وائل سواح
تصدير المادة
المشاهدات : 2422
شـــــارك المادة
أعلنت الولايات المتحدة وتركيا، قبل أيام، أنهما اتفقتا على "خريطة طريق"، للتوصل إلى اتفاق بشأن مدينة منبج (شمال) التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، بقيادة وحدات حماية الشعب (الكردية) بالقرب من الحدود التركية. وجاء الإعلان إثر اجتماع عقد بين وزيري الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، والتركي مولود جاووش أوغلو. في عام 2015، كان تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يستخدم منبج لتدريب الانتحاريين المتشددين، ليفجروا أنفسهم في شوارع باريس وبروكسل وأمستردام، ويهدّد أمن العالم وسلامته. وقتها، قرّر المبعوث الخاص إلى التحالف العالمي لهزيمة "داعش"، بريت ماكغورك، أن يستخدم الكرد رافعة للحرب على التنظيم الإرهابي، رافضا التعاون مع المكوّنات السرية الأخرى. ونجحت "قوّات سوريا الديمقراطية" ووحدات حماية الشعب، في إزالة "داعش" من منبج. بعد أن عبرت نهر الفرات، وخاضت خلال أكثر من ثلاثة أشهر في صيف عام 2016، معارك ضارية وصعبة للغاية ضدّ "داعش"، فقدت خلالها نحو ثلاثمائة مقاتل. ومنذ ذلك الحين، خفّت إلى حدّ كبير حدّة العمليات الإرهابية في العالم، ومن ثمّ بدأت قبضة "داعش" تفلت في سورية، إلى أن تمّ القضاء عليه نهائيا.
في الوقت نفسه، بعد معركة منبج، بدأت تركيا في تلك المنطقة عملياتها المسمّاة "درع الفرات"، والتي دعمت فيها تركيا قوى المعارضة، وقامت، فيما بدا أنه غض طرف من الأميركان والروس، بتطهير هذه المنطقة المسماة جيب منبج من "داعش". وبذلك أحكمت إغلاق الزجاجة، حيث كان "داعش" يحاول التسلل داخل سورية وخارجها. ليس هذا الأسلوب غريبا على واشنطن. وليس غريبا أيضا أن يقع الكرد مرّة ومرّة في هذا المطب. لقد عانوا عقودا طويلة جدا من سياسة تمييز قومي ومجتمعي من نظام البعث الحاكم في سورية، لذلك حين فتحت أمامهم أبواب للنجاة، ما كان عليهم سوى أن يخرجوا منها.
في عام 2011، وبعد الانتفاضة السورية التي اجتاحت البلاد، بما في ذلك مناطق الكرد في القامشلي وعامودا، أصدر بشار الأسد المرسوم رقم 49 بمنح الجنسية السورية للأكراد المسجلين في سجلات أجانب الحسكة، وتفاءل كرد كثيرون بهذه النافذة التي فتحها أمامهم النظام، فسارعوا إلى فصل قضيتهم عن قضية السوريين عموما. ولكن النظام فوّض وزير الداخلية بإصدار التعليمات التنفيذية لتطبيق هذا المرسوم، الأمر الذي أدى إلى أن عشرة ألاف شخص فقط من أصل مئتي ألف حصلوا على الجنسية السورية على الرغم. وبعد ثلاثة أيام فقط من مرسوم منح الجنسية، عدل النظام قانون التملك في المناطق الحدودية، ليشمل كلّ محافظة الحسكة، بعد أن كان يحصر ذلك بشريط حدودي بعرض 25 كم. سيكون من الصعب، قانونيا، على الأكراد السوريين وغيرهم من المقيمين في المناطق الحدودية التصرف بممتلكاتهم العقارية بدون تدخل الأجهزة الأمنية. وحين جاءهم بريت ماكغورك بفكرة تشكيل "قوّات سوريا الديمقراطية"، وأغراهم بأخذ موقع لهم شمال سورية، أكبر من إمكاناتهم الحقيقية، سارعوا إلى قبول العرض، وتخلّوا عن أي تنسيقٍ مع باقي السوريين في المنطقة. واليوم، يتفق الأميركان والأتراك حول مدينة منبج، ويقرّر الأميركان نقل الكرد من منبج إلى شرقي الفرات، ولا يستطيع الكرد أن يعترضوا أو يحتجوا، لأنهم حتى لو فعلوا، فإن الولايات المتحدة تمتلك القدرة، على الأغلب، لإجبارهم على الانسحاب. وقد تناشد وحدات حماية الشعب (YPG) روسيا، أو حتى النظام السوري، للدفاع عنها. ولكن هل سارع الأخيران إلى نجدة وحدات حماية الشعب في عفرين في يناير/ كانون الثاني، حين كانت هذه القوّات في وضع أفضل بكثير للمشاركة؟ وإذا ما بقيت القوات الأميركية في منبج، فإن القوات الروسية وقوات النظام ستكون أقلّ رغبة في مساعدة وحدات حماية الشعب هناك. وإذا اضطرت وحدات حماية الشعب للانسحاب من منطقة منبج التي تسكنها أغلبية عربية، فإن عناصر في المناطق التي يغلب عليها العرب، والتي تقع حاليا تحت سيطرة وحدات حماية الشعب، قد تشعر بالجرأة لإخراج القوى الكردية من مناطقها، وخصوصا في الرقة ودير الزور. وستستمرّ التوترات بين الأكراد والعرب داخل "قوات سوريا الديمقراطية" بالتصاعد، وما إذا كان التحالف بين الطرفين سيصمد يعتمد على مدى بقاء الولايات المتحدة في سورية. إذا بقيت الولايات المتحدة، فيمكنها أن تجعل "قوات سوريا الديمقراطية" تتماسك، فعلى الرغم من التوترات بين المقاتلين الأكراد والعرب، فإن هذه الفصائل سوف تتحّد حول الوجود الأميركي، إذا كان ذلك الوجود أكثر وسائلهم موثوقيةً للوصول إلى الأسلحة والمساعدة، أو كانت الرافعة للاستفادة منها في المفاوضات مع النظام، للحصول على درجةٍ من الاستقلال الذاتي. كما أن وجود الولايات المتحدة قد يردع تركيا عن مهاجمة مواقع "قوات سوريا الديمقراطية" في شمال شرق سورية. ومع ذلك، تفيد المعطيات بأن بقاء القوات الأميركية على المدى الطويل غير مرجّح. لقد هزمت داعش تقريبا في جنوب شرق سورية، وفي حين أن عمليات الاستقرار بعد الانتصار مسألة مهمّة، ولكن ذلك لا يبدو أولوية للقيادة الأميركية. أما إذا انسحبت الولايات المتحدة بالفعل، فمن المحتمل أن تنهار "قوات سوريا الديمقراطية" وستهاجم تركيا مواقع وحدات حماية الشعب، ومن المرجح أن تنفصل القوات العربية عنها. أمّا إلى أين ستتّجه هذه القوات في حال انفصالها، وما إذا كانت ستتعامل مع المعارضة التابعة لتركيا، أم ستتلقى الدعم السعودي، أم تذهب مع الأسد، فذلك سيعتمد على من يقدّم لها أفضل صفقة. وفي هذه المرحلة، من غير الواضح أي اتجاه سيذهب إليه هؤلاء المقاتلون. إلى ذلك، شهد الأسبوع الماضي أيضا زيادة في التوتر داخل قوات الدفاع الذاتي. وقد أفادت وسائل الإعلام التركية والسورية عن وجود اضطرابات في الرقّة التي تسيطر عليها "قسد"، حيث كان المدنيون يحتجون على التجنيد الإلزامي، وعن مصادماتٍ بين فصيلين رئيسيين في "قوات سوريا الديمقراطية"، هما وحدات حماية الشعب (الكردية) وجيش الثوار (العربي). كما أفادت وسائل الإعلام التركية عن حدوث لقاء بين العربية السعودية ووحدات حماية الشعب لمناقشة تشكيل قوة عربية في شرق سورية. ومن غير المؤكد ما إذا كان هذا يخفف التوترات بين العناصر الكردية والعربية في "قوات سوريا الديمقراطية" أو يفاقمها. حقّ تقرير المصير حقّ أصيل للكرد، ولكنّ حلا واقعيا وممكنا للقضية الكردية لا يمكن أن يوجد خارج سياق وحدة السوريين جميعا من أجل سورية ديمقراطية، موحدّة، ولامركزية، تقوم على مبدأ المواطنة، وتعترف بالخصوصيات القومية والدينية لكل مكوّنات الأمة السورية.
خورشيد دلي
حسان حيدر
عبد الوهاب بدرخان
مركز جسور للدراسات
المصادر: العربي الجديد
العربي الجديد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة