..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

"الموقف من ظاهرة إحياء العشائرية في المناطق المحررة"

عبد المنعم زين الدين

٦ ٢٠١٧ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3499

شـــــارك المادة

 

يُلاحظ في الآونة الأخيرة انتشار ظاهرة إحياء الروابط القبلية والعشائرية في المناطق المحررة في الشمال السوري، وخاصة في أرياف حلب وإدلب وحماة.

‏وبعيداً عن نظرية المؤامرة، ومن يقف وراء هذا النشاط وأهدافه في هذا الوقت بالذات، والخوف من أن تكون وراءه جهات معادية لا تريد الخير للسوريين.

‏فإن تجدّد هذه الظاهرة مؤخراً يستدعي منا التذكير بإيجابياتها وسلبياتها المجرّبة، دون الانتقاص من أشخاص القائمين عليها، أو التشكيك بنواياهم.

‏لعل من أبرز إيجابياتها: تقوية العلاقات بين أفراد العشيرة، وإمكانية حشدهم خلف هدف نبيل، مع إمكانية احتواء بعض الخلافات ضمن إطار العشيرة.

‏غير أن السلبيات الكثيرة التي تحيط بهذه الظاهرة، تجعلنا نتوقف كثيراً قبل التغني بالإيجابيات التي قد تنهار تماماً أمام حجم السلبيات المتوقعة.

‏والتي من أهمها:

١- إضعاف الانتماء الديني والثوري لصالح الانتماء العشائري، وتكوين الولاءات، والاصطفاف في النزاعات والحروب على أساس قبَليّ.

‏وهي خصلة ذمَّها النبيُّ بقوله: {أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهُركم؟} حين اصطفّ الأوس والخزرج خلف قبائلهم في نزاع بين اثنين من الأوس والخزرج.

‏وقال عنها: (ما بال دعوى الجاهلية؟ دعوها فإنها مُنتنة) حين اصطفّ المهاجرون والأنصار كلٌ خلف جماعته، في نزاع فرديّ بين مهاجريّ وأنصاريّ.

‏٢- إضعاف سلطة الدولة ومرجعية الشرع، لصالح سلطة القبيلة وعُرف العشيرة، وما ينتج عن ذلك من حالات استعصاء المطلوبين للدولة واحتمائهم بالعشيرة.

‏٣-ضياع حق الضعفاء وشعورهم بالغُبن، أمام أبناء القبائل الكبرى، والامتناع عن مقاضاتهم أو الرد على تعدياتهم إن حصلت، بدافع الخوف من الانتقام.

‏٤-تحجيم الكفاءات من غير المنتسبين لقبائل كبيرة، وصعود أصحاب المحسوبيات العشائرية، لحرص العشيرة على تقديم أبنائها ولو كانوا أقلّ كفاءة.

‏٥- توسّع الخلافات الفردية لتشمل القبيلة، وتضاعف ضحايا أي خلاف عشائري، والتهديد بالثأر والانتقام، وانتشار المطارَدين وتحوّلهم لقطّاع طرق.

‏٦-سعي سلطات الدولة لاسترضاء العشائر، وما يترتب على ذلك من تجاوزات قانونية، وخروج زعماء العشائر عن سلطة المحاسبة، لتصبح العشيرة فوق الدولة.

‏٧- الخوف من جرّ القبيلة كاملة لغرض غير نبيل، كإخضاعها لمصالحة مع النظام المجرم، أو الارتهان لمشاريع ولاء للمحتل، والتنازع على الاستحقاقات.

‏٨-مُمالأة الفرد لقبيلته على الحق والباطل، متمثلاً قول الشاعر:


ومَا أنَا إلا من غَزِيَّةَ إنْ غوَتْ             غوَيْتُ وإنْ تَرشُدْ غزَّيَةُ أَرْشُدِ


‏٩- لقد خلقَنا اللهُ شعوباً وقبائل، لكنه ميّزنا بالتقوى وليس بالنسب، ومن الجهالة أن يترك الفرد العمل، متفاخراً بإنجازات عشيرته وأجداده.

‏١٠-لقد فرزت الثورةُ الناسَ إلى فريقين: فريق مع الحق وفريق مع الباطل، وتمايزت الصفوف -حتى داخل البيت الواحد- على أساس القضية والمبادئ.

‏ووجدنا أن روابط العشيرة والقبيلة -بل حتى روابط الأسرة- انهارت أمام روابط الثورة، ومن لم تجمعنا معه المبادئ، لن تنجح القبيلة في جمعنا معه.

‏لذلك: فإني لستُ مع إحياء هذه الظاهرة، -مع إدراكي لحسن نوايا كثيرٍ ممن انخرط فيها- وبديلها: تقوية روابط الإيمان والثورة، ودعم سلطة الدولة.

‏ختاماً: هناك رجال أفاضل وأخيار يرون التعاطي مع هذه الظاهرة لترشيدها كأمرٍ واقع، وعدم تركها لتنساق بعيداً عن الثورية والأهداف النبيلة.

‏أحترم اجتهادهم وجهودهم، لكنني أخشى أن يتم استثمار مشاركتهم ومباركتهم، ثم الالتفاف عليها وتنفيذ ما وضع مشروع العشائرية لأجله (والله أعلم).

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع