..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

ماذا لو حوصرت حلب؟

محمد عمر زيدان

٢٥ يوليو ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3047

ماذا لو حوصرت حلب؟
تحترق 0 طفل.jpg

شـــــارك المادة

شهدت الساحة السورية تجاذبات قوية في الأيام القليلة الماضية، وكان مردها إلى المعارك الدائرة بين قوات المعارضة من جهة، ومليشيات النظام من جهة أخرى، في سبيل بسط السيطرة على حلب.

تلك المدينة التاريخية الموغلة بالقدم، ولسنا هنا في مرد سرد التاريخ العريق لمدينة الشهباء، فتاريخها أكبر من أن يشمله مقال أو يحويه كتاب، وأوابدها وقلعتها خير شاهدان على معانقة الماضي للحاضر, ولا أدل على قيمة حلب وغنى تراثها الإنساني من إدراجها على مواقع التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو).

أما اليوم فقد أصبح القسم الأكبر من هذه العراقة معرضاً للدمار والإبادة والاندثار, ونحن وإن كان الألم يعتصر قلوبنا من تدمير التراث الإنساني وتجريف تراث الآباء والأجداد, فإن الألم مضاعف على دماء أبناء هذه المدينة وإخوانهم مما يساندونهم في الذود عن حياضها.

تأخرت حلب بالالتحاق بركب الثورة السورية قليلاً، إلا أنها ما لبثت أن نفضت غبار الذل وانتفض ثوارها من سباتهم وواكبوا انتفاضات إخوانهم في المناطق التى حرروها بدمائهم في إدلب وحماه، وكان لهذا الأثر الأكبر على إعطاء الثورة زخماً وقوة، فكان ثوار حلب نعم الناصر والمعين لثورة الكرامة، إذ قدمت حلب ما لم تقدمه الكثير من المدن السورية من التضحية والفداء، ولواء التوحيد بقيادة نبراس الثورة الشهيد عبد القادر الصالح خير ما يدل على صدق قولنا, وبهذا الانضمام لثوار حلب استفادة الثورة من مساحة جغرافية واسعة من جهة وشهرة أوسع نظراً لشهرة حلب ثانياً.

ولكن سرعان ما أدرك النظام وأعوانه ومليشياته الأهمية الاستراتيجية لحلب فبدأ يضيق الخناق على أبنائها وأحيائها، فاستجلب مرتزقته وشبيحته من كل أصقاع الدنيا ليحاربوا فيها لا لأن النظام يذوب عشقاً وهياماً في حلب وإنما لعلمه ويقينه بالقيمة الاستراتجية والغنى الذائع السيط لها وأن خروج حلب من قبضته سيكون المسمار الأخير في نعشه.

ولهذا حشد النظام كل إمكانيات أعوانه من الروس والفرس والمليشيات الشيعية المدعومة فارسياً واستطاع بسط سيطرته على أجزاء من حلب، وبالمقابل فإن الثوار استمروا في السيطرة والثبات على الأماكن التي حرروها، ورافق حشد النظام لترسانة أعوانه العسكرية تصعيد في الخطاب الإعلامي الذي جعل من معركة حلب معركة مصيرية، فهاهو زعيم حزب الله يؤكد على أهمية المعركة ويقدم الوعود بإرسال الآلاف من المقاتلين لكسب المعركة، أما إيران فلم تخفي مطامعها في حلب بأنها مدينة شيعية، مدينة سيف الدولة الحمداني الشيعي وأن حربها للحفاظ على تراث الشيعة، وليس حباً في مختار حي المهاجرين، أما من جهة روسيا فقد تناقض خطابها الإعلامي بالمشاركة من عدمها.

ومن الطرف الآخر جعلت المعارضة من حلب معركة مفصلية في تاريخ الثورة السورية وأعدت لها ما يمكن أعداده على حسب إمكانياتها.

والحقيقة كانت معركة حلب معركة صعبة على المعارضة نتيجة حاجتها للقتال على عدة جبهات من جهة الأسد ومليشياته، ومن جهة أخرى تنظيم داعش، ومن جهة ثالثة قوات سورية الديمقراطية، وهكذا نوع من المعارك يحتاج إلى تمرس وسلاح نوعي ودعم غير محدود، وإذا تمعنا في كلمة “دعم” وقارنا بين القوى الداعمة لكلا الطرفين فإننا نلاحظ عدم تكافؤ، فشتان ما بين من تدعمه أمريكا وروسيا وبين من تدعمه تركيا والسعودية، وبهذه الجبهات الثلاثة استطاع النظام وأعوانه تشتيت قوة المعارضة ودفعها قسراً للمحاربة على الجهات الثلاث، وفي هذه الأجواء الملتهبة وتلك المعارك الطاحنة لم يبق لثوار المعارضة متنفس إلا طريق اسمه “الكاستيلو” شمال حلب ويعدّ الطريق طريق الإمداد الوحيد وعصب الحياة الاقتصادي لإحياء حلب الشرقية.

ومن أجل هذا الطريق يخوض الطرفان أعتى المعارك وأشرسها..

أطلق الفرس على هذه المعركة “قطع الأذرع” بينما أطلق الثوار عليها معركة “كسر الحصار” وكما ذكرنا آنفاً فإن المعركة غير متكافئة لا لقوة النظام، وإنما لدخول سلاح الطيران الروسي في المعركة، والذي يحاول إثبات جبنه لا قوته للعالم، وذالك من خلال إلقاء القنابل المحرمة دولياً من عنقودية وفوسفورية ونابالم، فضلاً عن التسليح النوعي للحرس الثوري الفارسي وأعوانه.

أما سلاح الثوار لا يتعدى الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقليل من الثقيل ، ولكن العقيدة القتالية لكلا الطرفان شاسعة فشتان بين من يقاتل دفاعاً عن أرضه وعرضه، وبين من يقاتل من أجل حفنة من المال.

ومع كل هذا الضغط على المعارضة السورية، لم يتحرك المجتمع الدولي على الرغم من مئات الغارات الجوية على حلب، التي دمرت الأخضر واليابس، والتي ستؤدي إلى أعظم كارثة إنسانية سيشهدها التاريخ، إن لم يتدخل المجتمع الدولي برد الظالم عن ظلمه، ولا نقصد هنا المجتمع الدولي ممثلاً بأمريكا التي تساند الأنظمة الإجرامية، ولا الصين وروسيا حليفتا الأسد، ولكن نقصد مجموعة الدول التي مازال عندها ذرة من الإنسانية التي تتبجح بها كل يوم.

تخيلوا أيها السادة لو قطع هذا الطريق أمام أعين العالم المتحضر ماذا سيحدث؟!

سيحاصر أكثر من 350 ألف إنسان في الأحياء الشرقية لحلب، وسنكون أمام أزمة إنسانية خانقة، تعرض آلاف الأطفال للموت جوعاً، فضلاً عن الجانب الصحي الذي سيجبر الكثير على الموت قسراً نتيجة نقص الدواء، ولن تجدي في تلك الأثناء مناشدة النظام وأعوانه على فك الحصار, فهذا المجتمع المتعفن الذي سقط في كل اختباراته بإدخال علب الحليب إلى أطفال داريا، سيعجز عن إدخالها إلى حلب، وهذا النظام الذي استهزأ وسخر وسرق المعونات من الغوطة الشرقية أمام أعين الأمم المتحدة، سيسرقها مرة ثانية وثالثة وعاشرة.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بشدة.. كيف لهذا النظام المتهالك أن يضع رأسه برأس الأمم المتحدة؟!

والجواب بمنتهى البساطة هذا مرده إلى الفيتو الصيني الروسي الذي يرفع الكرت الأحمر بوجه المجتمع الدولي كلما حاول وضع حد لمجازر الأسد من جهة، ومن جهة أخرى جهات داعمة لعبت تلاعبت بفصائل عسكرية على بعض الجبهات، ما كان له الأثر الأكبر في حصار حلب الجزئي حيث قام النظام بنقل الكثير من عدته وعتاده من مناطق هادئة إلى مناطق حلب.

ومن أجل أن لا تسقط حلب فالجهود الفردية لا تكفي، وإنما نحن بحاجة إلى تضافر الجهود الجماعية من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من حلب، إلا إذا أرادت الأمم المتحدة  تكرار نفس السيناريو التي لعبت بطولته في حمص، عندما قام النظام بمحاصرة 700 من ثوار حمص ثم أجبرهم العالم على الخروج من حمص في صفقة مفضوحة، بادعاء المجتمع الدولي بإيصال المساعدات إلى المناطق المحاصرة.

وجل ما نخشاه تكرار المشهد ومحاصرة حلب، ومن ثم إجبار مقاتليها على الخروج منها بحجة إيصال المساعدات إلى المدنيين في لعبة مكشوفة لتسليم حلب إلى الأسد.

ولا بد في النهاية أن نوجه رسالتان، الرسالة الأولى للمجتمع الدولي الذي أصبحت سمعته على المحك، ولا بد له من إيجاد أوراق ضغط على الأسد وأعوانه للكف عن قصف المدن ومحاصرتها.

والرسالة الثانية لثوار حلب خاصة، وسوريا عامة، نقول فيها “على الثوار أن يفهموا أن المعادلة اليوم ليست معادلة سلاح فحسب، بقدر ما هي معادلة صدق وإخلاص وتصحيح للمفاهيم وإنهاء كل أنواع الخلاف والتشتت والفرقة التي أوهنت جسد الثورة، وأنه لا تزال هناك فرصة لتصحيح مسار الثورة التي انحرفت عنه، وعودة الروح إلى كل الجبهات بما فيها جبهات حوران فإن لم يكن كذالك سيجلس كل طرف ليوقع منفرداً اتفاقية ذل مع الجلاد.

 

أمية برس

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع