أسرة التحرير
تصدير المادة
المشاهدات : 5066
شـــــارك المادة
عبد الرزاق بن حسن بن إبراهيم البيطار الميداني الدمشقي: عالم بالدين، ضليع في الأدب والتاريخ. ولد في أسرة علمية مجيدة عريقة، وفي بيت كريم مشهور بالعلم والعلماء، فوالده من أجلِّ العلماء في ذلك الوقت، وخلف أربعة أبناء برزوا في العلم والفضل، ويصف المؤلف هذا البيت بقوله: «فآل البيطار بيت علم وفضل»، ويستشهد بقول العلامة عبدالحفيظ بن الطاهر الفاسي «بيت البيطار من البيوتات العلمية بدمشق الشام، وقد تعدد فيهم العلماء»، ويخلف الحديث عن نسبه وأصله ومسقط رأسه بالحديث عن شيوخه وتحصيله حيث إنه تعلم القراءة والكتابة وكان ذلك بعد سن التمييز ثم حفظ القرآن الكريم وجوَّده على شيخ قراء الشام الشيخ الحلواني، وكان لوالده دور كبير في تعليمه وتلقينه حيث إنه حفظ المتون في مبادئ العلوم على والده، كما أنه كان حريصاً على دروس والده الخاصة والعامة. وبعد أن بلغ الشيخ عبدالرزاق البيطار رحمه الله تعالى سن الرشد جاب البلدان وعرف قدر الرحلة وفضلها وأشار المؤلف إلى حبه للرحلة حباً عظيماً لاسيما في وقت الربيع، وبدا هذا واضحاً في مؤلفاته، ويقول المؤلف ما نصه: «رحل العلامة البيطار إلى عدة بلدان كالقاهرة واستانبول وإلى المدن المجاورة لبلدة دمشق كالقدس وبيروت وإلى جملة من محافظات الشام». ومن جميل قول العلامة البيطار في الحث على الترحل قوله: «فعليك بالتغرب لترى الدنيا، وتدرك المنى، وإياك وخبث الطوية، وخوف المنية، فإنها لا تُدفع في الوطن والحضر، ولا في الغربة والسفر»، هذا وقد عاش هذا العلامة في عصر وصفه المؤلف بأنه عصر جمود وتصوف فيه غث وسمين وصحيح وسقيم ويقول عن المترجم له: «فعاش الشيخ البيطار في هذا العصر متأثراً بشيوخه وأبناء عصره، ولكنه لما ظهر له الحق رجع عن تلك الآراء والأفكار، كشأن كل عالم عاقل محب للحق وأهله» وكان حسن الصوت، وله نظم. واشتغل بالأدب مدة، واقتصر في آخر أمره على علمي الكتاب والسنة. وكان من دعاة الإصلاح في الإسلام، سلفي العقيدة، وقوراً، حسن المفاكهة، طيب النفس. ولقي في سبيل ذلك عنتاً من الجامدين. ومن كتبه (حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - ط) ترجم به معاصريه، و (الرحلة) اشتمل على عدة رحلات إحداها القدسية والثانية البعلية. وله بضع عشرة رسالة في الأدب والتاريخ لم يطبع منها شيء.
ومما يلفت النظر في هذه الشخصية النابغة جلوسه للناس على طبقاتهم المختلفة، فيجلس إليه العالم والكاتب والشاعر والزارع والصانع والتاجر، فيملي عليهم من قوله وقيله، ويسعدهم بقليله وكثيره، ويتبادل معهم الآراء، ويناقش معهم الأفكار، فيخرجون من عنده مسرورين، وبرضاهم عنه متوجين، وذلك فضل الله تعالى يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، والمن الجزيل.
وذكرني حلو الزمان وطيبه مجالس قوم يملؤون المجالسا حديثاً وأشعاراً وفقهاً وحكمة وبراً ومعروفاً وإلفاً مؤانساً
وللشيخ البيطار صلات بعلماء عصره، وأعلام زمانه خاصة صحبته الأكيدة للعلامة جمال الدين القاسمي، وكان بينهما رسائل ودية، ومكاتبات أخوية، ومساجلات علمية وقد حباه الله أن يمسك بزمام النظم والنثر، بل إنه حاضر البديهة، وقوي الفطنة، وطلق اللسان، فهو ممن يقول الشعر على الارتجال والبداهة، وبينه وبين علماء وقته صول وجول في ميدان الشعر، وبينه وبينهم أيضاً شيء كثير في هذا المجال، وقد وصفه المؤلف محمد بن ناصر العجمي بقوله (برع العلامة الشيخ البيطار في علوم اللغة والأدب والشعر، فقد آتاه الله قلماً سيالاً، وعبارة قوية، وكلمات رصينة متينة كانت منه على طرف الثُمام، مما جعله يدبج الشعر والنثر، حتى إنه في كثير من الأحيان كان يقول الشعر ارتجالاً)، وما أحسن عبارة المؤلف حين يقول: «وبالجملة فقد كان كشكولاً أدبياً متحركاً، تشتاق النفوس إلى مجالسته ومسامرته» وممن وصفه أيضاً فأبدع، العلامة محمد كرد علي كما ظهر هذا من نقل مؤلف الكتاب عنه، وكان للعلامة محمد كرد علي رأي في مستوى شعره، ومن المفيد أن أنقله للقارئ ونصه كالتالي: «نظم الشعر، ومنه بعض المقاطيع والموشحات المشهورة المتداولة، ونظمه أرقى من نظم الفقهاء ودون شعر المفلقين من الشعراء وكتابته على طريقة السجع القديمة»، وأفاض المؤلف في ذكر إجازات الشيخ رحمه الله تعالى وتنبثق أهميتها من قول مؤلف الكتاب: «الإجازة في كتب الحديث وغيره من العلوم مما يحرص عليهم أهل العلم خصوصاً في تلك الحقبة، وذلك لأنها تربطهم بكتب المتقدمين وأثباتهم، ولذا حرص عليها الشيخ عبد الرزاق البيطار كما أنه لم يبخل بها على طالبيها، وذلك لمن رآه أهلاً لها»، وكان المؤلف يصور من مخطوط الإجازات صورة، ثم يتبع ذلك بالإجازة كاملة على نسق الطباعة الحديثة. ومنها: ما قاله الجمال القاسمي:" صورة إجازة فريد العصر الأُستاذ الهمام الأثري، صفينا الشيخ عبد الرازق البيطار:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي رفع منار الكتاب والسنة، وأوسع بهما على هذه الأمة جزيل المنة، وكشف عن محيا الملة المحمدية بهما حجاب الغمة، وعطف عليها بوافر نواله، وأكمل لها الفضل وأتمه، أحمده على أن أعلا قدر أهل علومه في كل زمان، وأولاهم ما أولاهم من جليل الإحسان، وجميل الامتنان، وأظهرهم على الحق ببراهين السنة والكتاب، ونظمهم في سلك أحبابه، وعصمهم عن الميل عن نهج الصواب. فهم المؤيدون بالاستدلال بدلائل الملة السمحة والشريعة الغراء، والمقيدون بقيد الآيات القرآنية، وأحاديث سيد الأنبياء، والمتقلدون بقلادة المسانيد الشريفة، وأخذها عمن لهم إذن وإجازة، والمتفردون دون غيرهم باتباعهم لمن عرفوا طريقه فجازوا مجازه، فلا يعتمدون غير الوارد من الأقوال، ولا يستندون في نقلهم إلا لمن له في ذوي الكمال اتصال، وإن ذلك لمن أهم الأمور التي اعتبرها أهل الحديث، وأجل الشروط التي لم يعترها لديهم تنقيب، ولا تبحيث. والصلاة والسلام على من أوجد الله له هذا الوجود ( قال العجمي: " هذا كلام فيه نظر، ولا دليل عليه من كتاب أو سنة أو أثر")، وأفاض به على العالمين سوابغ المنن، ونوابغ الجود، سيدنا محمد الذي أوتي السبع المثاني والقرآن العظيم، وأسرى به الملك الجليل من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى في الليل البهيم، وخاطبه بما يدل على رفعة قدره على الخلق أجمعين بقوله؛ { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} [ الأنبياء: 107]، وعلى آله الذين طهرهم من كل عيب تطهيراً، ونزههم بلا ريب وأعدَّ لهم جنة، وحريرا، وأصحابه السادة المستوين على عرش الاقتداء، والمتصفين بكمال الاتباع، والمحتوين على شريف كمالاته، فهم أصدق متبع وأرفق داع، وعلى التابعين وأتباعهم، ما لمعت بوارق السنة، وسطعت أسنة النصر، صلاةً وسلاماً لا يحيط بهما عد ولا حد حصر. أمَّا بعد: فإن العلوم كثيرة، والنافع منها دلى الله يسيرا؛ والرسوم عزيزة، وليس لنا سوى ما رسمه السيد البشير، فالسعيد كل السعيد من أقبل عليه كل إقباله، وقصر عليه جليل أفكاره، وجميل مآله، ألا وهو علم الشريعة المطهرة التي هي القرآن والحديث، المنوه بشأنهما، والمعمول بهما وجوباً في القديم والحديث، إذ بهما كمال الترقي إلى أوج التأديب، وتمام التوقي مما يوجب التنقيب والتهذيب، فهما نور العيون، وضياء ظلمة القلوب، وهما الوصلة العظمى بين الرب والمربوب. ولذلك لم تزل أكابر العارفين يبذلون في تطلبها نقد حياة المهج، وأفاخر العلماء العاملين يخوضون في العمل بهما بحجج البحور وبحور اللجج، حتى أصبحت لديهم مناهج هذه المقاصد المحمدية سهلة الوصول، ومدارج هذه المعارج الأحمدية جامعة بين الأمل والمأمول. فهؤلاء هم الذين كشف الله عن عين بصائرهم الحجاب، وسلكهم مسالك الوصول إلى دائرة الحق، ونقطة الصواب، وانكشفت لهم حقائق الوقوف على خير العمل، وانقادت لهم صعاب الأماني وحصل لهم منتهى الأمل، وسلموا من تسليم زمام دينهم لغير مَنْ أمرهم بارئهم بالتسليم إليه، وعلموا أن الاعتماد عليه فوز بالسعادة لديه. فلذا لم يتحركوا بحركة إلاَّ ولهم شريعة العمل بها شهودٌ عدولٌ، ولم يقولوا بمسألة إلاَّ وقد ثبت فعلها عن أشرف رسول، أليس يقول من لا إله إلا هو: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7]. أيظن حينئذٍ ظانٌ أن يُفلح أحدٌ بعمل دليله القيل والقال، أو ينجح بتركه للأصلين، وتمسكه بذيل البحث والجدال، أين هو من قول من أنزل القرآن، وكلم موسى تكليما؟ {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} [النساء: 65]. فهذا هو المنهل العذب لكل تقي عابد، والمعقل الرحب الذي ما صد عنه إلا جاهل أو مكابر أو معاند، والمدار الأعظم الذي تدور عليه رحى النجاة، والمنار الأفخم الذي ما أمَّه ذو حاجة إلا ونال ما رجاه، فمن اعتصم بحبله المتين إن تكلم سَمِعْتَ واضح البيان من صريح تبيانه، أو استدل فَهِمتَ صحيحَ الاستدلالَ من فصيحَ لسانِهِ. وإنَّ ممَّن نَهَجَ مَنَاهَجَ مَنْ غَبَرَ، ولَهَجَ مُنْذُ نَضِجَ رأيهُ بالكتابِ والسنةِ والأثر، وارتأته العلياء مرآة محياها، وجذبته المَحَجَّةُ البيضاء لأن يكون نشأة حمايها (يقول العجمي:" (حميا) كل شيء شدته وحدته ومن الشباب أوله ونشاطه، " المعجم الوسيط" (2/ 208)، نقطة فؤادي، الفالح الصالح، ومدار دائرة ودادي الناجح الراجح، الذي جمع شمل الفضائل العلية بعد شتاتها، ورتع في رياض الشمائل النبوية فكانت لنفسه طيب حياتها، ولازم ربوع الأصلين فلا يزيغ عنهما ولا يزول، وشاد لنفسه حصناً حصيناً فلا يحيد عنه ولا يحول، الأخ في الله الشيخ جمال الدين أفندي ابن الأخ الإمام، والفاضل الهمام، الشيخ سعيد أفندي ابن الجهبذ الأكمل، والعمدة الأفضل، الشيخ قاسم أفندي الشهير بالحلاق، أجزل الله لنا ولهم الأجر والثواب، وحشرنا وإياهم في زمرة سيدنا محمد لباب الألباب، وكعبة طواف الأحباب. فإنه أحسن الله إلينا وإليه، وعطف بمنه وكرمه علينا وعليه، قد ظنَّ بهذا الفقير الظن الحسن، وخال بهذا الفقير أنه قد تحلى بالمنن وتخلى من المحن، فطلب مني أن أجيزه بما تجوز لي روايته، وتنسب إليَّ قراءتُه ودراسته ودرايته، مما أخذته عن شيوخي الأفاضل، وسادتي ذوي المناقب والمراتب والشمائل، ولم يدر أني لست لذلك أهلاً، ولا ممن يحق له أن يدوس هذا البساط أصلاً، ولا ممن يستحق أن يجاز فيكف يجيز، ولا ممن يري الفرق بين المجاز والتجويز، فتمنعت جهدي عن ذلك، لمعرفتي بأنني لست أهلاً لسلوك هذه المسالك، وأن بضاعتي مزجاة، واعترافي بذلك نجاة، فأصرَّ عليَّ ولم يلتفت لقالي، واستمر ولم يمنعه إخباري بضعف حالي، فحينئذ ساعدتُهُ على مطلوبه، ووافقته على مرغوبه، وتوكلت على الله القدير بعد أن استخرته، ثم توجهت إلى هذا المستجيز العزيز وأجزته بما تجوز لي روايته عن قادتي العلماء الأعلام، وسادتي الأفاضل الأجلاء الكرام، من دمشقيين، ومصريين، وغيرهم، ممن سما علو مقامهم وقدرهم. وإن من أجلهم لدي، وأمنهم في الحقيقة علي، سيدي وسندي وعمدتي ومعتمدي، من لي به كمال الفخار، والدي الشيخ حسن أفندي البيطار، فإنه أجازني بالإجازة العامة والخاصة كما أجازه شيوخه ذوو التقوى والفلاح، بسائر الفنون المدونة وعلى الخصوص بكتب الصِّحاح، عن شيخه الشيخ عبد الرحمن الكُزْبري شيخ الشام، عن والده الشمس محمد الكُزْبري الشهم الهمام، ثُمَّ بالسند المتسلسل إلى مؤلفيها السادة الحفاظ العظام، البخاري، ومسلم وأبي داود، والترمذي، النسائي، وابن ماجة هداة الأنام، كما هو مرقومٌ في محله، ومعلوم لدى ذويه وأهله. وإن لي بحمد الله طرقاً عديدةً، وأسانيد صحيحة سديدة، وبعضها متصل بالسيد محمد الأمير، وبعضها متصلٌ بغيره من العلماء ذوي القدر الشهير، وذلك معلوم من الأثبات، ومذكور في دواوين الإجازات. وإني لراج من هذا المستجيز، ومتأمل من هذا الطالب العزيز، أن يمدني بدعواته في خلواته وجلواته، وأن يكون ملازماً على ما شرطه الأفاضل التمسك بذوي الكمالات والفضائل. والله أسأل، وبأشرف أنبيائه أتوسل (قال العجمي:" هذا من التوسل غير المشروع كما نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه :" قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة") أن يتفضل علينا وعليه بتمام المراد والمرام، وأن يختم لنا وله وللمسلمين بحسن الختام. في 3 ذي القعدة الحرام سنة ألف وثلاثمائة وخمس عشرة عبد الرازق ابن المرحوم حسن المعروف بالبيطار -عفي عنهما- انظر (مجموع الإجازات الموقعة بخطوط شيوخ الشيخ جمال الدين) ص:28ـ 32، و( مجموعة لطيفة في نصوص إجازات شريفة" (ص 21ـ 25)، نقلاً عن: وليد القرون الأولى، إمام الشام في عصره جمال الدين القاسمي سيرته الذاتية بقلمه، لمحمد بن ناصر العجمي، ص 203ـ 208، ط. دار البشائر 1430هـ، أديب علماء دمشق الشيخ عبد الرازق البيطار حياته وإجازاته، بقلم محمد بن ناصر العجمي، ص (70ـ 75)، ط1. دار البشائر الإسلامية. 2000م) ومن رسائل الشيخ عبد الرزاق البيطار رسالة لأخيه سليم ـ رحمهما الله ـ قال الشيخ محمد بن ناصر العجمي عن الشيخ عبد الرزاق البيطار:" ومن مكارم أخلاقه المرضية، ومحاسن مداعبته المضية قوله في قصيدته الرائية ملاطفاً بعض أحبابه، وممازحاً بعض أترابه، وذلك دليل على مكارم أخلاقه حين كان خارج دمشق متنكراً ما يزعج أمثاله، من الكبد والمشق، وكان بمحل يقال له المُزَيريب قوله في رسالة مخاطباً بها على طريق المراسلة، وهو لأخيه الشيخ سليم يصف سكناه بدار صفتها ما سيذكره:
سلامٌ يا منى قلبي *** علي من حظه أوفر سليم قرة العين *** شقيق الروح ذا الأندر فإن جاز السؤال على *** أخيكم ربه أخبر بأن الشوق أضناه *** بغير الوصل لا يجتر أضر الوجد بي خلي *** وفي الأحشاء قد أثر إذا جئتم علي بالي *** يكاد القلب يتفطر ففي تاريخ ذا صبحا *** جلسنا نبتغي المعشر شربنا القهوة السودا *** وفيها البن والسكر بوسط الحجرة الفظة *** وفيها الفار يتبختر وفيها النمل والنامو *** سُ والبُرغوثُ ما قصَّر وفيها هرتك العَثى *** وفيها مقعد أحمر ولا تسأل عن الجرذا *** ن مثل الهر أو أكبر وسامٌ أبرص يمشي *** على الجدران لا يحصر وإن أنهيت عن حالي الـ *** ـخنافس ويلها أكثر وللصرصور أصوات *** علي رناتها نسكر وفيها البخش في السقف *** لأجل اللطف والمنظر خفافيش بها تسعى *** أقول الحق ذا يسحر وللذبان تنقيط *** ولدغ ماثل النشتر وفيها النمل ثم القمـ *** ـل أما السوس لا ينكر فإن قلتم بها دُلمٌ *** كذا هَدبٌ ولم يذكر أقول العفو يا خلي *** فإن الذهن قد قصر وفيها طاقة شرقاً *** لبول أخيكم الأكبر وفيها الشرب ثم الأكسـ *** ـل ثم النوم والمحضر وفيها التر ثم الفر *** ثم الحر والطرشر وفيها الفش ثم الطش *** ثم الفش يتيسر وما شفنا بلا مضمون *** بها مسكن ولا عنبر فقبليها قضاء البر *** ج ثم الحُش والمعفر شماليها طريق الشا *** م والشرق به العسكر ولا أحكي عن الغربي *** ففيه الفاضل الأقمر سليل الفضل قاضينا *** شهير العلم ذا الأفخر فلا زال العلى يسمو *** به فخراً إلى المحشر ولا تسأل عن الغير *** فإن الشر لا ينشر فلا أبديه يا حبي *** ولو أسقيتني السكر وسلم لي على قلبي *** نظير الجامع الأنور ونور العين أحمدنا *** شهير اللطف والأشهر وحليِّه هو التالي *** وإن تسمع ولا تسخر وأحضر ذهنك الباهي *** لما يتلى ولا تضجر وإن أحضرت محموداً *** قديمي ليس بالمنكر وفهمه بإلطاف *** سلامي العالي الأبهر (أديب علماء دمشق الشيخ عبد الرازق البيطار حياته وإجازاته، بقلم محمد بن ناصر العجمي، ص (60ـ 62)، ط1. دار البشائر الإسلامية. 2000م).
وقد عُرف رحمه الله تعالى بالترفع عن الدنيا، وعدم التربع على مناصبها، زاهداً ورعاً في علمه وتعليمه، وكان يلقي دروسه في جامع كريم الدين المشهور بالدقاق، وأحياناً في حجرته الخاصة به في الجامع، وفي بيته الخاص به أيضاً، وهيأ الله له مكتبة نفيسة جمعت أجود المطبوعات، وأحسن المخطوطات، وله مؤلفات لم يسعفه الدهر في تحريرها ونشرها، إلا كتابه «حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر»، حيث طبع بتحقيق حفيده العلامة محمد بهجة البيطار، وقد علل العلامة محمد كرد علي هذا الأمر بقوله: «والمؤلف على ما ظهر لنا من صداقتنا معه أعظم في اجتماعاته منه في كتبه، لأن معظمها قد كتبه بسرعة قبل أن يفتح عليه فيما اشتهر عنه في آخر عمره، وكم من عالم رزق الحظ ولم يرزقه فيما يخطب وعكسه، ورب شاعر لا ينثر، وناثر لا ينظم»، وبعد هذه الحياة الطويلة الحافلة بالجد والاجتهاد، والعلم والعمل كانت وفاته في عاشر ربيع الأول من سنة 1335ه، رحم الله أديب دمشق وعالمها، وأسبغ عليه حللاً وارفة من الرحمة والمغفرة والرضوان.
------
المصادر:
أبو عبيدة
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
محمد العبدة