..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


ابحاث ودراسات

كواليس العملية العسكرية التركية وتأثيرها على الشمال السوري

المرصد الاستراتيجي

٢٥ ٢٠١٩ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 1948

كواليس العملية العسكرية التركية وتأثيرها على الشمال السوري

شـــــارك المادة

في التاسع من شهر أكتوبر الجاري؛ أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بدء عملية “نبع السلام” شمال سوريا لإبعاد “وحدات حماية الشعب” الكردية عن الشريط الحدودي، ومنع إنشاء ممر إرهابي عبر الحدود.
وبعد مرور ثمانية أيام على العملية (17 أكتوبر)، وافقت الحومة التركية على تعليق العملية لمدة 120 ساعة لتمكين عناصر “قسد” من الانسحاب.
وعلى الرغم من الغموض الذي شاب المفاوضات الأمريكية-الروسية-التركية؛ إلا إنه يمكن الحديث عن أبرز ملامح تطورات الفترة 9-17 أكتوبر فيما يلي:


1-اتفاق أمريكي-روسي لتسهيل العملية العسكرية التركية
وفقاً لمصادر أمنية (18 أكتوبر 2019)؛ فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عمل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين “يداً بيد” على إتمام صفقة تتعلق بالشمال السوري، حيث قام ترامب بأخطر مقامرة سياسية منذ توليه الرئاسة لإعادة توزيع الحصص في أكثر البقاع سخونة على وجه الأرض، وتضمنت الصفقة “إغواء” الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لشن عملية عسكرية ضد “قسد”، مما يمهد الأرضية للانسحاب الأمريكي وتحرك القوات الروسية لاستلام العهدة الأمريكية.
وكان أردوغان قد وضع الرئيسين الأمريكي والروسي بصورة خططه عبر سلسلة من المكالمات الهاتفية وإرسال مبعوثين سريين تنقلوا بين موسكو وواشنطن، للتأكد من أن التحرك التركي يحظى بمباركة الطرفين، وتم الاتفاق بالفعل على شن عملية محدودة تشمل نحو 100 كلم -يمكن وقفها في حال اعتراض موسكو أو واشنطن- وعمدت أنقرة إلى تضخيم العملية العسكرية والإيحاء بأنها تشمل كامل الشمال السوري. إلا أن العملية التركية لم تكن تسير في إطار فجائي؛ بل سبقها قيام “الإدارة الذاتية” التابعة لقوات “قسد” بسحب قواتها وتدمير تحصيناتها وردم الخنادق، وإزالة سواتر ترابية، من مدينة رأس العين وتل أبيض على الحدود السورية-التركية بناء على تعليمات من واشنطن نهاية شهر أغسطس الماضي، وهما البلدتان اللتان تقدمت باتجاههما القوات التركية تحديداً في 9 أكتوبر.
وبعد يوم من بدء العمليات التركية (10 أكتوبر)؛ قامت الولايات المتحدة وروسيا بإفشال مقترح لإدانة عملية “نبع السلام” تقدمت به خمس دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي خلال جلسة مغلقة لمجلس الأمن.
وتزامنت الدبلوماسية الأمريكية-الروسية المشتركة مع تقدم ميداني للقوات الخاصة الروسية وعناصر النظام لملء الفراغ الناتج عن انسحاب القوات الأمريكية، ما اضطر القوات التركية لوقف مدفعيتها في تلك المناطق.
علماً بأن الاتفاق يحقق حزمة من المعطيات التي عملت واشنطن عليها خلال الأشهر الماضية، وخاصة فيما يتعلق بدفع “قسد” للتوصل إلى اتفاق مع النظام، حيث سعت الدبلوماسية الأمريكية منذ شهر يوليو 2018 لإقناع “قسد” بإبرام تفاهم مع النظام، وأنهت برامج وعمليات وكالة المخابرات الأمريكية، وعدلت عن إستراتيجية تغيير النظام، وتعهدت بسحب كامل قواتها من المنطقة، وتحقق لها ذلك كله من خلال العملية التركية الخاطفة.


2-نقل العهدة العسكرية من “قسد” إلى القيادة الروسية وقوات النظام
وفقاً لتقرير أمني (11 أكتوبر) فقد تم إبرام اتفاق مقايضة بين واشطن وموسكو تتضمن سحب القوات الأمريكية من مناطق شرقي الفرات مقابل تحرك القوات الروسية للسيطرة عليها، ومنع تركيا من إنشاء “المنطقة الآمنة” المزمعة، وتم تحقيق هذين الهدفين الإستراتيجيين.
وللتأكد من محدودية العملية التركية؛ أمر ترامب البنتاغون (8 أكتوبر) بفصل القوات التركية عن غرفة عمليات القيادة والسيطرة الأمريكية (CAOC) وعمليات الاستطلاع والإشراف والاستخبارات(ISR) ، ما اضطر سلاح الجو التركي إلى قصف مواقع “قسد” من الأجواء التركية دون التحليق فوق الأراضي السورية، وغامرت القوات البرية التركية بالتحرك إلى الداخل السوري دون غطاء جوي.
ومن جهته؛ رفض بوتين تقديم أي تعهد بشأن المنطقة الآمنة لأردوغان، وأوعز إلى فرقة من القوات الخاصة المدرعة الروسية المتمركزة شمال حلب لبسط السيطرة على مناطق كانت تحت سيطرة “قسد” في منبج ومحيطها.
ولدى تحرك القوات التركية في حدود المنطقة المتفق عليها (100 كلم بين تل أبيض وراس العين) بادرت القوات الأمريكية إلى الانسحاب، وتحركت القوات الروسية لملء الفراغ وبسط السيطرة على عشرة قواعد أمريكية، أصبحت (بحلول 17 أكتوبر) بيد قوات النظام تحت المظلة الروسية، وذلك بالتزامن مع وصول الوفد الأمريكي إلى أنقرة لإقناع أردوغان بوقف العملية التي حققت أهداف واشنطن وموسكو على حد سواء.
وبذلك تكون أنقرة قد حققت هدفاً جزئياً يتمثل في تفكيك قوات “قسد” في المناطق الحدودية وإنهاء طموحها بإنشاء منطقة “حكم ذاتي”، بينما تمكنت موسكو من إعادة الجزء الأكبر من المنطقة إلى سيطرة النظام، وحققت واشنطن هدفها في سحب قواتها دون خسائر تذكر، ودفعت “قسد” للتوصل إلى الاتفاق الذي حاولت إبرامه مع النظام خلال الأشهر الماضية دون طائل.


3-تسهيل اتفاق بين “قسد” والنظام لمنع تركيا من إقامة منطقة آمنة
أشار تقرير أمني (18 أكتوبر) إلى أن ترامب أعقب سحب تحصينات “قسد” (28 أغسطس) من تل أبيض ورأس العين، بسحب وحدة من 50 جندياً أمريكياً في المنطقة نفسها (6 أكتوبر)، ثم أعطى الضوء الأخضر للعملية التركية بهدف حشر القوات التركية للمواجهة مع القوات الروسية وعناصر النظام، ودفع أنقرة للتوصل إلى اتفاق مع موسكو ودمشق، خاصة وأن العملية التركية لا تتجاوز حيز 100 كلم من أصل 440 كلم كانت تخطط تركيا لإقامة المنطقة الآمنة فيها.
ونجح ترامب، من خلال تلك المناورة، في تجنب الصدام مع قوة حليفة لبلاده في الناتو من جهة، ودفع “قسد” للتفاوض على شروط أكثر عقلانية مع دمشق من جهة، وذلك بعد أن أبدى قادة تلك الميلشيا الكثير من التصلب في مفاوضاتهم مع النظام، مستندين إلى الدعم الغربي والعربي على حد سواء.
ويؤكد التقرير أن موسكو أبرزت مذكرات تم إعدادها مسبقاً عبر اتصالات جرت قبل عدة أشهر، وعندما فوض ترامب البنتاغون بسحب 1000 جندي أمريكي من الشمال السوري، أصبح قادة “قسد” مستعدين للتوقيع على المذكرات الروسية على عجل، واستغل الروس فقدانهم للمظلة الأمريكية بغية الضغط عليهم للتخلي عن مطالبهم بالاستقلال الكامل، وتم بالفعل إبرام مذكرة اتفاق في قاعدة حميميم (10 أكتوبر)، تخلى فيها قادة “قسد” عن طموحاتهم الانفصالية وقبلوا بمؤسسات حكم محلي متواضعة تخضع للحكومة المركزية في دمشق.
ووفقاً للتقرير نفسه فقد جرت مفاوضات “سرية” بين النظام و”قسد” قبل أسبوعين من العملية التركية، وذلك بوساطة قام بها مبعوث بوتين الخاص لسوريا أليكساندر لافرينتيف، والذي يتمتع بباع طويل في نسج التفاهمات بين النظام و”قسد”. وأسهمت العملية التركية في تسريع إبرام ذلك الاتفاق وإجبار قادة “قسد” على التخلي عن استقلاليتهم العسكرية والموافقة على الاندماج في الفيلق الخامس التابع لروسيا عملياً.
وجاء الإعلان عن ذلك الاتفاق على لسان وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، أثناء مقابلة مع شبكة (CBS)، وذلك بالتزامن مع إعلان “الإدارة الذاتية” إبرام اتفاق: “مع الحكومة السورية التي من واجبها حماية حدود البلاد والحفاظ على السيادة السورية كي يدخل الجيش السوري، وينتشر على طول الحدود السورية التركية لمؤازرة قوات سوريا الديمقراطية لصد هذا العدوان”.
جدير بالذكر أن انتشار القوات الروسية وعناصر النظام تم في المناطق الحدودية الممتدة من بلدة “منبج” إلى “ديريك” مروراً بقرى: “وريدة”، و”الجاموسية”، و”الفارات”، بالإضافة إلى “تل تمر” بريف الحسكة الشمالي الغربي، وهي المناطق التي تعهدت أنقرة لموسكو وواشنطن بعدم دخولها.
وتتحدث مصادر أمريكية عن تخلي تركيا عن فكرة إنشاء منطقة عازلة، والقبول بتعهدات واشنطن وموسكو بمنع ظهور كيان خاضع لسيطرة “وحدات حماية الشعب” الكردية في سوريا، حيث يمثل تفكيك “الإدارة الذاتية” هدفاً مشتركاً لكل من: تركيا التي ترغب في إبعاد خطر حزب العمال الكردستاني، وإعادة توطين اللاجئين، وروسيا التي ترغب في إعادة بسط سيطرة النظام على سائر الأراضي السورية، ولأمريكا التي ترغب في سحب قواتها من المنطقة على عجل.


4-تمكين القوات التركية من إتمام مهمتها المحدودة في غضون أسبوع
عملت كل من واشنطن وموسكو على امتصاص الغضب الدولي ريثما تتم القوات التركية مهمتها في غضون أسبوع، حيث عرقلتا محاولة إصدار قرار يدين العملية التركية في مجلس الأمن، وبادر ترامب من طرفه إلى فرض عقوبات وصفت بانها “شكلية” طالت ثلاثة وزراء ووزارتين في تركيا، وتضمنت وقف مفاوضات اتفاق التجارة الثنائي بين البلدين وفرض تعريفة بنسبة 50% على الصلب التركي، وكان الهدف الفعلي من تلك الإجراءات غير الصارمة هو منع الكونغرس من فرض عقوبات فعلية على الاقتصاد التركي.
ولم تستبعد بعض المصادر أن يكون ترامب وأردوغان قد اتفقا على تلك العقوبات خلال المكالمة الهاتفية التي جرت بينهما بهدف امتصاص الغضب الأمريكي والدولي، ورأت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية أن عقوبات ترامب الضعيفة والشكلية، والتي لا تتضمن أي تأثير فعلي ساعدت أردوغان على إتمام مهمته، ومنعت الكونغرس من إقرار عقوبات أكثر قسوة، خاصة وأن الإدارة الأمريكية لم تتحدث عن وقف مبيعات الأسلحة الأمريكية لتركيا، وهو الإجراء الذي ناقشه الكونغرس بمجلسيه في جهد مشترك بين المشرعين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي. وعزز غياب الرد التركي الرسمي على التصعيد الأمريكي فرضية وجود تفاهمات غير معلنة لتمكين تركيا من إتمام عمليتها المحدودة.


5-الصمت الروسي إزاء “نبع السلام” مقابل التصعيد في إدلب
لا يمكن فصل الأحداث الدائرة شرقي الفرات عن تدهور الأوضاع غربي النهر، حيث تحشد القوات الروسية لشن عملية جديدة واسعة النطاق في إدلب، فيما يتحدث الرئيس التركي عن خطة لإعادة توطين اللاجئين في الشمال السوري بتكلفة تبلغ 27 مليار دولار، وتتضمن بناء عشرات القرى والبلدات الجديدة، وقال أردوغان لرويترز: “ستسمح لهم بالعودة إلى أراضيهم بدلاً من مدن الخيام والحاويات”.
وتبدي الدول الغربية قلقها إزاء خطة أنقرة لإعادة توطين ملايين اللاجئين السوريين في تلك المنطقة، وما يمكن أن تسببه من “تغيير ديمغرافي” عبر توطين العرب السنة في المناطق التي كانت خاضعة لقوات “قسد”، ولا شك في أن تلك المخاوف تنطوي على قدر كبير من الازدواجية وانعدام الإنسانية في الموقف الغربي الذي يتغاضى عن وجود ملايين العرب السنة في المنطقة قبل عام 2011، والذي يرغب في تثبيت واقع انقسامي يمهد لإنشاء دولة كردية، حيث نقلت مجلة “نيوزويك” عن مسؤول في الأمن القومي تحسره على مصير “قسد” قائلاً: “كان من الأفضل لو دعمت أمريكا دولة كردية في كل من سوريا والعراق وتركيا.. ربما كانت إسرائيل جديدة في المنطقة”.
وساهم الإعلان التركي عن خطة إعادة إعمار الشمال في ارتفاع أسعار أسهم شركات الإسمنت التركية التي تمتلك مصانع إنتاج قرب الحدود السورية، حيث زادت أسهم “ماردين” للأسمنت و”أضنة” للأسمنت نتيجة توقعات تنامي الفرص الاستثمارية في الشمال السوري، وإمكانية حدوث طفرة بناء على الحدود الجنوبية.
في هذه الأثناء تحشد القوات الروسية لموجة جديدة من العمليات في إدلب، حيث عززت قدراتها الهجومية في أكبر معسكر لها شمال غربي حماة، وزودته براجمات ومدفعية متطورة، وكثفت عمليات الاستطلاع الجوي، وضاعفت أعداد قوات التدخل السريع وسرايا القناصين والقوات الخاصة، كما حشدت في 10 أكتوبر الجاري رتلاً من 200 آلية عسكرية، وأوعزت إلى قوات “النمر” و”القدس” و”الفيلق الخامس”، و”الفرقة السابعة”، و”الحرس الجمهوري”، للاستعداد لجولة جديدة من المعارك في إدلب.


6-إيران هي الخاسر الأكبر من العملية التركية شرقي الفرات
بدا للوهلة الأولى أن التصعيد الإيراني في الخليج العربي وشن الهجمات الصاروخية على المنشآت النفطية للسعودية (14 سبتمبر)، وسعي مختلف الأطراف الدولية لتهدئة إيران والتفاوض معها؛ قد مكّن طهران من امتلاك زمام المبادرة؛ إلا أن المظاهرات التي اندلعت في كل من بغداد وبيروت، والدبلوماسية السرية التي قامت بها أنقرة مع واشنطن وموسكو قد جعلت طهران في موقف صعب للغاية، وجاءت عمليات إدلب لتؤكد مخاوف إيران بأنها أصبحت معزولة من قبل حلفائها، خاصة وأن روسيا وتركيا لم تبذلا أي جهد لاستشارة إيران فيما يتعلق بعلمية “نبع السلام”، واقتصر الموقف الإيراني على تصريحات متناقضة، والقيام بمناورات عسكرية غير معلنة لقواتها على طول حدودها مع تركيا، إلا أن ذلك لم يجذب أدنى انتباه من واشنطن أو موسكو أو أنقرة أو حتى القوى الكردية في سوريا والعراق

اقرأ ايضاً

المصادر:

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع