فايز الصلاح
تصدير المادة
المشاهدات : 3065
شـــــارك المادة
الحمدُ لله ربِّ العالمين ، وأصلي وأسلمُ على المبعوث رحمةً للعالمين ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد : تتعرضُ الأمةُ الإسلاميةُ لهجمةٍ استئصاليةٍ في الدين والأنفس،فقد تداعت علينا الأمم من كلَّ حدبٍ وصوبٍ من الكفار الأصليين والمنافقين الذين يعيشون بين ظهرانينا،يعاونهم أهلُ البدعِ المكفِّرة والمغلَّظة من الباطنية والرافضة والخوارج المارقين في هجمةٍ لم يعرف التاريخُ لها مثيلاً في دمويتها ومكرها وزمانها ومكانها وتنوع الأعداء فيها. ونحن نعلم علم اليقين أن هذه النازلة ليس لها من دون الله كاشفة، وذلك بعد أن تسلك الأمة السبل الشرعية والكونية لرفع هذا البلاء أو دفعه. إن الله سبحانه وتعالى أراد منا أن نكون أمةً واحدةً،نعبد ربَّاً واحداً،ونسيرُ على منهجٍ واحدٍ كما قال تعالى:{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ }[الأنبياء: 92]،وقال أيضا:{ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ } [المؤمنون: 52]،فتحقيق الوحدة لا يكون إلا بعبادة الله وحده لاشريك له ،ولايكون ذلك إلا بالتقوى وهي امتثال الأمر واجتناب النهي. والواجب على أمة الإجابة التي آمنت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً أن تكون على منهج واحد عقيدةً وسلوكاً،ومع علمنا بالافتراق الواقع في هذه الأمة فلا ينبغي الاستسلام له،ولابد من السعي حثيثاً لجمع الأمة على كلمة سواء،فإن تعذر ذلك فلا بد من السعي من تخفيف حدِّة الاختلاف والافتراق،والعمل على الاجتماع على قدْرٍ مشترك يحقق المصلحة العامة للأمة، ولاشكَّ أنَّ هناك سُبَلاً شرعيةً لتحقيق ذلك. وإني سأشرع بإذن الله تعالى بكتابة مقالاتٍ متتاليةٍ تتحدثُ عن سُبُلِ اجتماع الأمة وائتلافها مستنيراً بالوحيين الكتاب والسنة ومن فهم الأوائل من الصحابة والتابعين وأئمة الدين رضي الله عنهم أجمعين. أولا: وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة: أمرنا اللهُ سبحانه وتعالى بالاجتماع وحذَّرنا من الافتراق، ولن يتحققَ تمامُ الاجتماع إلا بالاعتصام بالكتاب والسنة،قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 102، 103]. فابتدأ اللهُ بأمر المؤمنين بالتقوى تمهيداً لاعتصامهم بحبل الله،وحقيقةُ التقوى امتثالُ الْأَمْرِ، وَاجْتِنَابُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ظاهرا وباطنا. ولما أمرنا اللهُ بالتقوى الذي فيه صَلَاحُ أَنْفُسِنا لآخرتنا ، ثنَّى بِأَمْرِنا بِمَا فِيهِ صَلَاحُ حَالِنا فِي دُنْيَانا ، وَذَلِكَ بِالِاجْتِمَاعِ عَلَى هَذَا الدِّينِ وَعَدَمِ التَّفَرُّقِ لنكتسبَ بِاتِّحَادِنا قُوَّةً وَنَمَاءً. قال الطاهرُ بنُ عاشور في تفسيره"التحرير والتنوير":" وَالِاعْتِصَامُ افْتِعَالٌ مِنْ عَصَمَ وَهُوَ طَلَبُ مَا يَعْصِمُ أَيْ يَمْنَعُ، وَالْحَبْلُ: مَا يُشَدُّ بِهِ لِلِارْتِقَاءِ، أَوِ التَّدَلِّي، أَوْ لِلنَّجَاةِ مِنْ غَرَقٍ، أَوْ نَحْوِهِ، وَالْكَلَامُ تَمْثِيلٌ لِهَيْئَةِ اجْتِمَاعِهِمْ وَالْتِفَافِهِمْ عَلَى دِينِ اللَّهِ وَوَصَايَاهُ وَعُهُودِهِ بِهَيْئَةِ اسْتِمْسَاكِ جَمَاعَةٍ بِحَبْلٍ أُلْقِيَ إِلَيْهِم من مُنْقِذٍ لَهُمْ مِنْ غَرَقٍ أَوْ سُقُوطٍ، وَإِضَافَةُ الْحَبْلِ إِلَى اللَّهِ قَرِينَةُ هَذَا التَّمْثِيلِ". وقال ابنُ جرير الطبري في" تفسيره":" يريد بذلك تعالى ذكره: وتمسَّكوا بدين الله الذي أمركم به، وعهده الذي عَهده إليكم في كتابه إليكم، من الألفة والاجتماع على كلمة الحق، والتسليم لأمر الله". وقد بيَّن ابن القيم حقيقةَ هذا الاعتصام عندما قال في" مدارج السالكين"(3/ 303):"وَهُوَ تَحْكِيمُهُ دُونَ آرَاءِ الرِّجَالِ وَمَقَايِيسِهِمْ، وَمَعْقُولَاتِهِمْ، وَأَذْوَاقِهِمْ وَكُشُوفَاتِهِمْ وَمَوَاجِيدِهِمْ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَهُوَ مُنْسَلٌّ مِنْ هَذَا الِاعْتِصَامِ، فَالدِّينُ كُلُّهُ فِي الِاعْتِصَامِ بِهِ وَبِحَبْلِهِ، عِلْمًا وَعَمَلًا، وَإِخْلَاصًا وَاسْتِعَانَةً، وَمُتَابَعَةً، وَاسْتِمْرَارًا عَلَى ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". فحقيقةُ الاعتصام هو الخضوع لهذا الدين القويم في كلِّ أمرٍ من أمور حياتنا. وأكَّدَ الله هذا الاعتصام بالنهي عن الافتراق في قوله:{وَلَا تَفَرَّقُوا }، قال القرطبي في "تفسيره":"قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَلَا تَفَرَّقُوا }، يَعْنِي فِي دِينِكُمْ كَمَا افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فِي أَدْيَانِهِمْ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ وَلَا تَفَرَّقُوا مُتَابِعِينَ لِلْهَوَى وَالْأَغْرَاضِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَكُونُوا فِي دِينِ اللَّهِ إِخْوَانًا، فَيَكُونُ ذَلِكَ مَنْعًا لَهُمْ عَنِ التَّقَاطُعِ وَالتَّدَابُرِ، وَدَلَّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا }،وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الِاخْتِلَافِ فِي الْفُرُوعِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ اخْتِلَافًا إِذِ الِاخْتِلَافُ مَا يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الِائْتِلَافُ وَالْجَمْعُ، وَأَمَّا حُكْمُ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهَا بِسَبَبِ اسْتِخْرَاجِ الْفَرَائِضِ وَدَقَائِقِ مَعَانِي الشَّرْعِ، وَمَا زَالَتِ الصَّحَابَةُ يَخْتَلِفُونَ فِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ مُتَآلِفُونَ". ومن إعجاز هذا القرآن وبلاغته في الأوامر والنواهي أن حذَّرَنا الله سبحانه وتعالى قبل هذه الآيات الآمرة بالتقوى والاعتصام بدين الله!! حذَّرَنا من طاعة الكافرين والإصغاء لهم والانقياد لمؤامرتهم عندما قال:{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران:100، 101]. قال في "الظلال" :" إن طاعة أهل الكتاب والتلقي عنهم، واقتباس مناهجهم وأوضاعهم، تحمل ابتداء معنى الهزيمة الداخلية، والتخلي عن دور القيادة الذي من أجله أنشئت الأمة المسلمة. كما تحمل معنى الشك في كفاية منهج الله لقيادة الحياة وتنظيمها والسير بها صعداً في طريق النماء والارتقاء. وهذا بذاته دبيب الكفر في النفس، وهي لا تشعر به ولا ترى خطره القريب. هذا من جانب المسلمين، فأما من الجانب الآخر، فأهل الكتاب لا يحرصون على شيء حرصهم على إضلال هذه الأمة عن عقيدتها. فهذه العقيدة هي صخرة النجاة وخط الدفاع، ومصدر القوة الدافعة للأمة المسلمة. وأعداؤه يعرفون هذا جيداً،يعرفونه قديماً ويعرفونه حديثاً، ويبذلون في سبيل تحويل هذه الأمة عن عقيدتها كل ما في وسعهم من مكر وحيلة، ومن قوة كذلك وعُدة،وحين يعجزهم أن يحاربوا هذه العقيدة ظاهرين يدسون لها ماكرين،وحين يعييهم أن يحاربوها بأنفسهم وحدهم، يجندون من المنافقين المتظاهرين بالإسلام، أو ممن ينتسبون- زوراً- للإسلام، جنوداً مجندة، لتنخر لهم في جسم هذه العقيدة من داخل الدار، ولتصد الناس عنها، ولتزين لهم مناهج غير منهجها، وأوضاعاً غير أوضاعها، وقيادة غير قيادتها،فحين يجد أهل الكتاب من بعض المسلمين طواعية واستماعاً واتباعاً، فهم ولا شك سيستخدمون هذا كله في سبيل الغاية التي تؤرقهم، وسيقودونهم ويقودون الجماعة كلها من ورائهم إلى الكفر والضلال". فتدبَّر معي-رحمك الله- هذه الآيات وماجاء في تفسيرها ومعناها لتعرف حقيقة الجريمة التي فعلها المؤتمرون في الشيشان ضد أمتهم،عندما رضوا أن يجتمعوا تحت ظلال المجرم الصليبي الحاقد بوتين ،وفي بلدٍ يرأسه الخرافي المتيم بحب بوتين والناصر للطاغوت النصيري في الشام ، ليجتمع إليه النطيحةُ والموقوذةُ،وما أكلَ السَبُعُ وما أهلَّ لغير الله،فاجتمعت الجرائمُ كلُّها جريمة المكان والزمان والأعيان!!. قال تعالى:{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف3]. يتبع....
نور سورية
الألوكة
أبو محمد الصادق
أمين عبد الله جعفر
هيئة الشام الإسلامية
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة