..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


مرصد الثورة

قصة ليست من الخيال.. بل من أرض الغوطة المنكوبة!!

حسام عدنان

٢٦ ٢٠١٨ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3901

قصة ليست من الخيال.. بل من أرض الغوطة المنكوبة!!

شـــــارك المادة

اليوم هو اليوم السادس من التوقيت الدموي لحملة إبادة نصف مليون محاصر في غوطة دمشق الشرقية.

عمران.....  ربع حياته قضاها مع أهوال قيامة الغوطة المستمرة رغم دجل وكذب هدنة فشل قادة العالم كلهم بإنجاحها ووقف تلك المجازر اليومية بحق الأبرياء.

عمران...  رضيع لم يتجاوز عمره الأربعين يوماً..

في لحظة واحدة، وبرميل واحد، سقط من نفس السماء التي أظلت رؤساء الأرض المجتمعين البارحة لإقرار مجرد هدنة تنقذ ما تبقى من إنسانيتهم..!!

فقد عمران أسرته كلها بذلك البرميل وبتلك اللحظة...

أحضروه لنقطة الجراحة ليس لأنه مصاب بجسده بل لأنه مصاب بكل حياته..

أمه وأبوه وبيته وحيه.. ولا مكان يذهبون إليه بعد أن أخرجوه من تحت أنقاض بيته.

تحلقنا حوله جميعاً ونحن نستمع إلى صرخاته وبكائه والكل لا يدري ما العمل...!!!

وضعناه على أسرة الجرحى وجرحه أكبر من كل وطنهم، وعدنا الى وطننا المكلوم بالعشرات من أبنائه..

وبين العمل والجراحات واستقبال الأسر التي تراجعنا من تحت جدران بيوتها ولكل قصته المرعبة عن تلك البراميل السوداء سواد من ألقاها من مروحية السماء..

نسينا عمران ونسينا أنفسنا ولم يوقظنا إلا صوته من بعيد يملأ القاعات بالبكاء وأخبرتنا الممرضة أنه حتما جائع ويحتاج للحليب..

وأي حليب ومن أين نحضره..!! والسماء تمطر حمماً والأرض تشتعل نيراناً.. وقادة العالم ينتظرون وحوش السماء لتستكمل مهمتها في قتل الابرياء...!!

بحثنا عن القليل من الحليب لم نجد..

أخبرونا أن نشربه سيروم سكري عله يفيد بهذه الظروف ففعلنا لكنه رفضها، وضعناها برضاعة الحليب الفارغة فلم يرضعها، واستمر بالبكاء.

أسقط في أيدينا وبين النقاش بأن نفتح له وريداً لتغذيته ريثما نؤمن له حليباً أو أن نركب له أنبوباً أنفياً معدياً لتغذيته.. وإذ أخبرونا عن أسرة ثانية مصابة حضرت لتوها.

ركضنا تجاههم لإسعافهم.. الأم فريال فقدت زوجها ورضيعها وابنها وكامل طرفها الأيمن، وخلال وقت قصير استطعنا إيقاف نزيف طرفها الأيمن المبتور وإغلاق جذموره الذي أبقاه لها قادة العالم المجتمعين،

وعدنا لطفلنا، وبكاؤه يقطع قلوب كل من يسمعه وياليت صوته يصل لأسماع العالم الميت..!

فخطرت ببال أحد زملائنا فكرة لم تسعفنا الدماء التي غطت أجساد المراجعين أن نتذكرها.. فريال التي خسرت كل شيء مازالت قادرة على أن تقدم شيئا لهذا الرضيع... نعم ....

إنه حليب ابنها الشهيد المحتقن في صدرها المدمى!!!

وبلا تفكير دخلت الممرضات إلى قاعة الاستشفاء المغلقة وقاموا بمسح الدماء عن صدرها الطاهر ووضعوا عمران بجنبها.

وما هي إلا لحظات حتى خبأ صوته وهو يلتقم حليبها وشعرت حينها أن السكون عم كل الدنيا.

لم أعد أسمع صوت البراميل ولا هدير الطائرات ولا عبارات الشجب في أروقة مجلس الأمن.. لم أعد أسمع صرخات الأمهات والجرحى والمصابين..

شعرت أن الحليب الطاهر الذي أسكت الطفل اليتيم أقوى من كل قادة العالم وملوكه المجتمعين ليلتها.

أخبرتنا الممرضات أن الأم التي ما أفاقت من غيبوبتها ضمت الطفل بكلتا ذراعيها وسكنت آلامها بمجرد أن وضعوه على صدرها..!!

نعم أيها العالم وقادته وملوكه والبشر القاطنون فوقه..

نعم أيتها الإنسانية التي حدثونا أنك موجودة في قلوب ما تبقى من البشر..

نعم.. ذلك الحليب الذي خرج من بين تلك الجروح والدماء والركام أنقذ عمران وفشلتم كلكم في إنقاذه.

قتلتموه.. سمحتم للبراميل المتساقطة من السماء أن تفتك بأسرته..

وقتلتم فريال عندما أشحتم بوجوهكم عن إنسانيتكم وتركتم تلك المجازر تتكرر في كل ساعة في غوطة دمشق.

وأنا الآن أقف أمام عمران وقد ارتوى بذلك الحليب، وأغمض عينيه لينام.

أسألكم وأستحلفكم بكل ما هو مقدس في معتقداتكم لماذا!!!؟

لماذا تسمحون بقتل كل هؤلاء الأبرياء أمام شاشاتكم..!!!!

ماذا سوف تقولون لأبنائكم عندما يكتب تاريخ الأرض عن تلك المجازر!!!

كيف لكم أن تنظروا في وجه شعوبكم؟؟

ألم يكتب تاريخ الأرض عن مجازر البوسنة وراوندا وكوسوفو

لماذا تسمحون بنفس المجازر على شاشاتكم!!؟

ما الذي فعله عمران وفريال!!!

هل سرقوا من نفطكم !!!

هل نافسوكم على ثرواتكم!!!!!

كل ما أرادوه حياة كريمة أنتم من ادعيتم أنها شعار حضارتكم

لذلك لا تنقذوا الغوطة..

بل أنقذوا حضارتكم  وإنسانيتكم....

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع