محمود الريماوي
تصدير المادة
المشاهدات : 2174
شـــــارك المادة
لم يكن مفاجئا قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب "الكامل والسريع" من سورية، فقد سبق له في بحر هذا العام (2018) أن أعلن رغبته في هذا الانسحاب، وأمام ضغط وزارة الدفاع قرر آنذاك إرجاء الأمر بعض الوقت، وها هو بعض الوقت قد استنفد في رأيه، ما يجعله يتشبث مجدّدا هذه المرة برأيه. وتسويغه الانسحاب يقوم على تقديره الذي عبر عنه في تغريدة على تويتر "لقد هزمنا داعش في سورية، وهذا السبب الوحيد لوجود (القوات الأميركية) هناك خلال رئاسة ترامب". وكان مسؤول في وزارة الدفاع قد مهد قبل ساعات في اليوم نفسه (الأربعاء 19 ديسمبر/ كانون الأول) قائلا لشبكة سي إن إن: إنه يجري التخطيط حالياً لسحب القوات الأميركية من سورية "بشكل كامل" و"سريع". إنه أمر رئاسي يمارس فيه الرئيس صلاحياته بما يتعلق بقرارات السلم والحرب، وقد بدأت بعض القوات بالانسحاب بالفعل. وسرعان ما لقي القرار ترحيبا روسيا وتركياً. بالنسبة لموسكو، فإن مغادرة الأميركيين إنجاز استراتيجي في مطاردة الوجود الأميركي هنا وهناك، والحلول محله. أما تركيا التي تستعد علنا وببث كل التفاصيل لمواجهةٍ مع الحركة الكردية المسلحة، فهي ترى في الانسحاب الأميركي إضعافا لقوة الطرف الكردي المسلح، ورفع الغطاء السياسي عنه. وتكشف التصريحات التركية أنها لا ترى تداعياتٍ أخرى للقرار الأميركي. ويمثل هذا الانزياح التركي إنجازاً لإيران وروسيا، وبلوغ محفل أستانة غاياته في تحييد تركيا عن كل ما يجري في سورية، باستثناء الحرب المسموح بها على الأكراد. وخلافاً لما يقوله ترامب، إن الهدف ينحصر في هزيمة "داعش"، فقد سبق للمبعوث الأميركي إلى سورية، جيمس جيفري، في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أن صرح بأن القوات الأميركية ستبقى في سورية لضمان عدم عودة "داعش". وتحدث عن هدف إخراج القوات الإيرانية وحلفائها، وعن تفعيل العملية السياسية، وتشكيل قوات أمن، وإشراك الشعب في العملية السياسية. وبهذا، فإن الاضطراب الذي يقوده ويعبر عنه ترامب قد بلغ ذروة جديدة له، وهو ما سينعكس على الوضع السوري، وعلى أوضاع المنطقة. وفي توقيت صدور القرار، جاء في ذروة التحضيرات لمعركة شرق الفرات، لتفادي وقوع قواتٍ أميركية في مرمى النيران، بعدما شدّدت أنقرة على عزمها على خوض الحرب ضد قوات الحماية الكردية. وفي وقتٍ ترفض فيه واشنطن هذه المواجهة في هذه المناطق الشاسعة التي تضم دير الزور والحسكة ومنبج وبلدات أخرى، وقبل ذلك تضم أهم الحقول النفطية، ومنها حقل الغمر، وهي حقول انتزعتها قوات سورية الديمقراطية (قسد) من "داعش". والراجح أن المعارك ستكون طاحنة بين القوات الكردية من جهة، وقوات المعارضة المسلحة وقوات تركية من جهة ثانية. وسوف تسعى واشنطن، بما يتبقى لها من خبراء، إلى وقفها، والعمل على وضع حلول وسط. ومن شأن المعارك أن تستنزف الأطراف الثلاثة المدججة بمختلف أنواع الأسلحة. وفي حال حققت القوات التركية انتصارا (وهذا ليس سهل المنال)، فسوف تكون مدعوّة من روسيا إلى الانسحاب منها، ولتمكين النظام من بسط سيطرته على هذه المناطق. بدا الطرف الكردي غير مصدقٍ القرار الأميركي بالانسحاب، وشكك فيه بعض القادة العسكريين. غير أن واشنطن تقول جهارا نهارا إن هدفها هو هزيمة "داعش"، فإذا مُني التنظيم الإرهابي بالهزيمة، وهو ما يعتقد ترامب أنه قد حدث بالفعل، فهذا يعني حُكماً وضع نهاية للتحالف الأميركي مع الحركة الكردية، بعد أن أدت تلك الحركة واجبها في إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش! في مراحل سابقة، حظي الأكراد بدعم روسي من أجل وضعهم في وجه المعارضة السورية المسلحة (الجيش الحر)، وطالب الروس بتمثيلٍ للأكراد في مفاوضات جنيف، وفي المؤتمرات الروسية، في أستانة وسوتشي، لتشتيت تمثيل المعارضة. الآن، وبعد أن انحسر وجود المعارضة المسلحة، انقلب الروس على الأكراد، محذرين إياهم من إقامة كيانٍ منفصل في شرق الفرات! وبعد التخلي الروسي، ها هي نذر التخلي الأميركي تأتي عاصفة: انسحاب كامل وسريع. هذا ينبئ بتفاهماتٍ أميركية روسية مستترة حول شرقي الفرات وحقول النفط وحول أمور أخرى. ولنا أن نلاحظ أن هناك اصطفافا واسعا بات يضم تركيا مع إيران وروسيا، في هذا المرحلة المفصلية، على أن يتم التنسيق الروسي الإيراني لاحقاً، للضغط على تركيا من أجل الخروج بعد هزيمة "داعش"، والحركة الكردية.. إن تحققت هزيمة هذه الحركة. وإذ تربح تركيا مؤقتا من الانسحاب الأميركي، فسوف تخسر لاحقا مع تعاظم الوجود الإيراني والروسي. ذلك أن الانسحاب الأميركي سيمكن إيران من الوصول إلى البحر المتوسط عبر الحدود العراقية السورية، وصولا إلى دمشق فبيروت، وإلا ما الذي سيعترض طريق القوات الإيرانية على الحدود بعد الانسحاب الأميركي، وبعد بقاء "جيش مغاوير الثورة" هناك بغير غطاء؟ وبهذا يمثل الانسحاب الأميركي هدية سخية لإيران، وأكبر مما كانت تنتظره. وسوف تعزّز القوات الإيرانية وجودها في الجنوب السوري بما يهدد الأردن، مع تعزيز الوجود الإيراني في العراق ولبنان. ويشمل السخاء روسيا التي سوف تنشغل بتقاسم النفوذ مع طهران، وإلى إشعار طويل آخر. ولوحظ أن باريس لم تماش واشنطن في قرار الانسحاب، إذ أعلنت الوزيرة الفرنسية للشؤون الأوروبية، ناتالي لوازو، أن القوات الفرنسية (قوات رمزية في الرقة وريف حلب تضم نحو مائتي عنصر) سوف تبقى في سورية، وذلك خلافا للخبر الموحى به الذي بثته وكالة سبوتنيك الروسية عن بدء انسحاب مزعوم للقوات الفرنسية. وفي مجريات الأحداث على ضفاف القرار الأميركي، فإن الأنظار تتهيأ لمتابعة حرب طاحنة في مناطق شاسعة بين السوريين، عربا وأكرادا، وهي حربٌ تلبي مصلحة تركيا على الأمد القصير بإضعاف العامل الكردي، وتؤدي على المدى المتوسط بعد استنزاف الطرفين (المعارضة المسلحة، والحركة الكردية المسلحة) إلى تعظيم الوجودين، الإيراني والروسي، وبغير ضمانة لعدم انبعاث "داعش" مجددا. وسيكون بعض مما تقدم مرهوناً بما تؤول التفاعلات الأميركية الداخلية المرتقبة حول قرار ترامب، وهو ما يستحق أخذه في الحسبان.
عمر قدور
صالح النعامي
ميشيل كيلو
مهدي الحموي
المصادر: العربي الجديد
العربي الجديد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة