..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

«التحرير» يعني التدمير: منبج نموذج آخر

عبد الوهاب بدرخان

١٥ أغسطس ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3305

«التحرير» يعني التدمير: منبج نموذج آخر
مدمرة 000.jpg

شـــــارك المادة

أخيرا «تحررت» منبج السورية من تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، لكنها بالتزامن تحررت من أهلها. لم تعد المدينة صالحة للعيش فيها، إذ نال القصف الجوي لـ «التحالف الدولي» من أجزاء واسعة فيها، أبنية وأسواقا ومدارس ومساجد ومؤسسات خدمية، وما لم يدمره الطيران الحربي كان «داعش» قد فجره أو عمل على تلغيمه. وبعد أكثر من عام ونصف العام لا تزال عين العرب/كوباني مهجورة لا يرى السكان فائدة في محاولة رفع أنقاض حتى الأبنية المتضررة جزئيا، ومثلها لا يستطيع مواطنو الفلوجة أو الرمادي وأطرافهما، العودة لبعث الحياة مجددا في منازلهم وشوارعهم وحقولهم. وها هي منبج، الضحية الجديدة، تنضم إلى ركب المدن المنكوبة، وقد تتبعها الباب وجرابلس القريبتان منها. ورغم نسبة أقل من الدمار العمراني في ديالى وتكريت إلا أن التدمير النفسي بالترهيب أو بالإهمال، يجعل عودة الحياة إلى رمق من طبيعتها ضربا من المستحيل.

التحرير يعني التدمير. تلك هي المعادلة. ومؤداها أن لا تقوم قائمة لهذه الحواضر قبل مرور ردح طويل من الزمن، وأن يعود سكانها عصورا إلى الوراء، فمن يحررونهم قد يشردونهم أو يحيلونهم إلى وضع أسوأ من ذلك الذي فرضه «داعش» عليهم. ومن هم هؤلاء المحررون؟ نعم هناك جيش حكومي في العراق، ويفترض أنه هو الذي يخوض المعارك، لكن هناك بذيله ميليشيات «الحشد الشعبي» وهي لم تتوان عن حرق البيوت بعد نهبها في الفلوجة وقراها القريبة، ولا عن التنكيل بالهاربين من الموت أو إخفاء المئات منهم.

أما في سوريا فسمي المحررون «قوات سوريا الديمقراطية»، وقد اصطنعوا اصطناعا من ميليشيات الأمر الواقع، ووجد الأكراد في «داعش» فرصتهم لتحقيق انشقاقهم وإقامة إقليمهم. ثمة مشترك بين هؤلاء المحررين وأولئك، إنه الحقد المذهبي أو القومي الذي لا يضاهيه سوى الحقد الذي كان ولا يزال المحرك الرئيسي لـ «داعش».

معارك التحرير هي نمط الحروب التي يغلب عليها التجهيل والتعتيم، هي مقتلة مفتوحة ولا يعرف سوى القليل النادر عن مدى الإذلال والتنكيل والاحتقار للإنسان فيها. فكل يعلن أن هناك طرفا يتقدم وآخر يتراجع، أما كيف وبأي ثمن فلا أحد يتبرع بأي معلومة. لم تعلن ميليشيا الأكراد ولا ميليشيات «الحشد» شيئا عن كلفتها البشرية، مثلها مثل «داعش» الذي لا يكاد أي من مهووسيه يحرك سكينا بيده في بروكسيل أو برلين حتى يكون جاهزا لتبنيه غير أنه يستنكف عن ذكر خسائره وكأنه يعامل مقاتليه على أنهم مجرد أرقام، مثلما يعاملهم محاربوه.

لم يستطع مهاجمو منبج إحراز تقدم فيها إلا بضربات جراحية نفذها طيران «التحالف الدولي»، لكن هذه الضربات قتلت عشرات من المدنيين في التوخار والغندورة. وأفاد نشطاء منبجيون أن عائلات بأكملها لا تزال تحت الأنقاض. في الوقت نفسه كان «داعش» يقدم على إعدامات لمدنيين أيضا مشتبها بتعاونهم مع القادمين لتحريرهم. ورغم وجود مقاتلين عرب في صفوف «قوات سوريا الديمقراطية» إلا أن الأكراد المهيمنين عليها لم يراعوا حلفاءهم، فقد شكا هؤلاء من تهجير قسري للعرب من نحو عشر بلدات وقرى مجاورة لمنبج ولا تقطنها سوى قلة من الأكراد..

وهكذا، فبين «داعش» من جهة و«التحالف» والأكراد في المقابل يدفع المدنيون ثمنا باهظا من دمائهم، ومن حاضرهم ومستقبلهم.

 

 

العرب القطرية

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع