محمد ياسين النجار
تصدير المادة
المشاهدات : 2279
شـــــارك المادة
يتناقل الجميع -دولا وسياسيين ومهتمين بالشأن السوري- قضية تشكيل اللجنة الدستورية وأهمية ذلك في الوصول إلى الحل السياسي في سوريا، علما بأن جمهور الثورة والسياسيين المحسوبين عليها تتملكهم هواجس كثيرة من أن تكون مجرد محطة في عملية حرف مطالب السوريين عن الانتقال إلى دولة المواطنة والديمقراطية، وإعادة إنتاج لنظام القمع والاستبداد.
فمشكلة السوريين لم تكن كامنة في الدستور بل هي أعمق من ذلك بكثير، وهي أنَّ النظام الحاكم اختزل كافة السلطات في يد الحاكم، فالرئيس يرأس السلطة التنفيذية والقضائية، والبرلمان تحت سيطرته المطلقة.
وللمفارقة فإنَّ أفضل من أعطى الدستورَ حجمَه الحقيقي في وجدان الشعب، هو الممثل المنحاز للنظام دريد لحام في مسرحية "ضيعة تشرين"، عندما قال إن الدستور أكله الحمار.
لقد كانت المحكمة الدستورية العليا مغيبة ولا يعلم بوجودها غالبية السوريين، وكلنا نذكر كيف تم تعديل سن رئيس الجمهورية في لحظات عام ٢٠٠٠، من أربعين عاما إلى 34 ليناسب "ابن الرئيس"، لتتم لاحقا إعادة سن رئيس الجمهورية إلى الأربعين في دستور عام ٢٠١٢، مما يدل على مدى الاستهزاء به وعدم التعويل عليه.
لكن إذا ما انتقلنا إلى مناقشة ذلك الملف بشكل مهني داخلي بعيدا عن المؤثرات الخارجية، فسنرى أن هناك الكثير من المسائل المسكوت عنها يمكن أن تجعل اللجنة الدستورية ملفا تفجيريا، يجعل سوريا دولة فاشلة إلى أمد غير منظور.
السؤال الأهم -إذا ما سلمنا بتلك القضية الإشكالية- هو: كيف يمكن أن تكون اللجنة الدستورية محطة مهمة في إنجاح الحل السياسي الذي طالما تكلم عنه المجتمع الدولي، وليست خدعة لبعض الدول المتآمرة على سوريا أو مرحلة شكلية لسلق الحل السياسي وفرضه على السوريين مهما كانت النتائج كارثية؟
وهنا لا بد من التعريج على نقاط أربع رئيسية متعلقة بهذه اللجنة الدستورية: أولا: كيفية اختيار أعضاء اللجنة؛ ثانيا: صلاحياتها؛ ثالثا: آليات عملها؛ رابعا: كيفية تحويل المخرجات إلى دستور مقبول وطنيا وغير مفروض دوليا. أولا: اختيار الأعضاء: إن الآليات التي يتكلم عنها المجتمع الدولي لتشكيل اللجنة أصبح جليا أنها قضية محاصصة دولية، بعيدة عن الكفاءة والديموغرافيا والخلفية الثقافية للمجتمع، والتخصص بالشأن الدستوري والخلفية التاريخية للدساتير المنجزة التي وضعها السوريون منذ بداية القرن العشرين، وهذه قضية خطيرة سوف يدفع السوريون ثمنها غاليا.
فالمطلوب وضع آليات محايدة مهنية لاختيار الأعضاء، من تمثيل جغرافي يناسب التوزع السكاني، وهذا تم تجاوزه مرارا في مؤسسات الثورة لصالح مناطق أخرى تمركز فيها التمثيل، إلى قطاعات مهنية واختصاصيين في القانون الدستوري وتمثيل الجميع سياسيا ودينيا وطائفيا وإثنيا، بما يتناسب مع أوزانهم الفعلية في سوريا من دون تهميش أو إقصاء.
إن المشاركة في اللجنة الدستورية مسؤولية وطنية جسيمة وليست قضية رغبوية، وتتطلب من المختارين مهارات خاصة قانونية وإدارية ولغوية وتوفيقية، ومقدرة على الخروج من المآزق.
ففي دستور ١٩٥٠ -الذي ترأس لجنته الدكتور ناظم القدسي وذكر أنها درست ١٥ دستورا أوروبيا قبل أن تنجز مهمتها- برزت مشاكل عديدة، من بينها قضية إصرار البعض على أن يُنصّ دستوريا على أن دين الدولة الإسلام، وكيف أن البعض رفض ذلك فتم التوصل لاحقا -وبجهود من الدكتور مصطفى السباعي- لأن يستبدل عنها بأن دين رئيس الدولة الإسلام.
ثانيا- الصلاحيات: والسؤال المهم هنا هو: ما الصلاحيات المنوطة بهذه اللجنة؟ هل هي صلاحيات مطلقة أم محددة مسبقا؟ ومن الذي يضع تلك الصلاحيات ويشرف على تنفيذها؟ وكيف يتم الاعتراض عليها؟ ومن يرأس اللجنة؟ ومن يكون المقرر فيها؟
إن المتابع للشأن السوري يرى أن هذه الأسئلة تم تجاهلها لجعلها ألغاما مؤجلة يستخدمها الجميع، من نظام ودول مؤثرة لإيقاف صيرورة الحل السياسي.
إن المطلوب قبل اختيار أعضاء اللجنة هو وضع صلاحيات واضحة من قبل مختصين محايدين وغير موجودين في اللجنة، ليتمكن الأعضاء لاحقا من إنجاز مهمتهم بيسر، من دون أية عقبات متوقعة الحدوث تبرز خلال إنجاز مهمتهم بين فترة وأخرى.
ثالثا: آليات العمل: وهي قضية بالغة الحساسية؛ فما مدة عمل اللجنة؟ وكيف تعتبر جلسات اللجنة صحيحة الانعقاد؟ وكيف تُقرُّ المواد؟ هل بالإجماع أم بالأغلبية المطلقة أم النسبية؟ وكيف يعوَّض عن المستنكفين أو المتوفين... إلخ.
إن ما يسري على الصلاحيات يجب إنجازه في الآليات، فهي قضية إجرائية دقيقة يتسلل لها البعض لمنع إنجاز المهمة على أكمل وجه.
رابعا: تحويل المخرجات إلى دستور مقبول وطنيا غير مفروض دوليا: إذا ما سلمنا بإنجاز اللجنة مهمتها على أكمل وجه؛ فكيف ستقرّ تلك الوثائق؟ هل سيتم التصويت عليها شعبيا؟ وفي حال تم رفضها من السوريين.. ما الإجراء المتخذ؟ أم سيتم فرضها عبر مجلس الأمن الدولي مما ينجم عنه دستور مفروض دوليا، يكون أشبه بنظام وصاية دولي بعيد عن إرادة السوريين.
وإضافة إلى هذا؛ يمكن الكلام عن المحاذير في مضمون منتج اللجنة الدستورية، التي يمكن أن يكون لها منعكس طويل المدى على سوريا وشعبها، وهي كما يأتي: ١- دستور طائفي شبيه ببعض دول الجوار، تنتج عنه دول ضعيفة غير قادرة على تأليف حكومات والانتقال بأوطانها إلى مصاف الدول المتقدمة، رغم ما تملكه من خيرات وكفاءات.
٢- دستور غير ملائم لثقافة المجتمع وتاريخه، وأظن أن البعض يذكر ما حصل في دستور الخمسين، وحتى في معركة الدستور عام ١٩٧٣ التي حاول فيها حافظ الأسدتجاوزه، ولكنه فشل بعد مقاومة مشهودة من الدكتور إبراهيم محمد السلقيني الذي توفي خلال الثورة في ظروف غامضة.
٣- دستور لا يكرس الحريات ومحاسبة مرتكبي الجرائم سابقا وحاضرا ومستقبلا، وخاصة الأحداث التي تمت منذ مجيء حزب البعث وانقلاب حافظ الأسد الشهير، مثل مجازر تدمر وحماة وصيدنايا، بالإضافة إلى ما جرى خلال الثورة السورية من استخدام للسلاح الكيمياوي والبراميل وجرائم التعذيب والمختفين قسريا.
٤- دستور غير محصن وغير ملزم تنفيذه للسلطة التنفيذية، من خلال فصل السلطات وتشكيل أجهزة أمنية مهنية ملزمة بتنفيذ الأحكام القضائية على كافة الجهات والشخصيات من دون خوف أو وجل؛ فقد لوحظ خلال الثورة أن المؤسسة الأمنية والعسكرية كانت مجرد سوط في وجه الشعب وليست مؤسسة مهنية تدافع عن الشعب ودولته.
إن المطلوب من المؤسسات التي تمثل الثورة أن تمارس دورها بالتعامل مع هذه القضايا الحساسة بمهنية عالية، من حيث الوجود أو الاختيار أو القضايا الإجرائية، دون عاطفة أو مزايدات.
وذلك من خلال دراسة كافة السيناريوهات المتوقعة والسيناريوهات المضادة للوصول إلى أفضل حل سياسي ممكن، طالما حلم به السوريون منذ انقلاب البعث وحكم عائلة الأسد المقيت، من دون أن يسمح للدول الطامعة أو للمستبدين بإعادة سوريا إلى الدوران في حلقة مفرغة، لم نستطع الخروج منها منذ عهد الاستقلال.
غازي دحمان
طارق الحميد
عمار ديوب
عبد الباقي خليفة
المصادر: الجزيرة نت
الجزيرة نت
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة