..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

مصطفى طلاس.. ترس في آلة القتل

سمير الزبن

٢ ٢٠١٧ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2878

مصطفى طلاس.. ترس في آلة القتل
501.jpg

شـــــارك المادة

ليس أدلّ على طبيعة نظام حافظ الأسد الاستبعادي لأي مشاركةٍ في السلطة، من نموذج مصطفى طلاس ودوره في السلطة السورية، فهو الرجل الذي قضى اثنين وثلاثين عاما على رأس وزارة الدفاع، من دون أن يكون له أي سلطة فعلية على أيّ من وحدات الجيش، بما فيها التي تحرسه. كان نموذجا للمسؤول "الذنب"، المؤتمر بأمر سيده. من المفارقات السورية أن أوامر الأسد الأب بقيت تسري على وزير الدفاع، حتى بعد وفاة الأول. نفذ كل المهمات القذرة التي كلفه بها الرئيس الميت حتى بعد وفاته، وقد بقي في منصبه على رأس وزارة الدفاع، خمس سنوات إضافية مع الأسد الابن.
منذ وصوله إلى السلطة في 1970، أدرك حافظ الأسد أن السلطة لا تحتمل شركاء أقوياء، فهو ابن الانقلابات البعثية على السلطة البعثية التي تكرّرت في الستينيات، والشركاء الأقوياء هم الذين قاموا بتصفية بعضهم بعضاً، خصوصا أعضاء اللجنة العسكرية التي كان الأسد الأب من أعضائها، ووصل إلى السلطة من خلالها. منذ بداية سلطته، استبعد أي شريك له، وكان اختياره الذين يشغلون المناصب، لا يقوم على الولاء فحسب، بل والأهم، أنه يقوم على عدم تهديدهم سلطته، أو تشكيل أي خطر عليها. لذلك، كان الافتقاد إلى الطموح وافتقاد الكاريزما أهم صفات المسؤولين السوريين الذين شغلوا مناصب في عهد حافظ الأسد. ولا يجافي المرء الحقيقة إذا قال إن الرجل كان خبيرا في اختيار الشخصيات التافهة للمناصب الحكومة، فهذا النوع لا يشكل خطرا على سلطته.


أدرك الأسد الأب أن الخطر، أي خطر، على السلطة، لا يأتي سوى من الجيش، ولأنه جاء عبر انقلاب عسكري، يدرك آليات التآمر في الجيش، وصولا إلى الانقلاب على السلطة. فعلى أي ضابط يريد أن يصل إلى السلطة أن يسيطر على قطاعات الجيش، وأن تخضع لأوامره. لذلك، أول ما فعله بعد الوصول إلى السلطة هو تفكيك بنية الجيش، بالمعنى القيادي الهرمي للوحدات، وجعل هذه الوحدات مرتبطةً بالمخابرات وبالرئاسة، وكانت تعيينات الضباط في كل الوحدات تقوم على التناقضات بين قادة الوحدات المعينين لقيادتها، حتى لا يستطيعوا الاتفاق، وبالتالي يشكلون خطرا. وتم نقل قيادة الوحدات فعليا من الضابط قائد الوحدة، وإلى ضابط الأمن في الوحدة العسكرية، وكان لكل وحدة عسكرية، مهما صغرت أو كبرت، ضباط أمن، يربط الوحدة بالمخابرات، وليس بالأركان، وليس هذا الضابط بالضرورة كبيراً في الوحدة التي يعمل فيها، فأصبح الجيش محكوما من خارجه، ومرتبطا بالرئاسة. وما تقوم به وزارة الدفاع وأركان الجيش هو أقرب للمهمات الخدمية، منها للمهمات القيادية. ونقل الثقل من الجيش إلى المخابرات عن معرفة ببنية الجيش، والعمل عليها من أجل تعطيلها من أي قدرةٍ على التحرّك في مواجهة السلطة. هذه البنية ذاتها هي التي منعت أي وحداتٍ أن تنشقّ مع ضباطها بعد انطلاق الثورة السورية. لذلك كان الضباط ينشقون منفردين، من دون وحداتهم. وكان معروفا في سورية أن أكثر ما شغل الأسد الأب، خلال رئاسته، تعيينات الضباط، فلم تكن هذه في الوحدات العسكرية تأتي من وزارة الدفاع، أو من رئاسة الأركان، بل من مكتب الرئاسة مباشرة، الذي تصب عنده كل خطوط السلطة، في الجيش والمخابرات أولا، وفي باقي قطاعات السلطة ثانيا.
في هذه الآلة التي صممها الأسد الأب، كان وزير الدفاع المزمن، مصطفى طلاس، "صوت سيده" المُفرغ من أي سلطاتٍ فعليةٍ، والمفتقر إلى الطموح. وبذلك كان النموذج المثالي لوزير الدفاع الشكلي الذي يوقّع ما يُؤمر به من دون نقاش، فقد وقّع على آلاف أحكام الإعدام في الثمانينيات، من دون أن يرف له جفن. وغير التوقيع على تلك الأحكام، لم يكن له دور يذكر في الصراع مع "الإخوان المسلمين" مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، وهو الصراع الذي خاضته الوحدات الضاربة للأسد الأب، وفي مقدمتها "الوحدات الخاصة" التي كان يقودها علي حيدر و"سرايا الدفاع" التي كان يقودها رفعت الأسد شقيق الأسد، وهو الصراع الذي استأصل الأسد الأب، بذريعته، كل القوى السياسية السورية يمينا ويسارا.


حتى في الصراع الذي يدّعي طلاس له دوراً رئيسيا فيه، وهو صراع الأشقاء في العام 1984، عندما أصاب الأسد الأب المرض وأدخله الغيبوبة، فعمل شقيقه رفعت على السيطرة على السلطة. في هذا الصراع، يعطي طلاس لنفسه دورا رئيسيا، وقد كتب كتابا فضيحةً عن الصراع، "ثلاثة أشهر هزت سورية"، أعطى فيه لنفسه الدور الرئيسي، طبعا بتكليفٍ من الأسد الأب، في التصدّي لمحاولة رفعت الإمساك بالسلطة. لكن كل من له معرفة في تاريخ سورية الحديث يعرف أن من وقف في مواجهة رفعت هم "رجال الرئيس"، وما عرف وقتها بتحالف "العليّات"، قائد "الوحدات الخاصة" علي حيدر، ورئيس شعبة المخابرات العسكرية، علي دوبا، ونائب رئيس الأركان، علي أصلان. يُضاف إليهم قائد الفرقة الثالثة حامية مدينة دمشق، شفيق فياض، في مواجهة "سرايا الدفاع" التي يقودها رفعت الأسد. كاد أن يكون صراعا دمويا ينفجر بين الطرفين في دمشق مركز الصراع، فقد كانت مدافع الدبابات التابعة للطرفين في مواجهة بعضها على ضفتي نهر بردى في وسط المدينة.
شغل مصطفى طلاس منصب وزير الدفاع ثلاثة عقود ونصف في سورية، وهو تفوّق على سيده في حفاظه على منصبه، حتى أن الفترة التي قضاها في الوزارة بعد وفاة الأسد الأب كانت من أجل تنفيذ وصية الرئيس الميت، أي أنه بقي "صوت سيده" حتى بعد وفاة هذا السيد، وعمل على خدمة وريثه. صحيح أنه كان صورة الجلاد وأداته في توقيع أحكام الإعدام، إلا أنه صاحب دور هامشي في تاريخ سورية خلال تلك الفترة الطويلة التي كان فيها على رأس وزارة الدفاع، في المرّات التي حاول فيها أن يصرّح تصريحات ذات فائدة، كان يسبّب الحرج للسلطة السورية، ما يجعلها تعتذر عن تصريحاته.


كانت سلطة حافظ الأسد سلطة الرجل الواحد، ليس هناك رجل ثانٍ في آلة سلطته التي صممها على مقاسه، هو الرجل الوحيد، والباقي إمّعات، وطلاس واحد من إمّعات كثيرين، مرّوا على حكم سورية مع الأسد الأب. إنه ترس في ماكينة القتل التي صمّمها الأسد الأب، والتي ما زالت تعمل، ولم يكن على الأسد الابن سوى أن يكبس زر التشغيل لآلة القتل، حتى تعمل التروس التي تشبه مصطفى طلاس في آلة القتل، لتقتل مئات آلاف السوريين. لذلك، ليس مبالغة القول إن حافظ الأسد ما زال يحكم سورية.


العربي الجديد

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع