..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

عن المجتمع السوري وانقساماته غير الودودة

نواف القديمي

٢٣ ٢٠١٨ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2491

عن المجتمع السوري وانقساماته غير الودودة

شـــــارك المادة

كنت أظن أن المجتمعات في الجزيرة العربية - وفي نجد تحديداً - تحتوي على أكبر قدر من العصبيات المناطقية والاجتماعية والتراتبية العنصرية والطبقية "بدوي وحضري، قبيلي وخضيري ...الخ" ..

لكن منذ متابعتي لتفاصيل المشهد السوري بعد الثورة واقترابي أكثر من تكوينات المجتمع وتنوعاته وانقساماته وجدت شيئاً مذهلاً لم يكن يظهر على السطح، حجم مخيف من التنوع الممزوج بتمايزٍ واعٍ بين مكونات المجتمع وصلت لحدٍ يتجاوز ذلك الموجود في نجد.. 

التمايزات الطبقية والاجتماعية والمذهبية في المجتمعات المدينية في دمشق وحلب وحمص وحماة والدير وسواهم بحسب الأحياء والوضع الاقتصادي والتاريخ المناطقي والطبقي لسكان الحي "مثلاً أحياء الشهباء والروضة مقابل الفردوس والشعار في حلب" و"من داخل السور أم من خارجه في دمشق" إضافة للانتماءات العرقية والطائفية، فضلاً عن العلاقة غير الودودة مع الريف الذي هو بدوره يحتوي على طبقات وانقسامات جهوية واجتماعية "بين الريف الحضري والريف العشائري مثلاً" ومصطلحات وأوصاف تُستخدم في مدن وأرياف دون أخرى وتوحي بتراتبية تتضمن تحقيراً "مثل الشاوي والضيعجي"، وحضور كل ذلك في المخيال الشعبي ووجوب استحضاره ضمن الجهاز التفسيري لما حصل بعد الثورة وعلاقة الأرياف بالمدن وتنوع الفصائل. 

حتى اللهجات في المدينة الواحدة تحوي قدراً من الاختلاف بحسب الانتماء الطبقي أو المذهبي، إضافة لوضوح التمايز بين أبناء العشائر وأبناء الحواضر ومختلف الإثنيات "العرب والكرد والتركمان والكلدان والأرمن والسريان والشركس والشيشان ...الخ".

عظمة الثورة أنها أنتجت من كل هذا التشظي روحاً وحدوية طغت على كل هذه الانقسامات، وجعلت المدن تنتفض إثر التعدي على مدينة تبعد عنهم مئات الكيلومترات دون وجود أي روابط مدينية أو وشائج اجتماعية، ودفعت الملايين من مختلف المدن والأرياف وفي مئات نقاط التظاهر إلى التأكيد على هتاف وشعار "الشعب السوري واحد"، وجعلت عشرات آلاف المتظاهرين من حمص وبانياس وحماة والدير وداريّا وسواهم - ربما لم يزر معظمهم درعا في حياته - يهتفون في جمعة العزة: "يادرعا إحنا معاكي للموت"، وصنعت لنا تاريخاً خالداً من أسماء الجُمع التي كانت تُعبِّر عن الإرادة الواحدة والمصير الواحد.

لكن المؤسف أن هذه الروح الثورية الوحدوية تراجعت بعد الإخفاقات التي شهدتها الثورة لصالح العصبيات والانقسامات التقليدية العميقة حين بدأ هذا الميكانزم يعمل تحت ضغط الخيبة والتراجع وفشل مشاريع التوحد بين قوى وفصائل ارتبطت بعلاقة زبائنية مع ممولين وداعمين لديهم كثير من الانحيازات والاشتراطات

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع