..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

فك الارتباط بالقاعدة: كذبة تاريخية... وميلاد جديد

ماهر علوش

٢٥ ٢٠١٧ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2897

فك الارتباط بالقاعدة: كذبة تاريخية... وميلاد جديد
000098.jpg

شـــــارك المادة

في أواخر يوليو/تموز 2016 أعلنت جبهة فتح الشام -النصرة سابقا- فك ارتباطها رسميا بتنظيم القاعدة، ولاقى الحدث ترحيبا عاما في كافة الأوساط الثورية، بالرغم من الانتقادات التي انتشرت حول سوء الإخراج، بينما طالت انتقادات أخرى حقيقة فك الارتباط بالقاعدة، واصفة ما حدث بأنه تكتيكات جديدة تمت بالتوافق بين التنظيم وفرعه في الشام.

 

وبالرجوع إلى الوراء قليلا، وبالتحديد أواخر سبتمبر/أيلول 2014 نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تصريحات مهمة لمدير الاستخبارات القومية الأمريكية جيمس كلابر، تحدث فيها عن "ظهور جماعة تتبع لتنظيم القاعدة في سوريا"، واصفا بأنها "لا تقل في خطورتها على الولايات المتحدة الأمريكية عن تنظيم داعش"، وأكد أن الجماعة تعرف باسم "جماعة خراسان"، وأنها "تعمل حاليا في المنطقة"، وأن "أجهزة الاستخبارات الأمريكية تتابعها منذ فترة".

 

وبحسب مصادر خاصة لصحيفة "نيويورك تايمز" في أجهزة الأمن والمخابرات الأمريكية، فإن "جماعة خراسان" تشكلت في سوريا أواسط 2013، وأنها "تضم في صفوفها مسلحين من "القاعدة" ينتمون إلى دول الشرق الأوسط، ودول جنوب-شرق آسيا وإفريقيا الشمالية"، معتبرة أن "هذه الجماعة تخطط للقيام بعمليات إرهابية ضد الولايات المتحدة والمؤسسات الأمريكية في الخارج"، متهمة إياها بأنها تعمل للوصول إلى أنواع "متفجرات لا يمكن كشفها في المطارات"... الأمر الذي يعيدنا إلى بدايات استهداف جبهة فتح الشام، حيث جرى الحديث عن استهداف مقاتلين يتبعون لما وصفته وزارة الدفاع الأمريكية بــ"جماعة خراسان"، وتبين حينها أنهم كانوا خبراء في مجال تصنيع المتفجرات...

 

فهل نشهد تطورات جديدة في المنطقة تسمح بظهور "جماعة جديدة" تساهم في القضاء على ما تبقى من ثورات الربيع العربي، بحيث تقوم استراتيجيتها على مهاجمة أهداف أمريكية مدنية على غرار أحداث سبتمبر/أيلول، وبالتالي تبدأ موجة جديدة من الحرب على الإرهاب بقيادة دونالد ترامب، الذي لم يُخْفِ مشاعر الحقد والكراهية ضد المسلمين في حملته الانتخابية، بل كان عنوان محاربة الإرهاب و"التطرف" أحد أهم الرسائل التي أرسلها في كلمته عشية تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية.

 

بكل أسف لقد تم اختراق ثورات الربيع العربي من قبل الجماعات الجهادية بالدرجة الأولى، والتي بدورها تعاني حالة اختراق مبكر يرجع إلى نشأتها الأولى، ما يمنح المخابرات الدولية فرصة كبيرة لإعادة تشكيل ثورات الربيع العربي من خلال جماعة مركزية موحدة، وضبطها بحسب اتجاه البوصلة الدولية، وبما يتناسب مع رؤية الغرب لمستقبل المنطقة، والأدوات جاهزة لا يمكن وصفها بأقل من الغباء، وربما هناك أوصاف أخرى أكثر دقة.

 

على الصعيد الداخلي في الثورة السورية... وفي سياق آخر تتضح الصورة أكثر، حيث تشهد الساحة الشامية ارتدادا متسارعا إلى جذور السلفية الجهادية، وذلك بعد أن بدأت نوعا من المفاصلة معها قبل ثلاث سنوات، وهي لا تزال في حالة رجوع عكسي مستمر منذ ذلك الحين، ومن يتابع ويرصد مجريات الحدث، ويجتهد في تحليل تفاصيل المشهد يدرك ذلك بكل وضوح.

 

ما يحدث في المنطقة الآن... هو عبارة عن تهيئة الظروف الميدانية لدمج فصائل السلفية الجهادية مع تنظيم الدولة، وهو التنظيم الأقرب لها إيديولوجيا وفكريا، وربما نشهد ذلك قبل نهاية هذا العام، وهناك العديد من المؤشرات المهمة التي تدل على صحة هذا السياق:
الأول: ارتفاع وتيرة استهداف جبهة فتح الشام من قبل طائرات التحالف الدولي، والأهداف الحقيقية من هذا القصف هو الضغط عليها لتنحاز إلى تنظيم الدولة، ومن ثَمَّ ينحاز معها حلفاؤها التقليديون من فصائل السلفية الجهادية، من باب الشعور بالمظلومية واستشعار المسؤولية.
الثاني: أن الاستهداف يطال قادة بارزين في جبهة فتح الشام، والقاسم المشترك بين قائمة المستهدفين أنهم يقعون في الدائرة التي تحيط بالجولاني، ما يعني إضعاف مركز صناعة القرار في الجبهة، وبالتالي يتم تسهيل عملية التحول والانتقال بالاتجاه المطلوب.
الثالث: ارتفاع وتيرة استهداف تنظيم الدولة في العراق وشرق سوريا -الموصل ودير الزور- من قبل طائرات التحالف الدولي، والأهداف الحقيقية من هذا القصف هو الضغط عليها لتنحاز إلى حلفائها التقليديين من فصائل السلفية الجهادية، وعلى رأسهم جبهة فتح الشام.
الرابع: أن الاستهداف يطال قيادات تنظيم الدولة من العراقيين، وبشكل خاص قيادات الصف الأول، وهو يأتي ضمن ثلاث سياقات متصلة:
      أحدها: إضعاف داعش في العراق تمهيدا لانحسارها باتجاه سوريا،
     وثانيها: إزاحة الشخصيات التي تتخذ مواقف حادَّة من التفاهم مع جبهة فتح الشام،
      وثالثها: التمهيد لانتقال السلطة في قيادة التنظيم من العراق إلى سوريا.

الخامس: تنامي الشعور المشترك لدى التيارات السلفية الجهادية على اختلافها أنها تعاني أزمات مشتركة، وأنه يتم التعامل معها على الصعيد الداخلي والدولي بعيدا عن تصور الفارق الإيديولوجي أو السلوكي الذي تحاول بعض الجماعات أن تُفْرِدَ به نفسها عن غيرها للخروج من دائرة الهدف.

 

إن التقارب الفكري الإيديولوجي بين هذه الجماعات مع الشعور بوحدة المصير سوف يدفعها بشكل تلقائي للتجمع مع بعضها البعض، إلا أن وجود شخصيات بينها أزمات وخلافات شخصية حادَّة من كل الأطراف هو العائق الوحيد أمام التداخل العضوي بينها، ما يعني أن مجرد غياب هذه الشخصيات الإشكالية عن الواجهة التنظيمية يسهل عملية التقاء الأطراف مع بعضها البعض، ويجعل الأمر مقبولا لدى غالبية الأفراد.

 

إن الانكسار الذي يتعرض له تنظيم الدولة في العراق ــ في معركة الموصل تحديدا ــ يشير إلى قرب انتقال زخم التنظيم باتجاه سوريا، والذي قد يشهد انتفاخا جديدا من خلال الاندماج مع جبهة فتح الشام كما ذكرنا، والذي بدوره يمهد الطريق أمام دخول قوات الحشد الشعبي من العراق إلى سوريا، وقد صدرت عدة تصريحات من قوات الحشد بهذا الاتجاه، وهو جزء من التصعيد الإيراني القادم في المنطقة، والذي يحتمل أن تواجه به إيران إدارة ترامب فيما لو اتخذت قرارات تصعيدية ضدها في الاتفاق النووي، وقد تحدثنا عن هذا في مقال سابق.

 

لكن يبقى السؤال الذي يحتاج جوابا: هل سيحافظ هذا التشكيل الجديد على فكرة الدولة، ويحتفظ بالأرض والسلطة باعتبارها عامل جذب لشباب الأمة الذي يتوقون إلى الجهاد في سبيل الله، أم أنه قد يتنازل عن الفكرة تحت تأثير شدة الضربات الجوية لصالح العودة إلى حالة التنظيم، التي تَتَّسِمُ بمرونة الحركة، وخِفَّة التكاليف .

 

نصيحتي إلى العقلاء والصادقين من قادة فتح الشام وجنودها أن يقرؤوا هذا المقال بهدوء، وأن يقوموا باستيعاب المشهد بشكل أكثر تركيزا، وأن يضعوا نصب أعينهم ثورتنا ودماء شعبنا، ليتخذوا قرارهم الصحيح بتفكيك جبهة فتح الشام، الأمر الذي يحفظ أرواح المجاهدين، ويمنع السيناريو الأسوء الذي تحدثنا عنه، ويحافظ على بقايا الثورة قبل أن يتم تدميرها على يد الغلاة، ففي هذه الحال نضمن ألا يتمدد تنظيم الدولة باتجاه مناطق الثورة، وألا يتم قضمها داخليا على يد من كنا نعدهم شركاء لنا في ثورتنا يوما ما... وفي نفس الوقت نضمن الحفاظ على مقاتلي جبهة فتح الشام من استهداف ضربات التحالف التي تزداد يوما بعد يوم، ولن يفيد فتح الشام التعويل على فك الارتباط والتمسك به أمام هذه الهجمات الشرسة التي تتعرض لها؛ فإن ما يحدث معكم هو جزء من المخطط الدولي لاستكمال تدمير المنطقة.

#الجماعات_الوظيفية
#جبهة_فتح_الشام
#جماعة_خراسان
#تنظيم_الدولة

 


قناة الكاتب على تيليجرام

 

 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع