..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

جمهورية الأسد.. برد وعتم وجوع

غازي دحمان

١٧ يناير ٢٠١٩ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2615

جمهورية الأسد.. برد وعتم وجوع

شـــــارك المادة

تكشف ردود افعال بعض المؤيديين في سورية تجاه الأوضاع المعيشية الصعبة خطأ فاضحاً في قراءتهم سلوك نظام الأسد، بعد نجاحه في البقاء في السلطة، لا يقل عن خطئهم في موقفهم من الثورة التي لم يكتفوا بمناصبتها العداء، بل اجتهدوا في صناعة المبرّرات لتدميرها والقضاء عليها، منذ كانت سلميةً، سلاحها ياسمين دمشق وورد داريا. 
يتسابق المؤيدون، المحسوبون على النخبة، على تدبيج رسائل، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى سيادة ذلك القابع في قصر المهاجرين، يطالبونه بالتدخل، لأن حياة الموالين، أحبابه، أصبحت جحيماً، بسبب انعدام التدفئة والكهرباء وحليب الأطفال وكل ضرورات الحياة. يخبرونه أن الشعب تعب، ويفعلون ذلك انطلاقاً من اعتقادهم أن سيادته لن يهون عليه ذلك، وأنه ما أن يعرف الحال التي وصل إليها أحبابه المؤيدون سينتفض على هذه الظروف التي لا بد أن وحوشاً تتلطى به هي التي صنعتها، وكأن سيدهم هذا لم يقتل مئات آلاف السوريين، ولم يشرّد ملايين من شعب سورية إلى مخيمات الموت والصقيع! 
يتذاكى هؤلاء، ويؤدّون أدوارا سمجة، انتهى زمنها منذ سقوط أول نقطة دم لسوري هتف للحرية ضد نظام الطاغية الفاسد، ومنذ أول سجينٍ أزهقت روحه لأنه رفض الركوع لصورة الأسد، وينسون أنهم اختاروا العبودية والرضوخ، فلماذا استفاقوا الآن؟ هل يحاولون التبرؤ من تهمة تأييد نظام مافيوي؟ لطالما كذبوا علناً، وقالوا إننا نؤيد وطنا ودولة، ولا نؤيد أشخاصا، وكأن هذا الوطن والدولة شيء معلق في الهواء، أو مسألة ميتافيزيقية لم تدركها عقول ملايين الأشخاص الذين طالبوا بالحرية والكرامة! 
يتغابى هؤلاء، حينما يعتقدون أنهم يمتلكون حصانةً في جمهورية الأسد، وحصلوا عليها لأنهم قبلوا أن يصنعوا من أنفسهم واجهة، ثقافية حضارية مدنية، لمافيا الأسد، وغطاءً ناعما لوحشٍ فتك بسورية، بذريعة أن جميع الذين طالبوا بالحرية هم إما إرهابيون إسلاميون أو متخلفون فوضويون من أبناء الريف والعشوائيات، إلى ذلك هم يعتبرون أنفسهم شركاء في "النصر" المزعوم، قاتلوا من مواقعهم، باعوا ضمائرهم، وجاء الوقت ليقبضوا ثمن ذلك، فمن غير المعقول أن يذهب كل ما فعلوه هباءً؟ 
ويتغابى هؤلاء، حينما يعتقدون أن خطابهم المباشر لسيدهم سيثبت للجميع أنهم لم يكونوا متخاذلين، ولا ضد الثورة، بل هم فعلوا ذلك لأن الثورة لم تكن ثورة، ولو كانت كذلك لكانوا أول من اشترك فيها. لم يفعلوا ذلك تخاذلاً ولا خوفاً ولا تملقاً، والدليل أنهم عندما رأوا الخطأ في جمهورية الأسد انتقدوه، وخاطبوا أعلى المستويات، بل طالب بعضهم باستعادة الوطن، ممن؟ واستعادته كما كان، كيف بإعادة من ماتوا ومن تهجروا؟ بل ذهبت مذيعةٌ شهيرةٌ، من أصحاب الرسائل إلى سيادته، إلى حسد اللاجئين والمهجّرين، والتمنّي لو أنها كانت الآن خارج سورية! 
يا حمير، هكذا ردت إدارة المخابرات العامة، على أصحاب الحصانة واللباقة والشرف، عبر موقعها الإلكتروني، وأضافت أن سيدهم يعرف كل شيء، ولا حاجة له بتذكيرهم، ومن يرد أن ينتحر فليفعل. وأمرتهم بوقف هذا النوع من الرسائل، لأنها ترى أنه يستهدف سيادته مباشرة، وأن نوايا أصحاب تلك الرسائل سيئة، يحاولون النّيل من شعبية سيدهم التي حقّقها بالنصر على اللاجئين والمهجّرين، اصمتوا فزمن الثورات انتهى، ألم نقل إننا نريد إخراس السوريين مئة عام، ما هذه الأصوات النشاز؟ 
ليس لدى بشار الأسد ما يقدمه لهؤلاء، أو لغيرهم. لأكثر من سبب، السبب الأساسي أن بشاراً يعتبر مجرد بقائه على رأس السلطة أكبرمكافأة يقدمها لهؤلاء، ألم يبدوا الاستعداد للتضحية بالنفس والولد في سبيل بقائه، وها هي أمنيتهم تحقّقت؟ ألم يدركوا أنهم كانوا يدافعون عن نموذج من السلطة والحكم يعجبهم؟ هذا النموذج باق ومستمر، ثم ألا يكفي أنهم ما زالوا أحياء؟ ألم يقولوا هم أنفسهم إذا استلم المعارضون السلطة سيقتلوننا؟ ألا يكفي بقاؤهم أحياء، والدليل أنهم ما زالوا يتحسّسون البرد والجوع والعطش، ويميزون العتمة من الضوء؟ 
السبب الثاني أن بشار الأسد لم يعد يملك شيئاً يمنحه لهم، بعد أن باع سورية لأصحاب النصر الحقيقيين، روسيا وإيران. لم يعد هناك حقول نفط ولا غاز ولا فوسفات باسم سورية، وحتى الزراعة والسياحة ومعابر الترانزيت محجوزة مواسمها وعائداتها وإيراداتها لتسديد فواتير الحرب، وما يفيض عن ذلك بالكاد يكفي مصاريف القصر. 
يا حمير، والوصف لإدارة المخابرات العامة: أليست الصورة واضحة بما فيه الكفاية؟ من أين سيأتي لكم سيدكم بالمال الكافي لتلبية قوائم طلباتكم، فالحرب الكونية التي شنّها الخصوم على سورية أفقرت البلاد لعقودٍ مقبلة، وعليكم ألا تتوقعوا تحسناً للاوضاع، لا في المدى المنظور ولا حتى البعيد، ومجرّد طلباتكم مؤامرة، ومحاولة للنيل من الرصيد الشعبي لسيدكم، ولن نتهاون معها. 
لكن أليست هذه علائم سقوط هذا النظام بالفعل؟ وإذا كانت روسيا وإيران قد ركّبتا له أرجلا من خشب، فإنها لن تصلح للسير دائماً، فالثورة السورية أسقطت هذا النظام على الأرض، ومن دافعوا عنه يوماً سيلقمونه الضربة القاضية، عندما يتأكدون أن جمهورية الأسد لن تعطيهم غير البرد والعتمة والجوع والعيش بين الركام.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع