مصطفى محمد
تصدير المادة
المشاهدات : 2101
شـــــارك المادة
تنذر الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالنظام السوري، وعملته المحلية (الليرة) التي أوشكت على الانهيار، بتطورات نوعية، وصفها اقتصاديون بالأكثر إيلاما، منذ اندلاع الثورة ضد نظام بشار الأسد في عام 2011. ووفق مراكز اقتصادية، فقد تجاوزت معدلات التضخم 1200 في المئة منذ عام 2011، وهو التضخم الذي لم تعد فيه الأجور الشهرية التي تتقاضاها الشرائح العاملة، قادرة على تغطية سوى 10 في المئة فقط من تكاليف المعيشة للأسرة السورية. ويرى اقتصاديون أن "إنقاذ حلفاء النظام (إيران وروسيا) له عسكريا، لا يعني أن مهمتهم في الجانب الاقتصادي ستكون سهلة، لأن إيران الحليف الأقوى للأسد، مثقلة بأزماتها الاقتصادية والداخلية، في حين لم يعد بمتناول النظام الكثير لبيعه للروس، وخصوصا النفط الذي تصر الولايات المتحدة على السيطرة عليه". فإلى أين يتجه المشهد؟ وهل سيكون الأسد قادرا على الخروج من هذه الأزمة؟ تحديات ما بعد الحرب من جهته، قال المحلل السياسي والباحث في مركز "عمران للدراسات"، معن طلاع، إن "التحديات ما بعد الحرب، يكون لها عادة تداعيات أكبر من فترة الحرب ذاتها". وأضاف: "لذلك يحاول الأسد التهرب من تلك التداعيات، عبر الإبقاء على استمرار الحرب، كسبا للوقت، وأملا في التكيف مع هذه التحديات". وتابع طلاع بأن "سير العقوبات الاقتصادية على النظام، وأزمات ما بعد الحرب، في ظل استنزاف تام لقدرات الدولة والحكومة، ورهن كل موارد الدولة لخدمة العجلة العسكرية، فرضت نفسها الآن". ووفق الباحث، فإن كل هذه التداعيات، والاقتصادية منها على وجه التحديد، ستساهم في مكان ما بزيادة التحديات، والغرق في الأزمات أكثر. الأنظمة الشمولية وقال طلاع: "لكن الغرق في الأزمات، لا يبرر الإفراط في التفاؤل بحتمية سقوط النظام السوري من الأوساط المعارضة، فالنظام السوري نظام شمولي، وعوّدتنا هذه النوعية من الأنظمة أن الأزمات الاقتصادية لا تعنيها كثيرا". وأضاف أن "هذه الأزمات غالبا ما تتحمل تبعاتها الحاضنة الشعبية، بينما لا يعني النظام إلا البقاء في السلطة، وهذا ما بات يتضح من خلال مسار العملية السياسية"، مشيرا إلى "تجاوز الأسد لكل ما ينص عليه القرار الأممي 2254، بدءا من المرحلة الانتقالية، كما أنه يتم تجاوز الدستور". وكذلك، فإن ما يهم النظام، وفق طلاع، هو "إعادة تمكين أجهزته الأمنية، وإيجاد هامش له في ظل علاقاته مع الحلفاء، للمناورة والتفاوض وتقديم الصفقات، مثل إعادة اللاجئين مقابل إعادة الإعمار، وهذه الصفقات قد تكون عبر شبكات اقتصادية جديدة". وبهذا المعنى، يعتقد الباحث أن الأزمة "قد تدفع بالنظام إلى تقديم المزيد من التنازلات الاقتصادية مع الحلفاء"، خاتما بالقول: "بعبارة أخرى، النظام اليوم في مرحلة تصدير الأزمة الاقتصادية، لتكون تداعياتها على الشعب فقط، وليس عليه من الناحية السياسية والأمنية". رهان متأخر أما الباحث بالشأن الاقتصادي السوري، يونس الكريم، فرأى أنه "رغم جوهرية العامل الاقتصادي في المسألة السورية، وخصوصا أن أحد أهم محركات الثورة كان عاملا اقتصاديا، أي المطالبة بتوزيع عادل للثروات، ومحاربة الفساد، فإن الرهان على سقوط الأسد من خلال الاقتصاد فقط، بات رهانا متأخرا". وأضاف في حديثه: "إن آثار الأزمة الاقتصادية يعاني منها الجميع بدون استثناء، وهذا الأمر سيكون له تبعات على كل طرف سيكون له دور في السلطة في سوريا". وقال: "حتى لو جاءت حكومة انتقالية، فإنها تحتاج إلى عقود للتخلص من تبعات هذه الأزمة، ويبدو أن النظام قد استوعب هذا الأمر تماما، وبدأ يغير بنيته الاقتصادية ليعيد تعويم نفسه من خلال العامل الاقتصادي". وموضحا ما يعنيه، أكد الكريم أن "النظام السوري بدأ بإنشاء شركات اقتصادية خاصة للاستحواذ على ما تبقى من مقدرات اقتصادية، وذلك حتى يضمن أن يكون القرار الاقتصادي بيده، في حال تم فرض الحل السياسي، ما يجعله رقما صعبا في أي حل قادم". عدم وجود رغبة دولية وفي السياق ذاته، اعتبر مركز "جسور للدراسات"، أنه رغم الأزمة اقتصادية غير المسبوقة التي تضرب النظام، التي تؤشر إلى انهيار البنية المالية التابعة له، فإن الواقع يقول إنه لا ينبغي التعويل على هذه الأزمة في إسقاطه. وعزا المركز في ورقة تقدير موقف، وصلت إلى غياب وجود رغبة غربية ودولية، بإسقاط النظام، موضحا أن "الولايات المتحدة الأمريكية تهدف عبر العقوبات وحرمان النظام من العوائد النفطية إلى تغيير سلوكه وحلفائه ليس أكثر". وقال: "غالبا ما تعوّل المجموعة المصغّرة على حزمة من الإجراءات تدفع النظام السوري إلى تقديم تنازلات حتى يتم رفع العقوبات الاقتصادية عنه، ليكون تدخّل المجموعة المصغّرة في اللحظة التي يقترب فيها الاقتصاد السوري من الانهيار وعدم قدرة روسيا على توفير بديل أو ظروف تساعد على ضبط الأزمة الاقتصادية من قبيل تحقيق تقدم في العملية السياسية عبر مسار أستانا". وتابع مركز "جسور للدراسات" بأنه "لولا غياب الإرادة الدولية في سقوط النظام السوري، لكان الانهيار الاقتصادي قادرا على تفكيك بنيته، فانهيار العملة المحلية والركود المرافق لذلك في الأسواق وتعطّل قطاعات الصناعة والتجارة تساهم في تهيئة الأرضية لاحتمال بروز مظاهر احتجاج في مناطق سيطرته من قبيل الإضراب والعصيان والمظاهرات وغيرها". تأثير تراكمي ومخالفا كل الآراء السابقة، بدا الباحث الاقتصادي عبد الرحمن ددم، متفائلا بسقوط حتمي للنظام السوري، نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تتفاقم مع كل يوم جديد. وقال: "إن سلسلة الانهيارات التي تعصف بالليرة السورية، تعكس انهيارا اقتصاديا مدويا، ومع عدم وجود خط اقتصادي واضح لدى النظام، فإن الوقع سيكون أشد"، وفق تقديره. واعتبر ددم أن "المؤلم أن يكون الشعب السوري هو الضحية لكل ما يجري"، مضيفا أن "سوء الأداء الاقتصادي، وقلة الاكتراث من قبل مؤسسات النظام المالية، يقودنا إلى نتيجة واضحة بأن النظام متجه للانهيار، بفعل التأثير التراكمي للأزمة". الحلفاء منشغلون من جانب آخر، لفت ددم إلى الأزمات التي تضرب البلدان المجاورة لسوريا التي قال إنها "تعتبر ساحة نفوذ إيراني، وفي مقدمتها العراق ولبنان، وقال: إن كل ما يجري هناك، يؤثر بشدة على النظام". وأضاف: "إن تضافر العوامل المحلية، مع الإقليمية، يقودنا إلى الاعتقاد بأن النظام يعاني من أزمة حقيقية، أزمة تدخل فيها عوامل جديدة ستقود حتما النظام إلى الهاوية". ورأى أن "زيادة الفقر ستدفع بالشعب السوري في مناطق النظام إلى الثورة مجددا، لأن الحقائق تتكشف، والجميع أدرك بأن النظام غير مهتم بعذابات السوريين، وإنما هو مهتم بحكمه دون أي شعور بالمسؤولية". ووفق ددم، فإن أكثر ما يبعث على الاستياء، هو حجم الديون المترتبة على الدولة، منهيا بالقول: "ما يجري هو الكارثة بعينها، والليرة السورية فقدت الثقة تماما". يذكر أن الليرة السورية، كانت قد شهدت خلال الأيام القليلة الماضية، سلسلة انخفاضات قياسية، أمام العملات الأجنبية، وهو ما دفع باقتصاديين إلى وصف ما يجري بأنه "الأزمة الأصعب" التي تواجه نظام الأسد، منذ اندلاع الثورة السورية.
المرصد الاستراتيجي
عمر أبو خليل
أنس الكردي
المصادر: عربي 21
عربي 21
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة