عمر قدور
تصدير المادة
المشاهدات : 2307
شـــــارك المادة
هي النكتة القادمة من داخل سوريا، يسخر فيها سوري بالقول: لقد سقط رئيسان عربيان، بينما أنتظر مجيء دوري للحصول على الغاز. المقصود هو الحصول على أسطوانة غاز منزلي، كانت عادة تكفي للاستهلاك بين أسبوعين وشهر بحسب حجم الأسرة، وبات الحصول عليها يتطلب الآن زمناً أطول بكثير من مدة استخدامها القصوى، أي أن نسبة ضخمة من السوريين تبقى لفترات طويلة محرومة منها كلياً. كذلك تشهد حركة النقل أزمة متصاعدة بسبب شح الوقود وتوزيعه بكميات لا تفي بالحاجة، ما يربك ويزيد في كلفة حركة النقل بواسطة السيارات الخاصة أو المخصصة للنقل الجماعي.
تذمّر السوريين من تردي الواقع المعيشي بمستوى أخف من هذه النكتة، بما فيه تذمر بعض المعروفين بموالاتهم، يُقابل باحتمالات تتراوح بين القمع والاعتقال، أو بالتجاهل الذي يصل حد الإهانة، وفي أحسن الأحوال بإعلان العجز والإفلاس التامين. لا وعود كاذبة تُطلق اليوم من كبار المسؤولين، ولا آمال تُعلّق كالسابق على معونات ستصل من الوصيّ الإيراني أو الروسي، مثلما توارت بحكم الواقع تلك الوعود عن عودة الأحوال الطبيعية بعد الانتصار على "الإرهابيين"، فالانتصار الموعود تحقق بمعظمه، والحصيلة التي رافقته أتت تدهوراً معيشياً إلى أدنى من المستويات التي سادت أيام المأزق العسكري لقوات الأسد.
هذه النتيجة لم تكن لتحتاج سوى القليل من التفكير، لأن حجم الدمار الذي أوقعته وحشية الأسد لا بد أن ينعكس معيشياً. لا بد أيضاً من تغير السلوك الإيراني والروسي بعد تحقيق هدف الإبقاء على بشار في السلطة، فالمساعدات التي قُدّمت من قبلهما أثناء الحرب، بما فيها الاقتصادية بهدف الحفاظ على ولاء المؤيدين، قد حان وقت استردادها، إن لم يكن استردادها مع الفوائد. فوق ذلك، يعاني الاقتصادان الإيراني والروسي من العقوبات الاقتصادية الغربية، وكما نعلم لا يبدي هذان النظامان اهتماماً بالأمور المعيشية لمواطنيهما كي يبديان اهتماماً أقل بسوريين لا ينظران إليهم سوى كخاضعين عنوة أو كمرتزقة.
عدم تبرّع مسؤولي الأسد بوعود للتسويف، وقبل ذلك عدم إعطاء وعود من بشار نفسه في حديث أشار فيه للأزمة المعيشية، لا يعكسان فقط الفساد المعهود والأزمة الاقتصادية لما يُسمى الحلفاء. ذلك يعكس أيضاً نوعية العلاقة الجديدة بين الأسد وجمهوره، ونخطئ إذا نظرنا إليها كمعطى ثابت لدى طرفيها. الأسد وزمرته لا يرون أنفسهم مدينين لذلك الجمهور بشيء، رغم التضحيات الهائلة التي قدّمها، فالمعيار لدى الزمرة الأسدية هو في الدعم الحاسم الذي أبقاها في السلطة، ومن المعلوم أن مصدره هو طهران وموسكو. تالياً لا وليّ للزمرة الأسدية سوى ذلك الخارج الذي أبقى عليها، بما فيه قوى لم تتخذ قرار ترحيلها من السلطة مثل واشنطن وتل أبيب.
شيئاً فشيئاً أدرك "وسيدرك" جمهور الموالاة هذا الواقع؛ فلا الطائفية "لدى الشريحة الطائفية منه" تجمعه بعصابة تغيّر جلدها بما تقتضيه مصالحها، ولا شبكة المصالح الاقتصادية القديمة "التي أمّنت ولاء البعض" ستبقى قائمة مع بروز أثرياء الحرب الجدد، ومنهم من يحظى برعاية طهران أو موسكو، ولا أولئك الذين كان بقاء الأسد يعني لهم المحافظة على عتبة من الأمان في وجه المجهول سيسترجعون مستوى العيش القانعين بهم قبل الثورة. ما بدأ إدراكه هو أن الأسدية سقطت بكل ما تمثّله للذين دافعوا عنها، باستثناء الشبيحة المستفيدين من حالة الصراع أو الصاعدين بسببها. بقاء بشار في السلطة لم يعد رمزاً لبقاء الأسدية، ولا استمراراً لها في عيون من كانوا يرون فيه استمراراً للأب المؤسِّس.
ربما علينا الانتباه مجدداً إلى أن الأسدية في أذهان غالبية مؤيديها اقترنت بالأب أكثر من اقترانها بالابن، وبعيداً عن الإعلام لطالما نُظر إلى الأخير كوريث متواضع الكفاءة. أي أن بقاءه الشخصي على ركام الأسدية لا يحمل ثقلاً أو معنى معتبراً بالنسبة لكثر من أنصارها، وهؤلاء بدأوا مواجهة جثتها المتفسخة حتى إذا عزّ عليهم الاعتراف بموتها، وهم في مطلق الأحوال لن يحملوا إلى الأبد على أكتافهم ذلك العفن طالما تبين أن لا رجاء منه.
لعل قادة الكبار يعزون أنفسهم باستذكار التصحر التام الذي تلا المواجهة مع الإخوان في مستهل الثمانينات، فحينها تدهورت الأوضاع المعيشية بسرعة شديدة جداً مع العزلة الخارجية، وساد جو معمم من الإرهاب والخوف، واستقر الأمر تماماً لولا صراع الأخوين حافظ ورفعت. الاختلاف بين الأمس واليوم ليس في الدرجة فقط، لأن التدهور الحالي يفوق السابق بعشرات المرات، وإنما لأن الأسدية انتصرت في المرة الأولى بقواها الذاتية، بينما هي الآن تحت رحمة الخارج الذي يملك إعلان وفاتها، أو تأجيله كما هو حاصل.
إذا استمرت الأمور على ما هي عليه، قد نتجه حثيثاً إلى مناخ عام يتمنى فيه أنصار الأسدية أن يبادر الخارج إلى إخراجها من غرفة الإنعاش أو إطلاق رصاصة الرحمة عليهم، رحمة بهم أنفسهم قبل أي اعتبار آخر. لا يوجد أفق مغاير متاح، لا لأن هؤلاء لم يعتادوا التفكير في المطالبة بحقوقهم، أو لن يتجرؤوا عليه، وإنما لأنهم رأوا كيف لم تنفع ثورة سوريين آخرين، وكيف كان العامل الخارجي مرجِّحاً في النهاية، وكيف بقي حتى الآن كابحاً لإمكانيات التغيير بخلاف دول أخرى كالجزائر والسودان اللذين سقط فيهما رئيسان مؤخراً، واستطاع شعباهما النزول إلى الشارع دون أن يطلق عليهما الجيش والمخابرات الرصاص، في حين التجمعات الوحيدة المتاحة في سوريا هي التجمعات الضخمة لأولئك الذين ينتظرون الحصول على المحروقات أو سواها من المواد الأساسية.
إننا لو كنا أمام مخطط مدروس للقضاء على الأسدية من داخل جمهورها لما حدث لها أكثر مما يحدث، لكننا نعلم حرص الخارج على الإبقاء على الجثة ولو أصبحت جيفة حتى تنتهي ترتيبات اقتسام التركة، الترتيبات التي تمضي بتمهل شديد جداً. ربما يكون جزء من مصيبة الموالين ظنهم أن أذى الأسدية سيقتصر على الثائرين عليها ولن يطالهم في ما بعد، وربما لن يتذكروا شماتتهم بالثائرين الذين تلقوا خذلان "أصدقائهم" وقد أتى دورهم لتلقي الخذلان من "حلفائهم"؛ الأقسى مما سبق أن يكون الدرس السوري نافعاً لغيرهم فحسب.
إياد الدليمي
مجلة المجتمع
أحمد أرسلان
مجاهد مأمون ديرانية
المصادر: جريدة المدن
جريدة المدن
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة