..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

مآلات الخلاف الأميركي التركي بشأن كرد سوريا

خورشيد دلي

٧ مايو ٢٠١٧ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3600

مآلات الخلاف الأميركي التركي بشأن كرد سوريا
d92136ca-bd2d-4034-bee7-772536f92d5a.jpg

شـــــارك المادة

شكلت الغارات التركية الأخيرة المتزامنة على مواقع قياديةلوحدات حماية الشعب الكردية في كراتشوك (قره جوخ) بسوريا، ومواقع لحزب العمال الكردستاني في سنجار (شنكال) شمالي العراق، منعطفا كبيرا في كيفية تعاطي أنقرة مع الصعود الكردي على حدودها  الجنوبية.
ولعلها أرادت بهذه الغارات إرسال رسالة واضحة في أكثر من اتجاه، مفادها أن تركيا انتقلت إلى إستراتيجية استباقية على الأرض لمواجهة تصاعد نفوذ الحزب الكردستاني في سوريا والعراق، وأنها مستعدة للذهاب حتى النهاية لدرء الخطر عن أمنها الوطني والقومي.

رسائل القصف التركي:
في الواقع، يمكن القول إن تركيا أرادت -من خلال القصف الجوي النوعي الذي شاركت فيه 26 طائرة ودام لأكثر من ساعتين، وإبلاغها مسبقا كلا من واشنطن وموسكو وأربيل بالعملية- إرسال جملة من الرسائل، لعل أهمها:
1- أن تركيا ما بعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية انتقلت إلى مرحلة جديدة، وأنها مع هذه المرحلة ستنفذ إستراتيجية استباقية وقائية ضد صعود نفوذ حزب العمال الكردستاني الذي يبدو أنه المستفيد الأكبر من الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية(داعش) حتى الآن.
فالحزب -بعد أن كان نفوذه العسكري محصورا في جبال قنديل- بات الآن له وجود عسكري قوي في سنجار شمالي العراق ومناطق واسعة من شمالي سوريا، وهي مناطق تشكل الحدود الجنوبية لتركيا.
ولعل الخطورة هنا تكمن في أن هذه المناطق تشكل معا عمقا جغرافياً، يؤسس لكيان سياسي وأمني يمتد عبر الجغرافيا إلى الداخل التركي، وهو ما تعده تركيا خطرا مصيريا على مستقبلها.
2- رسالة إلى الإدارة الأميركية بأن تركيا لن تسمح للكرد بالسيطرة على الرقة تحت عنوان تحريرها من تنظيم الدولة، وأنه لا يمكن تجاهل تركيا الدولة القوية والحليفة لأميركا تاريخيا على هذا النحو، وأن تركيا جاهزة لقيادة هذه العملية من خلال الفصائل السورية المسلحة.
ولعل أهمية هذه الرسالة تنبع من أنها جاءت قُبيل الزيارة المقررة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى واشنطن في 17 مايو/أيار الجاري، وهو ما يعني أن الخلاف التركي/الأميركي بشأن الملف الكردي سيكون على رأس قضايا المباحثات بين أردوغان والرئيس الأميركي دونالد ترمب.
3- رسالة تحمل طابع القوة إلى حكومة إقليم كردستان العراق، بأن عليها أن تتحرك ضد وجود حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل ومناطق شنكال، وأن تركيا لن تقبل بمثل هذا الوجود بعد اليوم حتى ولو تضررت العلاقة مع الحليف الكردي العراقي، أي حكومة إقليم كردستان برئاسة البارزاني.
ولعل هذه الرسالة وصلت بقوة إلى إدارة أربيل، إذ إن معظم ردودها انصبت على مطالبة حزب العمال الكردستاني بالخروج من سنجار، وتحميله مسؤولية القصف التركي، ودعوته إلى كف يده عن الوضع الكردي في سوريا.
4- حمل القصف التركي رسالة إقليمية وتحديدا إلى إيران، إذ ترى أنقرة أن المناطق التي سيطر عليها حزب العمال الكردستاني هي في النهاية جزء من مخطط أكبر، يندرج في إطار إستراتيجية إيران الهادفة إلى الربط بشكل مباشر بين طهران ودمشق عبر الأراضي العراقية والسورية.
امتحان لعبة التوازنات:
رغم أن القصف التركي أثار مخاوف عميقة لدى الطرف الكردي من أن يكون ما جرى تم باتفاق بين أنقرة وواشنطن، فقد خفف من هذه المخاوف والشكوك في الحليف الأميركي مشهدُ تفقّد وفدٍ عسكري أميركي رفيع المستوى -برفقة قادة من وحدات حماية الشعب الكردية- الأماكنَ التي تم استهدافها.
وكذلك التصريحات الأميركية التي عبرت عن قلقها من الغارات التركية، وقالت إنها جرت من دون علم قيادة التحالف الدولي، وحذرت من أن يؤثر ذلك على محاربة تنظيم الدولة، واصفة الكرد بالشركاء في معركة تحرير الرقة من التنظيم.
وقد عمقت هذه التصريحات الشكوك التركية في سياسة واشنطن الكردية وخطر هذه السياسة على الأمن القومي التركي، إلى درجة أن أنقرة باتت ترى -إلى حد كبير- أن مشكلتها الأساسية هنا مع سياسة الإدارة الأميركية، التي لا تتوانى عن مواصلة الدعم العسكري للكرد رغم مطالبتها إياها مرارا بوقف هذا الدعم، وتحذيرها من أن استمراره سيؤدي إلى تضرر العلاقات بين الجانبين.
ولعل جوهر الخلاف الأميركي/التركي ينبع من اختلاف الأولويات والرؤى، فالإدارة الأميركية ترى أن المقاتلين الكرد هم الأكثر خبرة ومصداقية في محاربة تنظيم الدولة، وأن مضيها في تسليحهم يأتي في إطار حربها للقضاء على التنظيم.
لكن تركيا ترى أن هذا المسار أدى عمليا إلى تعويم حزب العمال الكردستاني والتنظيمات التابعة له تحت عنوان مكافحة الإرهاب، في الوقت الذي يُصنف فيه هذا الحزب ضمن قائمة الإرهاب الأميركية.
كما ترى أنقرة أن الدعم الأميركي خرج عن إطار التنسيق والتعاون إلى علاقة تحالف قوية على حسابها، خاصة في ظل إقامة الإدارة الأميركية قواعد عسكرية وغرف عمليات مشتركة مع الكرد، وإرسال جنود أميركيين إلى المناطق الكردية في سوريا.
وتعد أنقرة -الحليفة التاريخية لواشنطن- ذلك انقلابا على ثوابت العلاقة الأميركية/التركية منذ أن انضمت تركيا مبكرا إلى الحلف الأطلسي عام 1952.
ولعل ما زاد المخاوف التركية هو عدم مبالاة الإدارة الأميركية بالمطالب التركية، وتأكيد أنقرة الدائم أن جزءا من الأسلحة التي ترسلها واشنطن إلى وحدات حماية الشعب الكردية تصل إلى حزب العمال الكردستاني في الداخل التركي.
وهو ما يعمق الشعور التركي بوجود مخطط أميركي غير معلن يهدف إلى إقامة دولة كردية في المنطقة، وبأن إقامة مثل هذه الدولة ستؤدي إلى تقسيم تركيا لاحقا، وهكذا تحوّل الدعم الأميركي لكرد سوريا إلى نقطة خلاف متصاعدة في العلاقات التركية/الأميركية.
أمام هذا الواقع، ترى تركيا أن اللغة الدبلوماسية الأميركية -التي تحاول التوفيق بين العلاقة الإستراتيجية مع أنقرة والحليف الكردي الجديد عبر لعبة التوازنات- ليست سوى مجرد أسلوب دبلوماسي للتهرب من مطالب أنقرة، وأن مثل هذا الأسلوب لم يعد من الممكن قبوله في المرحلة المقبلة، وعلى واشنطن أن تحسم خيارها بين استمرار تحالفها مع الكرد أو العودة إلى تحالفها القديم مع أنقرة.
في مآلات الخلافات:
مع مضي الإدارة الأميركية في تحالفها مع كرد سوريا رغم تحذيرات الحليف التركي؛ ثمة سؤال جوهري يطرحه كثيرون، وهو: ما الذي يدفع واشنطن إلى هذا التحالف؟ هل هو قناعتها بعدالة القضية الكردية أم تطلعها إلى استخدام الكرد كأداة في حربها ضد تنظيم الدولة وربما ابتزاز تركيا وحتى مقارعة روسيا في الأزمة السورية؟
مع تأكيد أن الإدارة الأميركية لا تمارس التبشير في السياسة بل المصالح قبل كل شيء؛ فإنه من المبكر التكهن بنتائج سياسة ترمب بشأن هذه القضية الحساسة للسياسة التركية، إذ إنه يمكن القول إن المقاربة الأميركية بهذا الخوص تتوقف بشكل كبير على معركة الرقة.
وعليه وإلى حين إتمام زيارة أردوغان لواشنطن؛ فإن تركيا ستختبر على الأرض مدى جدية الإدارة الأميركية في التجاوب مع المطالب والشروط التركية.
ولعل هذا المسار يأخذ شكل التصعيد العسكري على طول الحدود الشمالية لسورية والعراق، حيث الوجود العسكري لحزب العمال الكردستاني، وحليفه حزب الاتحاد الديمقراطي السوري وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب، وكذلك قوات سوريا الديمقراطية.
إذ إن الحشود العسكرية على الحدود تتواصل، والقصف العسكري للمواقع الكردية مستمر، وربما تنفذ أنقرة عمليات توغل محدودة إلى جانب القصف الجوي، وهو ما يفتح المجال لمواجهات مع الكرد عبر الحدود، كما هو حاصل حاليا في منطقتيْ عفرين ورأس العين السوريتين.
ولعل نتائج قمة أردوغان/ترمب ستوضح الصورة بشأن ما إن كان التحالف الأميركي/التركي سيعود إلى طبيعته فتضحي واشنطن بالكرد على مذبح المصالح، أم أنها ستواصل سياسة دعم الكرد وممارسة لعبة التوازنات بين الحليفين الكردي والتركي.
ومن دون شك؛ فإن الكرد لديهم ورقة مهمة هي التلويح بتجميد عملية تحرير الرقة أو التوقف عنها، والانكفاء نحو الداخل تحت عنوان حماية الداخل الكردي من التصعيد التركي. وهم في الأساس يعيشون في محيط يفتقر إلى الثقة، وربما يطمحون لتطوير المطالبة باستمرار الدعم الأميركي إلى المطالبة بفرض حظر جوي على شمال سوريا يمنع الطائرات التركية من استهدافهم.
ويضاف إلى هذا العامل تطلعهم إلى بناء قوة ذاتية تجلب لهم الاعتراف الدولي بهم وبمطالبهم القومية، ولاسيما بعد الإعلان عن إقامة فدرالية في الشمال السوري.
ولعل من شأن هذا السيناريو دفع تركيا إلى خيار القيام بعملية عسكرية واسعة على غرار عملية "درع الفرات"، سواء في سنجار شمالي العراق أو منطقة تل أبيض/كري سبي شمالي سوريا لضرب البنية التحتية لحزب العمال الكردستاني، حيث يجري الحديث عن عملية تركية جديدة تحت عنوان "درع دجلة" في سنجار أو عملية "شمس الفرات" في تل أبيض.
بالنسبة لأنقرة؛ ستكون كلفة الانتظار أكبر من ثمن التدخل العسكري وقيام دولة كردية بالأمر الواقع على حدودها الجنوبية، فهل ستكسر أنقرة الخطوط التي رسمتها واشنطن وتقلب الحدود وتخلط الأوراق؟ إنها قضية حساسة تحتاج إلى المزيد من التأمل في الحسابات والتداعيات.

 

الجزيرة نت

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع