..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

المناقشات العقلية في القرآن الكريم

محمد العبدة

٢٧ مارس ٢٠١٨ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 4997

المناقشات العقلية في القرآن الكريم

شـــــارك المادة

كثيرة جداً هي الآيات التي تدعو من خلال عرض الأحداث أو من خلال آيات الله في الكون ، تدعو إلى إعمال العقل والتدبر في هذه المسألة أو تلك ، خاصة في موارد الشبهات أو ما يلقيه المجادلون من أسئلة أو مماحكات، والعقل في القرآن الكريم هو إجراء ذهني يساعد على السيطرة والضبط والتحديد، هو عملية رشد.
                                                               (1)                                      
وتمييز بين الهدى والضلال ، وهو عملية تعقِل صاحبها عن الإتيان بعمل لا يريده الشرع ، وليس هو مادة جامدة اسمها ( العقل ) كما كان الفلاسفة سابقاً يظنون  ولذلك يرد في القرآن دائماً الفعل ( يعقلون ، تعقلون ) .
قال تعالى في الرد على المشركين الذين يستنكرون أن تكون النبوة في البشر (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ إِلَّا أَن قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَّسُولًا )
وكان الرد من القرآن : (قُل لَّوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَّسُولًا) الإسراء / 94ــ 95 .
وكأنه يُقال لهؤلاء : لماذا لا تعقلون ، كيف ينزّل عليكم مَلكاً كما تطلبون أو تعاندون، وتستبعدون أن يكون النبي من البشر .
كيف تتفاهمون مع الملائكة لو أنزلنا ملائكة وحتى لو أنزلنا ملكاً ، فسيكون بشكل رجل ، فتعود الشبهة عندكم (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ )  أي ستقولون إنه بشر وليس ملكاً . وهذا منتهى العناد وقلة العقل عند هؤلاء.
وفي مناقشة الكفار حول دعايتهم أن محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) تعلّم هذا القرآن من قوم من أهل الكتاب أو من الأعاجم قال تعالى (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ) النحل / 103
وقال (وَكَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) الأنعام / 105
( وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ــ أي تمنع
يقولون : إنك يا محمد قرأت على غيرك وتعلّمت منه وحفظت الدرس بأخبار من مضى ، وتعلّمت هذا من رجلين من الروم كانا في مكة وكان الرد عليهم : كيف تفكرون أليس لكم عقول ، كيف يكون عند هذا الأعجمي الرومي وهو قين ويعمل حدّاداً في مكة هذه الفصاحة في القرآن وهذه البلاغة ، وهذه العلوم الموجودة في نصوصه ثم كيف يكون هذا ، ومحمد صلى الله عليه وسلم أميٌّ لا يكتب فأي صحف قرأها .
كان العرب في الجاهلية يقولون عن أصنامهم : ( اللات والعزّى ومناة ) أنهم بنات الله ، كما كانوا يقولون عن الملائكة أنهم بنات الله ، قال تعالى (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَىٰ (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ ) وقال تعالى (أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا ۚ إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا ) . يقول لهم : اذا كنتم وحسب تفكيركم تكرهون الأنثى ( ويجعلون لله ما يكرهون ) (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَٰنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ  ) وإذا كنتم تضعون الأنثى في منزلة أدنى من الذكر ، فلماذا تجعلون المستحسن عندكم هو لكم والمذموم عندكم هو لله ؟ هذه قسمة غير عادلة وهذا لبيان عوج تفكيرهم ، وأما قضية الذكر والأنثى والتفضيل بينهما فهذا مذكور في آيات أخرى وعندما قالت اليهود : (مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ ) فهذا يلزم منه أن الله تعالى لم ينزّل التوراة وهم يؤمنون بالتوراة وهذا يدل على تناقضهم ولذلك كان الرد (قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَىٰ نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ  ) .
وقد ذكر القرآن قول النصارى في المسيح عليه السلام (قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ۗ سُبْحَانَهُ ۖ هُوَ الْغَنِيُّ ۖ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَٰذَا ۚ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) يونس / 68 .
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا (88) لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا) مريم / 88 ـ 91
(لَّوْ أَرَادَ اللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا لَّاصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ سُبْحَانَهُ ۖ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) الزمر /4
فقولهم : اتخذ الله ولداً يدل على أنه لم يكن له ولدٌ ثم اتخذ ولداً ، ألجأه سبحانه على اتخاذ الولد ، هل هو بحاجة إليه وهو الغني وله ما في السموات والأرض ، ولو فرضاً أراد أن يتخذ ولداً فيصطفي من يشاء من خلقه ويحصل به المقصود فلماذا عيسى عليه السلام ، وهو سبحانه ليس بحاجة لذلك ثم إنّ ( الولد ) لا يتخذ بل يتولد وهذا تنبيه لهم وإزراءٌ بهم الذي أدى إلى تناقضهم فكيف يكون ولد وكيف يتخذ ؟
وقال تعالى حاكياً قول قريش (وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ۚ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ) فهم يقولون : إذا اتبعناك يا محمد فإن الناس سيأكلوننا بسبب دعوتك الجديدة . وردّ الله سبحانه عليهم : من الذي مكن لكم هذا الحرم حتى أصبحتم آمنين في ظله يحترمكم الناس بسببه ، وأصبحت تجارتكم غادية رائحة بأمان واطمئنان وأصبحتم أغنياء بسبب الإيلاف الذي أقمتموه والذي هو سبب احترام العرب لكم وأنكم من أهل الحرم ، لماذا لا تفكرون بعقولكم ؟ .
وقد اتهمت قريش الرسول صلى الله عليه وسلم أنه إنما يدعي النبوة ليستفيد منها رئاسة ومالاً ، فقال لهم سبحانه ( قُل لَّوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُم بِهِ ۖ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) يونس / 16.
أي قل لهم يا محمد لو كنت أريد الدنيا والرئاسة لطلبتها في مقتبل العمر وأنا معكم وتعرفونني فلماذا أنتظر حتى أبلغ سن الأربعين ، أليس لكم عقول تعرفون بها الحق من الباطل .
يطلب القرآن من الناس استخدام عقولهم ، وأعطاهم الأمثلة على ذلك وأنهم اذا استعظموا شيئاً فهناك ما هو أعظم منه ، أي ليتعلموا المقارنة والملاحظة قال تعالى (  أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ (4) ) القيامة  .
أي اذا كان الكفار ينكرون البعث والقيام من القبور ، فإن الله سبحانه سوّى البنان وهو شيء أدق وأعظم وقد كشف العلم الحديث عن سر البصمات التي في أطراف الأصابع وكما جاء على لسان يوسف عليه السلام (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) يوسف/ 39                          .
(وَقَالَ مُوسَىٰ إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ) ابراهيم/8  أي فكروا في أنفسكم، ماذا تضرون الله إن كفرتم ، إنما تضرون أنفسكم ، وأنتم المستفيدون من الإيمان في الدنيا والآخرة .

 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع