بسام مقداد
تصدير المادة
المشاهدات : 2661
شـــــارك المادة
تعيش روسيا منذ ايام حال من الدهشة والارتباك، إن لم نقل الصدمة ، بسبب المقتلة ، التي تعرض لها المرتزقة الروس من شركة "فاغنر" الشهيرة ليل 7 – 8 شباط/فبراير الجاري في دير الزور. ولا تزال وزارة الدفاع الروسية، كعادتها، تنفي وجود عسكريين روس بين قتلى الميليشيات المؤيدة للنظام السوري إثر القصف الأميركي لها، لصد هجومها على المواقع الكردية ، التي كان يوجد فيها عسكريون أميركيون ، على قول الأميركيين .
لكن مواقع التواصل الإجتماعي وأحزاب المعارضة الروسية لم تأبه لنفي وزارة الدفاع الروسية ، وذكرت أن مدونات ذوي القتلى من المرتزقة الروس ، ومقابلة لواشنطن بوست مع أحد قادة الفصائل الكردية في موقع الهجوم وسواها من المصادر ، تشير إلى أن عدد القتلى الروس كبير جداً ، ويتراوح بين 200 و600 قتيل . إلا أن إذاعة "الحرة" الأميركية الناطقة بالروسية ، وفي مقابلة مع أحد المتخصصين بالشأن الروسي ، وصفت هذه الأرقام بأنها غير واقعية ، إذا أخذنا بالاعتبار ، أن عدد المرتزقة الروس في سوريا هو 2500 مقاتل ، على قول الخبير هذا . إلا أن الأعداد الحقيقية للقتلى المرتزقة ، والتي ينبغي على وزارة الدفاع الإفصاح عنها ، تتجاوز بكثير الأسماء الأربعة ، التي أُعلنت الاثنين الفائت ونشرتها نوفوستي وعدد من الصحف الروسية ، بما فيها صحيفة الكرملين.
وكانت مواقع روسية قد نقلت في 13 من الجاري عن بلومبرغ ، التي استندت إلى مصادر لم تفصح عنها ، قولها ، بأن أكثر من 200 مقاتل من المتعاقدين ، أكثريتهم من الروس ، قد قتل في سوريا في 7 شباط/فبراير الجاري في دير الزور.
لكن ، وبغض النظر عن صحة الأرقام وحجمها ، إلا أن التجاهل المتمادي من قبل السلطات الروسية واستخفافها بمصير القتلى من المرتزقة الروس في صفوف الميليشيات ، التي قصفتها الطائرات الأميركية في دير الزور ، أثار استياءاً عميقاً لدى المواطنين الروس ودفع بهم إلى التخلص من الحذر ، الذي كان يميز سلوكهم في مثل هذه الحالات . أحد مواطني بيتربورغ قال عبر الفيسبوك ، أن صديقه "ليوخا" الملقب ب" الغاضب" ، والذي كان قائد مفرزته في قوات الإنزال الجوي في القرم ، قد قُتل في 7 شباط/فبراير في دير الزور، وهو يدعو كل من قتل له رفيق من بيتربورغ ، إلى التجمع أمام مدخل المقبرة للمشاركة في الجناز .
وذهب المرشح الرئاسي ، وزعيم الحزب الديموقراطي الموحد "يابلوكا" غريغوري يافلنسكي ، في بيان أصدره ، إلى مطالبة بوتين بجردة حساب عن "قتل الروس الجماعي في سوريا" . وقال ، بأن جميع وسائل الإعلام في العالم ومصادر متعددة في شبكات التواصل الإجتماعي تتحدث في الأيام الأخيرة عن مقتل الكثيرين من المواطنين الروس ، الذين يحاربون في سوريا في صفوف الشركة العسكرية الخاصة "فاغنر" وسواها ، نتيجة الصدام المسلح مع قوى المعارضة السورية المدعومة من المدفعية والطيران الأميركي .
وذكّر يافلنسكي ، بأن ال"واشنطن بوست" وصفت هذا الحادث بأنه "صدام قاتل بين القوات الروسية والأميركية" . في هذه الأثناء ، تصدر عن المسؤولين الروس تعليقات متناقضة ، تتراوح بين نفي ما حدث وتأكيدات وقحة بأن الدولة لا تتحمل المسؤولية عن مصير المواطنين ، الذين يتعاقدون للقتال مع الشركات العسكرية الخاصة . وقال ، بأن وقاحة هذه التصريحات تبرز أكثر في ضوء ما تنشره أجهزة الإعلام ، ولا ينفيه المسؤولون الرسميون ، من أن مقاتلي "فاغنر" يتدربون على أراضي قواعد القوات المسلحة الروسية ، ويُمنحون أوسمة عسكرية في الكرملين ، وهم ، في الحقيقة ، ليسوا إلا الوحدات الخاصة لوزارة الدفاع الروسية، مع العلم أن القوانين الروسية تحظر الشركات العسكرية الخاصة والقتل المأجور .
ويطالب يافلنسكي الرئيس الروسي بتقديم شرح لما حدث وتحديد المسؤولين عن ذلك، ولماذا يشارك المواطنون الروس في العمليات الحربية على الأرض في سوريا ، على الرغم من إعلان الرئيس الروسي ووزير الدفاع عن سحب التشكيلات العسكرية من هذا البلد وانتهاء الحرب الأهلية في سوريا . ويقول ، بأن ملايين المواطنين الروس يؤيدون مطلب وقف التدخل الروسي في هذه الحرب الأهلية ، كما أظهرت حملة الحزب لجمع التواقيع على مطلب الإنهاء الفوري لهذه الحرب ، " ولا يمكن أن تكون السلطة شرعية ، إلا إذا قدمت الحساب عن أعمالها أمام مواطنيها" .
كما يطالب يافلنسكي فلاديمير بوتين بتقديم جردة حساب علنية عن عمليات العسكريين الروس في سوريا في الوقت الراهن ، وعن عدد القتلى الروس ، بغض النظر عن الصفة ، التي قاتلوا من خلالها . كما يرى ضرورة الكشف العلني عن حال العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية ، إذ يتصاعد خطر الصدام المسلح "المتعمد أو العرضي بين روسيا والولايات المتحدة" ، على قوله .
لم يكن يافلنسكي وحده من وضع مقتلة المرتزقة الروس في إطار حرب أميركية ـــ روسية مباشرة في سوريا . فقد عنون أحد المواقع الإخبارية الروسية في 12 من الجاري مقالته عن هذه المقتلة : " في مسافة خطوة من الحرب : "فاغنر" تحت نيران الطائرات الأميركية" . وقال الموقع ، بأن عدداً من أجهزة الميديا الوطنية يتحدث عن خسائر فادحة تكبدتها الشركة في سوريا في دير الزور في 7 شباط/فبراير ، تبلغ العشرات بل المئات .
ويقول الموقع ، بأن العسكريين الأميركيين عرضوا الحادثة للإعلام على نحو وكأنهم كانوا يريدون منه حشر روسيا في الزاوية ، وجعلها ترد على الضربة من "أجل حفظ ماء الوجه" . وموسكو ، التي لا تزال تلتزم الصمت حتى الآن ، تتحين المكان والوقت الأنسب للرد ، الذي "لا شك سوف يأتي " ، بغض النظر ما إن كانت القنابل والصواريخ الأميركية قد قتلت روساً ، أو سوريين "فقط " .
لقد أطلقت مقتلة المرتزقة الروس في دير الزور موجة عارمة ، غير مسبوقة ، من الكتابات الروسية المعارضة على شبكة التواصل الإجتماعي ، سخر عبرها كتابها من بوتين ، وأطلقوا عليه اسم "بوتلر" ، تشبيهاً بالمجرم النازي هتلر. ورفض هؤلاء المدونون منح الضابط الطيار ، الذي قُتل في دير الزور ، وسام "بطل روسيا"، ونعتوه بأنه مجرم حرب . وبلغ الأمر بأحد المدونين الروس حد نشر صورته وعنوانه في موسكو وهو يحمل بياناً ، كتب بالروسية والعربية، يدعو فيه الشعبين الروسي والسوري للمطالبة بسحب جميع القوات الروسية من سوريا ، وتقديم العسكريين والمسؤولين الروس ، بمن فيهم القائد الأعلى للجيش الروسي فلاديمير بوتين إلى المحاكمة ، بوصفهم مجرمي حرب .
وترى بعض المواقع الروسية المعارضة ، أن إعلان الكرملين الإثنين المنصرم عن مرض بوتين ، ومن ثم إعلانه ، يوم الثلاثاء التالي ، عن إلغاء كافة مواعيد عمل الرئيس للأيام القادمة ، ليس إلا تعبيراً عن الارتباك ، الذي يعيشه الكرملين في البحث عن مخرج من مأزق مقتلة دير الزور، التي بينت مدى هشاشة "الانتصارات" الروسية في سوريا وصعوبة ترجمتها إلى "انتصارات" سياسية.
بشير البكر
إميل خوري
علي حسين باكير
راغدة درغام
المصادر: المدن
المدن
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة