أسامة حوى
تصدير المادة
المشاهدات : 3007
شـــــارك المادة
كان الإعلام من أهم أدوات الثورة السورية منذ اندلاعها وما زال، وقد شهدت الثورة خلال أعوامها الزاخرة بالأحداث والتحولات ولادة الكثير من القنوات الثورية، التي كانت عين الثورة ولسانها والنافذة التي تطل منها على العالم، كما كانت شاهدة أيضا على تحوّل في إحدى القنوات قضى بتبنّيها للخط الثوري لتنافس بذلك جميع القنوات الثورية الناشئة التي كانت تُدار من قبل كوادر يافعة نظيفة ثائرة تفتقر للسّعة المادية والخبرة العمليّة والميّزات المهولة والعلاقات العميقة التي كانت تمتلكها القناة المتحوّلة.
وبينما أغلقت أغلب القنوات الثورية أبوابها وقطعت بثّها وسرّحت كوادرها، تحت وطأة الإفلاس والحظر والمنع والتضييق، كانت قناة أورينت تتجذر شيئاً فشيئاً في الفضاء الثوريّ، وتتوسع أفقياً عبر شبكة مميَّزة من المراسلين، ورأسيّاً عبر تكوين علاقات مهمة مع مجاميع وكيانات ودوائر قرار وشخصيات مهمة، لتكون بذلك القناة الأكثر تأثيراً على الساحة الثورية نظرا لهذه المقومات التي تستند إليها، إضافة لامبراطورية هائلة من المال والدعم تتيح للعاملين فيها أجوراً سخيّةً تفوق أجور أقرانهم العاملين في باقي مؤسسات الإعلام الثوري بأضعاف كثيرة، وتتضاعف تبعاً لتبنّي أفراد هذا الكادر سياسةَ القناة وتماهيهم مع توجهاتها وتفانيهم في تنفيذ أجندتها.
الأمر المثير للجدل في هذه القناة هو أن التحوّل من قناة ماجنة منفتحة إلى قناة ثورية ترسم لنفسها شخصية ملتزمة بالقضية مع هالة من الفضيلة والمثالية... لم يكن التحوّل الأخير، بل اعترت مسيرتها "الثورية" تقلبات كثيرة وتحوّلات جليّة، كان أخطرها ذلك التحوّل الأخير الذي أدركه جلّ المراقبين وجرت فيه أقلامهم، والذي تزامن مع اندلاع موجات الثورات المضادة في بلدان الربيع العربي، وتكمن خطورة هذا التحول بأنه تحوّل وظيفيّ ناعم خفيّ المعالم، تجلّت آثاره في دقّ الأسافين بين قوى الثورة وحاضنتها، من خلال تفعيل سياسة فوضى الإسقاط التي استهدفت جلّ الفاعلين والمؤثّرين الحقيقيين في شتّى ميادين العمل العسكري والسياسي والمدني.
أخذت قناة أورينت على عاتقها مهمة مشبوهة كان عنوانها خلخلة الثقة ونزعها فيما بين الثوار وبين حاضنتهم، من خلال برامج أعدت خصيصا لهذا الهدف، منهجها هو تسليط الضوء على الأخطاء التي ترتكبها المجاميع الثورية، ونزعها من سياقها الطبيعي الذي ربما يبرر وقوعها، ومن ثمّ تضخيمها في عين الحاضنة الثورية التي أنهكتها سنوات الحرب والتشريد، مستغلة حالة اليأس العامة التي رافقت تراجع الثورة على الأرض والخذلان من المجتمع الدولي، فبدت خيوط تلك السياسة واضحة في تلك البرامج الموجّهة، التي اجتهدت في بثّ الإحباط واليأس وتشويه الشخصيات والمجاميع الثورية، وتعظيم أي خطأ ترتكبه مؤسسة ثورية مدنية كانت أم عسكرية، واللعب على وتر الخلافات الحاصلة بين المؤسسات الثورية وضرب بعضها ببعض، لتنتج في المحصّلة صورة مشوّهة لمعالم الثورة ومكتسباتها.
وعلى طريقة مجلات الفضائح والصحف الصفراء، مارست هذه القناة سياستها لتثبت لجمهورها الثوري بشكل غير مباشر، أن بنية الثوار لا تختلف عن بنية النظام من حيث الفساد والمحسوبية، بل ربما أسوأ نظراً لتماسك النظام وتفرق الثوار... وكل ذلك تم تحت عناوين برّاقة تمحورت حول مناقشة آلام الحاضنة الثورية وطرح مشكلاتها والوقوف معها ضد "النخب الثورية الفاسدة".
كثيرة تلك البرامج التي خصصتها القناة لإسقاط شخصيات وكيانات ثورية منتقاة، لم ولن يكون "محمد علوش" آخر شخصية تناولتها، بينما تولّت ذات القناة مهمة تعويم شخصيات ذات خلفية معينة تتماهى مع خط القناة والدولة التي تبث منها إشارتها وتستقي منها سياستها، تلك التي أخذت على عاتقها تدبير الثورات المضادة ودعمها في دول الربيع العربي، ولم تعط هذه القناة -في سبيل ذلك الهدف- بالاً للمهنية ولا للشفافية والحياد الذي تدّعيه في جميع طروحها وحواراتها، وخاصة في برنامجها الأخير الذي تناول السياسي الأستاذ "محمد علوش" بكافة أنواع الثّلب والطعن ومختلف طرق الإسقاط.
ليس من الصعب على مجموعة إعلامية مبتدئة أن تعدّ برنامجا على غرار ما أعدّته هذه القناة بغرض إسقاط شخص ما، وذلك لا يحتاج لأكثر من استضافة مجموعة من مبغضيه وشانئيه ومخالفيه مع تمويههم بمحايدين لا يشكل الدفاع عن الشخص المقصود أولوية لديهم، فتُعطى الحرية التامة ليفرغ المُبغض ما لديه دون مقاطعته أو مطالبته بأي نوع من الإثبات والتدليل على صحة ادعائه، بينما يُفصل قابس الصوت عن الحيادي الذي ما تمت استضافته إلا لذرّ الرماد في عيون المراقبين، في استسخاف فاضح لعقول جمهور المتابعين، وتجاوز لأدنى ضوابط العمل الإعلامي وأسسه المهنيّة.
لست في صدد الدفاع عن شخص "محمد علوش" فالدفاع عن التهم الموجهة إليه خلال دقائق البرنامج تستلزم حشدا من المراقبين والاقتصاديين وفريقاً من المحاسبين والعقاريين، ومحاكمة أدائه السياسي يحتاج على الأقل لجمع ممن زامله في أروقة السياسة الثورية من المطّلعين على مجريات الأحداث وخفايا الأمور من ذوي الرأي والاطلاع والنزاهة الثورية، أما تقييم فصيله فذلك مردّه إلى التاريخ، فالتاريخ وحده هو القادر على تقييم التجربة الثورية ل"جيش الإسلام" كما غيره من الفصائل ذات البصمة القوية في الثورة السورية... أما اختزال ذلك كله بعدد من الضيوف المخالفين المنتمين إلى كيانات منافسة وجدوا في البرنامج فرصة ليفرغوا ما لديهم، أو بأغرار لا يستقيم الأخذ منهم في مثل هذه المسائل؛ لهو عين التطفيف والبعد عن أخلاقيات المهنة وأدنى ضوابطها.
لقد قامت هذه الثورة لتنزع القدسية عن الأشخاص، والحصانةَ عن المجاميع والكيانات، لكنها في الوقت ذاته لن تسمح بفوضى الإسقاط التي باندلاعها ستأتي على كل صفحة مضيئة من صفحاتها، وكل رمز من رموزها، وكل مفصل من مفاصل نضالها... فما تولّى أحد شأناً من شؤون الثورة إلا ولديه نصيب من الإصابة والخطأ، ولو تُرك العنان للعابثين والسماح لهم بإسقاط كل من أخطأ أو تُوهِّم خطؤه، لتحولت الثورة في نظر حاضنتها إلى ثورة رعاع سادها اللصوص وقطاع الطرق؟! ومن يدري ... فلربما كان الوصول إلى هذه النقطة هو الهدف الرئيس لهذه القناة التي ركبت في قطار الثورات المضادة من غير تذكرة.
أحمد عبد العال
إياد قنيبي
ميمونة جنيدات
عبد المنعم زين الدين
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة