حيان جابر
تصدير المادة
المشاهدات : 2296
شـــــارك المادة
قد يظنّ بعضهم أننا في المرحلة الأخيرة من إعادة سيطرة النظام السوري على كامل الأراضي السورية، انطلاقا من حجم الانتصارات العسكرية أخيرا، خصوصا بعد سيطرته على كل من حلب ودرعا وغوطة دمشق. وهو ما يهمل الوسيلة والأسباب التي ساهمت في بسط هذه السيطرة؛ المستندة إلى توافقاتٍ دولية برعاية روسيا مع غالبية القوى والأطراف الفاعلة في الشأن السوري؛ من أميركا والاحتلال الإسرائيلي إلى تركيا وإيران والدول الخليجية والعربية بكل تبايناتها. الأمر الذي مكّن الروس عمليا، والنظام نظريا وإعلاميا، من استعادة السيطرة على أجزاء عديدة من الأراضي التي كانت خارجةً عن سيطرته قبل هذا التوافق. إذ يحرص الروس، منذ إعلان تدخلهم العسكري في سورية في العام 2015، على اتباع استراتيجية عسكرية تحدّ من خسائرهم البشرية المحتملة؛ الأمر الذي تطلّب تقليص الاعتماد على القوات البرية الروسية؛ وهو ما أدى إلى تقاسم الأدوار العسكرية بين كل من الروس والإيرانيين والنظام، على قاعدة الروس في الجو والقوات المحسوبة على النظامين، السوري والإيراني، في البر. وعلى الرغم من نجاح هذه الخطة، أو تقاسم المسؤوليات الحربية في الحد من خسائر الروس البشرية؛ إلا أن نتائجها الميدانية كانت محدودة وغير مؤثّرة عموماً؛ أي أقل من التوقعات، بسبب ضعف القوات السورية النظامية والمليشيات المحلية والطائفية المحسوبة عليه وترهلها، بعد كل هذه السنوات من الصراع المسلح التي عجز النظامان، السوري والإيراني، خلالها عن ضرب قوى المعارضة المسلحة، ما دفعهما أصلا إلى طلب العون الروسي عسكرياً عام 2015. وهو ما وضع الروس أمام خيارين: مزيد من الانخراط العسكري الروسي في المسألة السورية، وهو ما يتطلب الاعتماد بشكل شبه كامل على قوات روسية برية، نظامية وغير نظامية، والتي سوف تؤدي إلى تصاعد كبير في أعداد القتلى الروس؛ ما قد يؤدي إلى تزايد الضغوط الداخلية الروسية من أجل الانسحاب من سورية، وبذلك تكون روسيا قد خسرت كثيراً. أو التوصل إلى بعض التفاهمات مع القوى الإقليمية الداعمة للمعارضة المسلّحة، على قاعدة تقاسم المصالح في سورية بصورة سياسية، ومن دون حاجةٍ إلى تصعيد الصراع العسكري، سواء المباشر أو بالوكالة؛ في مقابل فرض الانسحاب أو الاستسلام على غالبية قوات المعارضة السورية المسلحة، من الداعمين الإقليميين؛ وفقا للإطار والشكل والحجم المتفق عليه بين الدول الفاعلة؛ التي تم تمثيلها بالثلاثي الضامن؛ تركيا وإيران وروسيا. وبذلك بدأت مرحلة جديدة في سورية عنوانها السياسي والإعلامي التوافق الدولي، متمثلا بالثلاثي الضامن، بينما كان عنوانها الميداني انسحاباتٍ متلاحقة لقوات المعارضة السورية؛ من أهم معاقلها في كل من حلب ودرعا وغوطة دمشق الشرقية، نحو محافظة إدلب وريف حماة؛ على وقع الضربات الجوية الروسية؛ وكأن الروس والنظام والإيرانيين يحقّقون نجاحات عسكرية متلاحقة. في مقابل صمت وقبول روسي على التوغلات التركية في المناطق الحدودية المشتركة مع سورية؛ بذريعة ملاحقة ومحاربة القوات الكردية المسلحة التي تعتبرها تركيا إرهابية. حتى وصلنا إلى المرحلة الراهنة التي قد توحي لبعضهم بقدرة تحالف النظام على الاستمرار في تحقيق الانتصارات الميدانية حتى استعادة السيطرة على جميع الأراضي السورية، وفي مقدمتها محافظة إدلب وريفها وريف محافظة حماة. وهو المستحيل تنفيذه الآن؛ لأن إدلب بمثابة الورقة الضامنة لجميع التوافقات الدولية في سورية، وهو ما يفرض على الروس اليوم الإيفاء بجميع تعهداتهم السرّية والعلنية التي التزموا بها مع جميع الدول الفاعلة في سورية؛ من الأميركيين إلى الإسرائيليين، مروراً بالأتراك وبعض الدول العربية، وخصوصا الخليجية منها؛ قبل حسم الأمور في إدلب، أو قبل ترتيب الأوضاع في هذه المحافظة بشكل كامل ونهائي. الأمر الذي يعزّز من احتمال حصر العمليات العسكرية ببعض المناطق المتفق عليها مع الأتراك، في إدلب ومحيطها، في مقابل مزيد من التوغل التركي المباشر عبر قواتها العسكرية؛ أو غير المباشر عبر قواتٍ من المعارضة السورية التابعة والخاضعة للأتراك في المحافظة، من أجل ترتيب الأوضاع والأمور فيها، بما يحقّق المصالح الروسية المتمثلة في فتح الطرق الدولية وضمان سلامتها، وأهمها طريق دمشق – حلب، وضمان سلامة محافظة اللاذقية؛ والقاعدة الروسية في حميميم، وبما يضمن الانتهاء من ملف التنظيمات الجهادية، وفي مقدمتها جبهة النصرة؛ المعروفة اليوم بهيئة تحرير الشام. كما تحتوي محافظة إدلب على ما يقارب ثلاثة ملايين مدني سوري، قد تؤدي أي عملية عسكرية كبيرة وشاملة على المحافظة إلى تدفقهم كالنهر الهادر نحو الأراضي التركية؛ ما سيؤدي إلى أزمةٍ إنسانيةٍ وسياسيةٍ تركيةٍ، تضعف من الموقف الداخلي للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان؛ وتفضح صورته لدى مجمل السوريين؛ وقد يضع ذلك حدّا نهائيا لأي طموح سياسي أو اقتصادي تركي، وأردوغاني خصوصا، داخل الأراضي السورية. وهو ما يفسّر النبرة والموقف التركي الذي عبر عنه أردوغان في أثناء لقائه في طهران مع الرئيسين الروسي والإيراني؛ فلاديمير بوتين وحسن روحاني، بكل وضوح عن أهمية إدلب في حماية الاتفاق الدولي حول سورية وضمانه؛ وعن مدى المخاوف التركية من تبعات أي عمليات كبيرة فيها وفي محيطها. لذلك نشهد تصاعدا في نبرة الخطاب التركي بشأن إدلب، مترافقا مع زيادة التعزيزات العسكرية التركية فيها وبمحيطها، وهو ما يضمن استبعاد احتمال شنّ قوات النظام وحلفائه أي عملية عسكرية كبيرة وضخمة، كما روّج إعلامهم، وبالتالي ستتم غالبا حماية المحافظة وقاطنيها من جنون الإجرام الأسدي والإيراني والروسي، من أجل ضمان المصالح التركية، وربما الدولية أيضاً. إلا أنه لا يمكن استبعاد استمرار بعض المناوشات أوالضربات العسكرية الخاطفة والمتفرقة على المحافظة؛ بغية الضغط على الأتراك من جانب؛ وعلى قوى المعارضة المسلحة من جانب آخر. كما لا بد من الحذر من حالة الاعتماد على التوازنات والتوافقات الدولية التي أثبتت الأيام والسنوات الماضية أنها غير معنيّة بمصالح السوريين وبسلامتهم الشخصية، ولا بسلامة الأرض السورية أيضاً. فحتى وإن نجحت المصالح التركية في سورية، وفي شمالها تحديداً، في حماية إدلب ومدنييها اليوم؛ إلا أنها قد تتحوّل، بين ليلة وضحاها، إلى مصدر الخطر الأول عليهم وعلى سورية.
فراس أبو هلال
مروان قبلان
سعد محيو
محمد مشموشي
المصادر: العربي الجديد
العربي الجديد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة