فلماذا لا يريد هذا الدعي أن يصدق بأنها لو دامت لمن قبله لما وصلت إليه!!
قال - تعالى -: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ}... ماذا نسمي فعل بشار؟!
وهل بعد القتل من فساد؟!! {فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ}..
ثم عاقبة كل متكبر ظالم جواظ؛ {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}.
فاصبروا وصابروا، فما النصر إلا صبر ساعة، {ويقولون متى هو، قل عسى أن يكون قريبا}.
الله وكيلكم يا أهل الشام.. وحسيبكم ونصيركم، ومؤيدكم وناصركم فحسبكم وكفى.... فشمروا واجتهدوا.. وأنتم الأعلون... الله مولاكم وطاغية دمشق وأعوانه ومناصريه لا مولى لهم.....

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع