صالح النعامي
تصدير المادة
المشاهدات : 3128
شـــــارك المادة
لم يعد بالإمكان إحصاء العمليات الحربية التي تنفذها إسرائيل في عمق سوريا وتستهدف أساساحزب الله اللبناني، لكن آخرها كان الهجوم الذي استهدف فجر الخميس الماضي (27 أبريل/نيسان) مخازن للسلاح جنوب غرب مطار دمشق الدولي. فقد تبين أن الجهد الحربي الإسرائيلي في سوريا لم يعد محصورا في الغارات الجوية والهجمات الصاروخية، وعمليات التصفية التي عادة ما تشير إليها وسائل الإعلام المختلفة. بل إن هناك الكثير من العمليات السرية الهادفة إلى استنزاف حزب الله هناك، تنفذها وحدات خاصة تندرج في إطار "لواء العمق" التابع لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي، وتظل عادة خارج تغطية وسائل الإعلام الإسرائيلية (موقع يسرائيل بالس، 23 أبريل/نيسان). أهداف الحرب الصامتة تعكف إسرائيل منذ عقود على تطبيق إستراتيجية "المواجهة بين الحروب"، التي تهدف إلى استغلال الفترة التي تلي كل حرب تشنها ضد عدو ما في شن عمليات سرية ضد هذا العدو؛ دون أن تترك آثارا تدل على مسؤوليتها عن هذه العمليات. وذلك لردع العدو عن القيام بأي عمل عسكري ضدها، إلى جانب توظيف هذه العمليات في المس من القدرات التسليحية لهذا العدو وقياداته المهمة، من أجل تحسين مكانة الجيش الإسرائيلي في أية حرب قادمة يمكن أن تندلع معه. وتعد حرب الاستنزاف الصامتة التي تشنها إسرائيل ضد حزب الله في سوريا مثالا كلاسيكيا على إستراتيجية "المواجهة بين الحروب"، حيث إن إسرائيل شرعت بُعيد انتهاء حرب لبنان الثانية (عام 20066) في شن سلسلة عمليات هادفة للمس من الحزب وكانت سوريا ساحتها الرئيسة، وبدأتها باغتيال قائد ذراعه العسكرية عماد مغنية عام في محيط دمشق يوم 12 فبراير/شباط 20088. وقد تعاظمت دافعية إسرائيل لتوسيع حرب الاستنزاف ضد حزب الله بُعيد تورطه في القتال إلى جانب نظام بشار الأسد إثر اندلاع ثورة الشعب السوري ضده، وسعت هذه الحرب إلى تحقيق الأهداف التالية: أولا: منع استغلال الحزب وجوده في سوريا لنقل منظومات سلاح نوعي إلى ترسانته في لبنان، حيث إن التقدير الإستراتيجي الذي يحكم توجهات دوائر صنع القرار في تل أبيب يفترض أن ترسانة صواريخ حزب الله تمثل "تهديدا إستراتيجياً" على العمق الإسرائيلي. وذلك لكون هذه الصواريخ تمتاز بمداها الواسع الذي يغطي تقريبا كل مساحة إسرائيل، وقوتها التدميرية الكبيرة، إلى جانب أنها تمتاز بدقة الإصابة، ناهيك عن أن بعض هذه الصواريخ يصل حجم رؤوسها التفجيرية إلى طن، مما يقلص فرص اعتراضها بواسطة منظومة "القبة الحديدية" التي تدعي إسرائيل أنها أثبتت نجاعتها في التصدي للصواريخ التي أطلقتها "حركة حماس" في حرب 2014. من هنا، فإن السياسة المعلنة -والتي عبر عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير حربه أفيغدور ليبرمان- تتمثل في أنه إذا تم الحصول على معلومات استخبارية حول عزم حزب الله نقل سلاح نوعي إلى لبنان، فإنه يجب التدخل المباشر لإحباط ذلك عبر القيام بأحد أشكال الجهد الحربي المناسبة. وهذا ما يفسر الهجمات التي تشنها إسرائيل، سواء عبر الغارات الجوية أو من خلال القصف بالصواريخ. ثانيا: منع حزب الله من استغلال وجوده بسوريا في تدشين بنى عسكرية وتنظيمية بالقرب من الحدود وفي جنوب سوريا، خشية أن يتم استخدامها في وقت من الأوقات ضدها. ولتحقيق هذا الهدف قامت إسرائيل بمهاجمة قواعد لجيش نظام الأسد في منطقة القنيطرة وجنوب سوريا، بزعم أن حزب الله يخطط لاتخاذها مقرات له. وفي الوقت ذاته، قامت إسرائيل بشن عمليات تصفية استهدفت قيادات تنظيمية شكّت في أن حزب الله قد يعتمد عليها في إدارة الجهد الحربي ضدها مستقبلا، فاغتالت جهاد مغنية (نجل عماد مغنية) وعددا من القيادات في الحرس الثوري الإيراني بغارة أثناء وجودهمبالجولان السوري يوم 18 يناير/كانون الثاني 2015، واغتالت القيادي في الحزب سمير القنطار أثناء وجوده في ريف دمشق يوم 199 ديسمبر/كانون الأول 20155. ثالثا: تعتبر إسرائيل أن النيل من قدرات حزب الله العسكرية والبشرية يعد متطلبا من متطلبات نجاحها في مواجهة النووي الإيراني، حيث تنطلق من افتراض أن إيران ستعتمد على حزب الله في الرد على أي هجوم إسرائيلي قد يستهدف المنشآت النووية الإيرانية.
بيئة مثالية للاستهداف هناك عوامل عدة شجعت إسرائيل على استهداف حزب الله في سوريا، تتمثل في التالي: 1- إدراك إسرائيل أن ضمان بقاء نظام الأسد يقع حاليا على رأس أولويات حزب الله، وأن الانجرار لحرب معها هو آخر ما يعنيه، على اعتبار أن الحزب غير قادر -من الناحية العسكرية- على خوض مواجهة مع إسرائيل بالتزامن مع لعب دور رئيسي في الحرب التي يشنها نظام الأسد ضد قوى الثورة السورية. 2- نظرا لأن الغارات الإسرائيلية تستهدف حزب الله في سوريا فإن قدرة الحزب على تبرير الرد عليها محدودة جدا، لاسيما في ظل التغير في الموقف الأميركي بعد وصول دونالد ترمب إلى سدة الحكم، حيث إن الإدارة الجديدة صعّدت خطابها ضد وجود كل من إيران وحزب الله في سوريا، تبنيا للموقف الإسرائيلي. 3- تعي إسرائيل أن تدخل حزب الله في سوريا عمّق الاستقطاب الداخلي في لبنان، ووسّعه لدرجة أن القوى والأطراف اللبنانية لن تغفر لحزب الله جرّ لبنان لمواجهة مع إسرائيل بسبب تورطه في سوريا. وعززت هذا تهديداتٌ أطلقتها القيادات الإسرائيلية باستهداف مؤسسات ومرافق الدولة اللبنانية في حال اندلعت مواجهة جديدة مع حزب الله. 4- تنطلق إسرائيل من افتراضٍ مفاده أن اندلاع مواجهة بينها وبين حزب الله لا يخدم الأجندة الإيرانية حاليا، على اعتبار أن طهران معنية باستخدام حزب الله وإمكانياته لردع إسرائيل عن التفكير في استهداف منشآتها النووية. وما دامت إسرائيل معنية حاليا بمنح فرصة لتطبيق الاتفاق الذي توصلت إليه إيران مع الدول العظمى، فإن طهران غير معنية بأن تنشب مواجهة واسعة بين الحزب وإسرائيل. 5- من الواضح أن أحد أهم العوامل التي ساعدت إسرائيل في شن حربها على حزب الله داخل سوريا هو حصولها على معلومات استخبارية دقيقة تمكّنها من تجديد بنك أهدافها باستمرار. الغطاء الروسي حسّن التدخل العسكري الروسي في سوريا قدرة إسرائيل على استهداف حزب الله، إذ تمكنت إسرائيل مبكرا من الحصول على تعهد روسي باحترام خريطة مصالحها الأمنية في سوريا، وضمن ذلك إحباط إرساليات السلاح الإيراني إلى حزب الله. ومما وسّع دائرة الاستفادة الإسرائيلية من التدخل الروسي حقيقةُ ارتباط موسكووتل أبيب بشبكة مصالح مشتركة تتجاوز سوريا، إذ ترتبطان بعلاقة تعاون أمني واستخباري وثيق، إلى جانب أنها معنية بالاستفادة من الإمكانيات الإسرائيلية في مجال التقنيات المتقدمة وتوظيفاتها المشتركة، علاوة على رهانها على دور إسرائيلي محتمل في التوسط بينها وبين الإدارة الأميركية. ورغم اتفاق كل من روسيا وإيران وحزب الله على التعاون لإنقاذ نظام الأسد، فإن تل أبيب تدرك في المقابل أن خريطة مصالح روسيا وكل من إيران وحزب الله في سوريا متباينة، مما يعني أن موسكو غير معنية بالانجرار نحو مواجهة مع إسرائيل لوقف هجماتها ضد حزب الله. ومن هنا، فليس من المستغرب أن يخرج فلاديمير بوتين عن طوره وهو يهاجم الإدارة الأميركية بعد قصف مطار الشعيرات التابع لنظام الأسد، ردا على قصف بلدة خان شيخون بالسلاح الكيميائي، في حين أنه لا يحرك ساكنا إزاء العدد الكبير من الهجمات التي تنفذها إسرائيل ضد منشآت حربية تابعة للنظام. لذلك ومن أجل تحسين قدرة إسرائيل على العمل في سوريا؛ توافقت تل أبيب وموسكو على تشكيل إطار تنسيق عسكري يشرف عليه نائبا رئيسيْ هيئة الأركان في الجانبين، ويعمل هذا الإطار على مدار الساعة. ويمكن القول إن حرب الاستنزاف التي تشنها إسرائيل ضد حزب الله في سوريا قد أدت إلى النيل من قدرة الحزب على تعزيز قوته العسكرية، وقلصت إمكانية إفادته من السلاح الذي تزوده به إيران. ومما يدل على عمق تأثير العمليات الإسرائيلية على الحزب حقيقةُ أن بعض وكالات الاستخبارات الغربية أشارت إلى أن إيران اضطرت مؤخرا لبناء مصانع تحت الأرض في لبنان لإنتاج الصواريخ لصالح حزب الله، بسبب المصاعب التي يواجهها الحزب في نقل السلاح من سوريا إلى لبنان في ظل الهجمات الإسرائيلية. ومما لا شك فيه أن استيعاب حزب الله غارات إسرائيل وعدم رده عليها -رغم تهديده المتواصل بذلك- مثـّل ضربة معنوية لصورته كـ"حركة مقاومة" ضد إسرائيل. وإلى جانب ذلك؛ فإن الغارات الإسرائيلية ومبادرة مسؤولين في النظام السوري للاعتراف بأنها استهدفت مخازن لحزب الله، ساعد إسرائيل في استغلال المفاوضات الجارية بشأن التوصل لحل سياسي في سوريا، ومطالبة كل من موسكو وواشنطن بوضع مسألة مستقبل وجود حزب الله وإيران بسوريا ضمن أجندة المفاوضات. إذ تطالب تل أبيب بأن تضمن أية تسوية بشأن سوريا تقليص نفوذ الحزب وإيران، مع أن إسرائيل لا تمانع في بقاء نظام الأسد، بل إنها ترى أن بقاءه هو أفضل الخيارات المطروحة.
الجزيرة نت
محمد حسن عدلان
خالد وليد محمود
زياد الشامي
حسان الحموي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة