أنس مصطفى بجبوج
تصدير المادة
المشاهدات : 2723
شـــــارك المادة
أعلن التحالف الدولي عن نيته الهجوم تجاه مدينة البوكمال شرق محافظة دير الزور، في الوقت الذي وافق فيه التحالف على دخول وحدات من الجيش الحر في المعارك في ريف دير الزور الشرقي إلى جانب قوات سورية الديمقراطية (قسد)، وذلك بعد فترة من التردد في دخول هذه القوات في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، تأتي هذه التطورات بعد الهجوم الخاطف الذي شنته قوات قسد بدعم من التحالف للاستيلاء على حقل العمر النفطي، وذلك بعد يوم من هجوم حاول فيه النظام الاستيلاء على الحقل نفسه، في مشهد يظهر وجود تسابق على المدينة، بين قوات "قسد" المدعومة من التحالف وقوات النظام والمليشيات الإيرانية المتحالفة معه والمدعومة من الروس.
تعتبر البوكمال ذات أهمية قصوى للطرفين. فبالنسبة لإيران، تشكل المدينة حجر أساس في مشروعها بإنشاء ممر بري يبدأ من طهران وينتهي في بيروت، ويرى النظام أن هذا الطريق سيكون شريانا يضخ الدم في ما تبقى من قوته، حيث أنّ الإمداد عبر الطرق البرية أكثر غزارة وأقل تكلفة من الجسور الجوية التي يجري خلالها نقل السلاح والمليشيات من إيران إلى سورية، أما بالنسبة للتحالف، فإن الوصول إلى البوكمال يعني عرقلة المشروع الإيراني إياه. وبالنسبة لقوات (قسد)، والتي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) ذراعها الأساسي، فإن وصولها إلى البوكمال خطوة للاتصال لاحقا بقاعدة التنف التي تسيطر عليها القوات الأميركية جنوب شرق سورية، ما يعني إنشاء ممر على طول الحدود العراقية السورية باتجاه الحدود الأردنية، حيث سيصبح بالإمكان هنا نقل الإمدادات والسلاح مباشرة من الأردن، وربما فتح طريق تجاري لاحقا بين الأردن وإقليم "روجافا" الذي أعلنه الحزب الكردي منطقة فيدرالية، ما يجنب الإقليم أي حصار اقتصادي على غرار الذي تعرض له إقليم كردستان العراق من تركيا وإيران، بعد إعلانه النية في الانفصال، وتزداد أهمية مشروع الممر البري هذا بعد إجهاض مشروع إقامة منفذ على البحر لـ"روجافا"، بعد دخول القوات التركية إلى إدلب، بتوافق مع الروس استغلالا لحالة الخلاف الأخيرة بينهم وبين الأميركان.
إيران والنظام قبلا التحدي، ولا يظهران حتى الآن أي نية للتراجع. ولذلك يحثان الخطى بسرعة منذ استيلائهما على الميادين والقورية لكي يصلوا إلى البوكمال أولا، وقد تجلى ذلك في الهجمات العنيفة التي شنها أخيرا النظام والمليشيات الموالية لإيران في ريف دير الزور الجنوبي، مستولين على مواقع عسكرية جديدة قرب قاعدة T2 ليصبحوا على بعد أقل من 60 كيلومترا من مدينة البوكمال، وتحظى تلك الهجمات بدعم عسكري روسي قوي، وصل إلى درجة مشاركة بعض الوحدات البرية الروسية في المعارك، حيث بات خبر مقتل عسكريين روس في المعارك الجارية في دير الزور متكرّرا، ما يدل على الأهمية الكبرى التي توليها روسيا لمعارك دير الزور، وربما دعمها مشروع الطريق البري الإيراني.
على الرغم من أنّ حظوظ "قسد" في الاستيلاء على المدينة أكثر، خصوصا أن المتتبع لخريطة القتال يرى تحركاتها وكأنها تسد الطريق أمام قوات النظام والمليشيات الإيرانية المتحالفة معه، ولكن لا يبدو أن إيران مستعدة للتسليم بأي نتيجة لا تتفق مع مشروعها، وهي التي استثمرت كثيرا في الحرب السورية عموما، وفي معارك دير الزور والبادية السورية خصوصا، بشكل يظهر أن المعارك في تلك المناطق أضحت مسألة أمن قومي إيراني.
لإيران سوابق في محاولة تحدي الإرادة الأميركية، خاصة بعد سنوات التساهل معها أيام الرئيس السابق، باراك أوباما، بالإضافة إلى عدم وجود فعل قوي من إدارة الرئيس الحالي، دونالد ترامب، حتى الآن ضدها لانشغاله بالحرب مع "داعش"، ولعل تهديدات قادة مليشيات الحشد الشعبي أخيرا للقوات الأميركية، ومطالبتها بالرحيل من العراق، مواقف تعكس المدى الذي من الممكن أن تصل إليه إيران في تحدي الإرادة الأميركية، كما أظهرت الأحداث السابقة في سورية مدى قدرة إيران على جر الروس إلى جانبها في أغلب القضايا، على الرغم من خلافات طفيفة بينهما، وذلك نتيجة حاجة روسيا الملحة إلى إيران، فهي توفر عليها عناء الانتشار البري الواسع في سورية. ولذلك، فشلت روسيا أو حتى لم يكن لها الرغبة في فرض أي ضغوط رئيسية على إيران في الملف السوري في مناسبات سابقة.
لا يمكن لأحد التنبؤ بما ستأتي به الأحداث، لكن المشهد يذكر ببرلين ما بعد الحرب العالمية الثانية، والتي أصبحت شرارة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والقوى الغربية، حيث أظهرت أزمة برلين عام 1949 على السطح الخلافات العميقة بين الطرفين، والتي كانت مؤجلة أثناء حربهما ضد عدوهم المشترك المتمثل بألمانيا النازية.
محمد مشموشي
بشير نافع
سمير صالحة
عبد الوهاب بدرخان
المصادر: العربي الجديد
العربي الجديد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة