عبد الكريم بكار
تصدير المادة
المشاهدات : 9219
شـــــارك المادة
الرّبيع العربيّ حقّق الكثير من الإنجازات، وفي اعتقادي أنّ الجزء الأكبر منها يحتاج إلى وقت حتى يظهر على نحو كامل، ولن أكون مبالغًا إذا قلت: إن زلزالاً حقيقيًّا قد وقع على صعيد الوعي، وعلى الصّعيد الأخلاقيّ والإنسانيّ، ولعلّ من أهمّ ما يمكن رصده في هذا الصّدد اكتشاف النّاس للقوى والطّاقات الكامنة في أشخاصهم، واكتشاف الطّاقات والمواهب التي في حوزة الآخرين أيضًا.
الشّباب هم عماد الرّبيع العربيّ، وقد استطاع من خلال ذكائه وتضحياته وعطاءاته الهائلة أن يغيّر نظرة الكبار إليه، بل استطاع أن يقلبها رأسًا على عقب! كان كثير من الكهول وكبار السّنّ يحتفظون في مخيّلاتهم بصور رماديّة لكثير من الشّباب، ولعلّ من أهمّ ملامح تلك الصّور الآتي: 1- شباب أنانيّ مشغول بنفسه، يريد أن يحصل على كلّ شيء دون أن يقدّم أيّ شيء. 2- شباب ميّال إلى الدّعة واللّهو، والتّمتع بالطّيبات مع حرص على تعديل المزاج. 3- شباب يفتقر إلى الجدّيّة في تناول الأمور، كما يعوزه الصّبر والمثابرة في بلوغ المعالي والأهداف الكبيرة. 4- شباب ميّال إلى العزلة عن أهله مع الانفتاح الشّديد على دائرة ضيّقة من الأصدقاء. 5- لا يهتمّ الشّباب كثيرًا بالأعراف والتّقاليد، وكثيرًا ما يظهر بمظهر المتمرّد. 6- شباب قصير النّظر وحسُّه الوطنيّ في أدنى درجاته. من الطبيعيّ أن أقول: إنّ هذه الانطباعات السّلبيّة عن الشّباب ليست موجودة لدى كلّ كبار السّنّ، كما أنّها ليست نحو كلّ الشّباب. كيف تحوّل كثير مما ذكرناه لدى كثير من الشّباب خلال عام واحد؟! هل ما سأذكره من صفات جميلة وعظيمة تمّ اكتسابه من لدن الشّباب خلال تلك المدّة الوجيزة؟ أو أنّه كان موجودًا، لكنّ الظّروف لم تكن تسمح بظهوره؟ الاحتمال الثّاني هو الصّحيح؛ إذ إنّ تغيير الأخلاق والعادات يحتاج إلى وقت طويل. مهما يكن الأمر فإنّ الشّباب قد صاروا يظهرون في عيون كثير منّا بمظهر مختلف، وقد لمست في شباب سورية -ومصر على نحو أخصّ- الكثير من المعاني الإيجابيّة والجيّدة، مما ينسخ الصّورة النّمطيّة السّابقة، ولعلّ من أهمّ ما لمسته الآتي: 1- شباب شجاع مقدام لا يهاب الموت، ولا التّعذيب، ولا فقْد الوظيفة، ولا المطاردة عبر البلاد، شباب يملك روح التّحدي، فيما يواجهه من صعاب، ولو كان ذلك قد يكلّفه حياته، ويعرف النّاس في الشام أنّ عشرات الألوف من الشّباب يتوضّؤون يوم الجمعة، ويخرجون إلى المظاهرات وهم يطمعون في الشّهادة، وقد نالها منهم -بإذن الله- ألوف وألوف! ولا أبعد القول إذا قلت: إنّهم أظهروا من الشّجاعة والرّجولة ما لم يُظهره آباؤهم وأجدادهم، مع أنّهم تربّوا في بيئات خائفة وخانعة! 2- الجيل الجديد جيل عمليّ واقعيّ يحبّ أن يُري النّاسَ ثمار جهده واجتهاده، على حين أنّ الجيل السّابق له كان جيلاً ماهرًا في الخطابة وتصوّر المشكلات ذهنيًّا دون النّزول إلى الواقع، وكان أيضًا يحلّها ذهنيًّا. 3- جيل الرّبيع العربيّ يؤمن بالعمل التراكميّ، ويقنع بالإنجازات الصّغيرة، ويدرك أهميّة التّخصّص، ولهذا فإنّه ميّال إلى التّفاؤل والمرح والرّضا، أمّا جيل الآباء والأجداد، فإنّه مفتون بالإنجازات الضّخمة والقَفَزات النّوعيّة، ولهذا فإنّه كان يعمل بِخُمس طاقته؛ لأنّ ما هو ممكن لا يعجبه، وما يعجبه ليس ممكنًا! 4- معظم شباب الرّبيع العربيّ متعلّمون وناجحون في أعمالهم، ويحسنون استخدام أدوات الاتّصال الحديثة، ويعرفون كيف يقيمون العلاقات العمليّة المثمرة والمنتجة، ولا شكّ أنّ جيل الشّيوخ والكهول أقلّ مهارة وأقلّ تعلّمًا على نحو ما أشرنا إليه. 5- الجيل الجديد واثق من نفسه، وعُقد النّقص لديه أقلّ، وهو قادر على القيام بنوع من الأقلمة بين واجباته ومبادئه، وبين مشتيهاته ومرغوباته. إنّه يعيش زمانه، ويؤدّي واجباته قدر الوسع والطّاقة. هذا الجيل جيل متفوّق، ويشهد لتفوّقه التّغيير الكبير الذي أحدثه على صعيده الشّخصيّ، وعلى الصّعيد السّياسيّ والاجتماعيّ. تغيُّر نظرتنا إلى شبابنا يُغريني بالتفاؤل؛ بأن يكون الجيل القادم أفضل وأقوى وأقوم من شباب اليوم، وما ذلك على الله بعزيز.
المصدر: موقع الإسلام اليوم
أسرة التحرير
الشرق الأوسط
عبد الغني محمد المصري
غازي دحمان
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
محمد العبدة