الشرق الأوسط
تصدير المادة
المشاهدات : 8052
شـــــارك المادة
بعدما وصل التقدم العسكري الذي أحرزه الجيش الحر في نهاية العام الماضي إلى مرحلة الذروة، يبدو واضحا في الفترة الأخيرة تراجع هذه الوتيرة، على الرغم من استمرار العمليات العسكرية في معظم المناطق بين الجيش النظامي من جهة والجيش الحر وكتائب أخرى من جهة أخرى.
لكن هذا الوضع على الأرض، يصفه قياديون في الجيش الحر بأنه في بعض الأحيان «تراجع تكتيكي» على غرار ما حصل في العاصمة دمشق، أو «استاتيكو (ثبات) عدم التقدم» على جبهات عدة مع تكثيف الجهود للمحافظة على المواقع التي سبق أن حققوا فيها تقدما؛ لا سيما في الأرياف؛ حيث نجحوا في تسجيل خريطة انتشار واسعة في معظم المحافظات باستثناء مدينتي حمص وحلب حيث تدور في مناطقهما وأحيائهما معارك «كر وفر».. فيما يقتصر ما يمكن اعتباره تراجعا لكتائب «الحر» في دمشق في موازاة تقدم جيش النظام الذي يعتبر نهايته مرتبطة بنهاية العاصمة بحسب ما يرى العقيد عارف الحمود، قائد عمليات تجمع كتائب شهداء وألوية سوريا. مع العلم أن القادة والضباط الذين يعترفون بهذا الواقع يؤكدون أنه يأتي نتيجة نقص الذخيرة، وبالتالي تخفيف وتيرة العمليات العسكرية، لكنه في الوقت عينه لم ينتج عنه تقدم للجيش النظامي، وخير دليل على ذلك معركة داريا التي تدور رحاها منذ نحو شهرين ونصف الشهر تقريبا، من دون أن ينجح أحد الطرفين في إنهائها.
وفي نظرة عسكرية لمستجدات المعارك في سوريا، يقول الخبير العسكري العميد المتقاعد إلياس حنا لـ«الشرق الأوسط»: «المعركة على الأرض تظهر أن كلا الطرفين غير قادر على الحسم. ويمكن القول إنه بعد سنتين من القتال، لا سيما في المرحلة الأخيرة، لا تقدم لقوات النظام ولا تراجع للمعارضة العسكرية، فيما المواجهات لا تزال مستمرة والطرفان يستنزفان جهودهما في هذه المعركة». مشيرا كذلك إلى أن «الوقت في صالح الجيش الحر، على الرغم من أنه ليس جيشا منظما يفتقد إلى الأسلحة والتنظيم، وفي ظل أيضا عدم توحيد الأهداف السياسة والعسكرية والآيديولوجية وفي غياب أي دعم عسكري فعلي، الأمر الذي ينعكس سلبا على عمل كتائب المعارضة وتقدمها عسكريا، إذا لم يعمل المجتمع الدولي الذي اعترف بالائتلاف الوطني على ترجمة هذا الاعتراف بأفعال».
هذا الواقع يلفت إليه أيضا العقيد حمود، مؤكدا لـ«الشرق الأوسط» أن «ما يجري على الأرض اليوم، هو تراجع في وتيرة العمليات العسكرية بسبب عدم توفر الذخيرة، من دون تسجيل أي تقدم للجيش النظامي مع المحافظة على المواقع التي سبق للجيش الحر أن نجح في السيطرة عليها». ويعزو الحمود سبب الشح في الأسلحة إلى تخاذل المجتمع الدولي وعدم تنفيذه الوعود التي سبق له أن قطعها لجهة الدعم العسكري والمادي، وذلك في محاولة منها للضغط على المعارضة للقبول بالحل السياسي.. رافضا في الوقت عينه اعتبار البعض أن تشرذم كتائب الجيش الحر وتعدد القيادات لهما دور في هذا الأمر، قائلا: «العمل العسكري على الأرض موحد والجميع يتعاونون مع بعضهم للوصول إلى أي هدف، بعيدا عن أي خلافات أو مشكلات تذكر»، ولفت إلى أن جبهة النصرة تلقى بدورها ترحيبا من الشعب السوري الذي يؤيد أهدافها لجهة تخليصه من الظلم، فيما العالم لا يزال يتفرج.
ويتوافق رأي أبو إياد، الناطق باسم المجلس العسكري في دمشق، مع ما قاله الحمود، واصفا ما يجري عسكريا على الأرض بـ«ستاتيكو عدم التقدم» على بعض الجبهات، في حين أن الوضع في دمشق لصالح النظام التي تنتشر خلاياه وقواته على الحواجز وفي معظم المناطق. معتبرا أن معركة ريف دمشق تشهد استنزافا من الجيش الحر، فيما المجتمع الدولي يعمد إلى التقطير في «عملية إدخال الذخيرة» عبر الحدود.
أما ميدانيا، فيجمع كل من أبو إياد والحمود على أن 90 في المائة من الريف الدمشقي تحت سيطرة الجيش الحر، وأهم مناطقه الغوطة الغربية والشرقية حيث لا تزال معارك «الكر والفر» دائرة في دوما وحرستا، والمناطق المحيطة للمطار وعقربا وبيت سحم والحجر الأسود والقدم، كما نجح الثوار في السيطرة على مطاري عقربا ومرج السلطان إضافة إلى تعطيل العمل بمطار دمشق الدولي.
ويؤكد كل من أبو إياد والحمود أن النظام يستميت في معركة داريا التي تدور منذ أكثر من شهرين، وذلك نظرا إلى قربها من مراكز حكومية أساسية إضافة إلى القصر الجمهوري. وهنا يشير أبو إياد إلى أن الجيش الحر في حالة دفاع دائم في هذه المعركة الحساسة، مطالبا بمساعدات كي يبقى محافظا على وجوده وعدم التراجع، ومؤكدا في الوقت عينه أن النظام لغاية الآن لم ينجح في تحقيق اختراق ملحوظ، وهو يركز عملياته على محاور محدودة، معتمدا على القصف بطائرات الـ«ميغ» و«سوخوي» وصواريخ «أرض أرض» وضربات المدفعية والدبابات التي تتقدم أرتالا، في حين تقتصر مواجهة الجيش الحر على الأسلحة المتوسطة وكمية قليلة من مضادات الطائرات، في حين تبقى قوته الأساسية في المعركة الميدانية على الأرض؛ حيث تتفوق عناصره على قوات النظام الذي لا يجرؤ حتى على إدخال كل دبابة على حدة، بل أرتالا أرتالا.
ويأتي ذلك بالتزامن مع إعلان وكالة «سانا» أول من أمس، أن وحدة من قواتها عثرت على ثلاثة أنفاق في داريا بريف دمشق كان «الإرهابيون» يستخدمونها في التنقل ونقل الأسلحة والذخيرة، لافتة إلى أن الأنفاق تصل بين مبنيي المالية والبلدية وجامع أنس باتجاه المركز الثقافي.
أما في حمص، فيشير الحمود إلى أن مشكلتها تكمن في احتوائها أحياء موالية وليس فقط مناطق، الأمر الذي يجعل المعركة صعبة بعض الشيء، وقد نجح الجيش الحر في السيطرة على أحياء، فيما تبقى بعض الأحياء الأخرى تخضع لمعارك «الكر والفر».. لافتا إلى أنه في أحيان كثيرة يعمد إلى الاستيلاء على بعض الحواجز وما فيها من معدات، ليعود بعدها ويتركها لعلمه بأنها ستتعرض للقصف. بينما، يشير أبو إياد إلى أن «دير بعلبة» التي كانت من أولى المناطق المحررة، عاد الجيش الحر وتراجع منها بعدما تمت محاصرتها بشكل محكم، إضافة إلى سوء تكتيك من بعض الكتائب المقاتلة، الأمر الذي أدى إلى الانسحاب منها في نهاية الشهر الماضي. مؤكدا أن مناطق الرستن وتلبيسة والقصير وريف حمص الجنوبي، لا تزال تحت السيطرة.
وعلى خط تكثيف عمليات قوات النظام في حمص في المرحلة الأخيرة، عمد الجيش النظامي إلى تصعيد هجماته على معاقل المعارضة في مدينة حمص ودفع بقوات برية ونحو عشرة آلاف من «الشبيحة» في مسعى لتأمين طريق لقواته. وقال ناشطو المعارضة في حمص إن نحو 15 ألف مدني حوصروا أول من أمس عند الأطراف الجنوبية والغربية للمدينة قرب تقاطع طريقين أحدهما يربط بين شمال البلاد وجنوبها والثاني يربط بين شرقها وغربها، وهو تقاطع مهم لقوات النظام في تحركها بين دمشق والساحل المطل على البحر المتوسط. وذكروا أن القصف الجوي والصواريخ التي أطلقها الجيش ونيران المدفعية قتلت على الأقل 120 مدنيا و30 من مسلحي المعارضة منذ يوم الأحد الماضي.
وفي حلب، التي كان من المفترض أن نهايتها تكتب منذ أشهر، لم ينجح لغاية اليوم أحد الطرفين على حسمها، وهذا ما يلفت إليه أبو إياد، قائلا «نحن مستمرون في المواجهة، والنظام الذي وعد بإنهائها خلال 10 أيام، لا يزال يواجه العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش الحر».
وفي حين يشير الحمود إلى أن حلب المدينة تشهد حرب شوارع، وذلك بعد اتخاذ قرار بالتراجع إلى الأطراف حفاظا على سلامة المدنيين، بعدما أصبح الوضع الإنساني سيئا للغاية، يؤكد أن الحر الذي يسيطر على الجزء الأكبر من ريف حلب لم يتراجع، باستثناء وجود النظام في بعض المراكز الأمنية، وأهمها الكليات العسكرية وأكاديمية الأسد وكلية المدفعية والمدرسة الفنية الجوية ومطار النيرب وبعض القطاعات العسكرية.
وفي ما يتعلق بالمحافظات الشمالية، الحسكة والرقة وإدلب، يعتبر الحمود أن معركة إدلب بدورها ليست بالمعركة السهلة، لا سيما أن النظام أرسل إليها في البداية 60 في المائة من قواته.. وعلى الرغم من المقاومة الشرسة للجيش الحر، فالنظام لا يزال مسيطرا على المدنية وبعض المناطق، مثل المصطومة وأريحا والشغور ووادي الضيف والطريق بين أريحا وجسر الشغور، مؤكدا في الوقت عينه أن عدم التقدم هذا لم يقابله تراجع للجيش الحر الذي لا يزال محافظا على ما أحرزه. بينما الوضع في الحسكة والرقة لا يزال لصالح الحرن بعدما فشل النظام في استخدام الورقة الكردية، بحسب الحمود.
أما الوضع في حماه، فالعمليات تتركز في الريف، فيما يلجأ النظام إلى أطراف إدلب لتوجيه ضرباته عليها. ويقول الحمود إن خطة النظام في هذه المنطقة هي في عدم القتال لاستعادتها. وفي اللاذقية، كما درعا، لا يختلف الوضع منذ فترة وفق الحمود، لناحية سيطرة النظام على المدينة.. فيما وجود الحر بشكل رئيسي في الريف، مبديا خشيته على بانياس في طرطوس، كونها من أبرز المناطق الحاضنة للثورة إضافة إلى إحاطتها بالشبيحة من كل الجهات.
رامي سويد
صلاح الدهني
الجزيرة نت
جابر عمر
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة