..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

أسئلة المؤمنين (5) كيف يكون في الشر خير؟

مجاهد مأمون ديرانية

٢٦ ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2865

أسئلة المؤمنين (5) كيف يكون في الشر خير؟
مأمون010.jpg

شـــــارك المادة

فهمُ هذا السؤال أصعب من جوابه، فإننا لن نستطيع معرفة الجواب إلا بعد الإجابة عن السؤال الأهم: ما الخير وما الشر؟

زعموا أن حكيماً صينياً عاش في زمن مضى وكان عنده جواد من أجود الخيل قاطبة، ثم أصبح ذات يوم فإذا بباب الحظيرة مكسور والجواد مفقود. وجاء أهل الضّيعة يواسونه، فقال: في أي شيء تواسونني؟ قالوا: في فَقْد الجواد. قال: وما أدراكم أنه شر؟ فعجبوا منه وتركوه. ثم رجع الجواد إلى صاحبه بعد حين، فجاء القوم يهنئونه. قال: في أي شيء تهنئونني؟ قالوا: في عودة الجواد الضائع. قال: وما أدراكم أنه خير؟ ثم إن ولده الشاب امتطى الجواد فجمح به فسقط وكُسرت رجله، فجاء القوم يواسونه في مصابه. قال: ما أدراكم أنه شر؟ ثم قامت حربٌ فجُمع الشباب من القرى وسيقوا إلى ميادين القتال فمات كثيرون، وتُرك الشاب بسبب رجله الكسيرة فنجا، فجاء أهل الضيعة يهنئون الحكيم بنجاة ولده، فقال: وما أدراكم أنه شر؟ قالوا: دعوه فإنه مجنون.

*   *   *

لا، ما بالرجل جنون، إنما هو باحث عن جواب السؤال الذي حيّر العوامّ والحكماء: ما الشر وما الخير؟

ربما قال بعض الناس: الشر هو ما نحسّ أنه شر بالحدس والعقل. يردّ ربنا تبارك وتعالى على هذا التعريف بقوله: {لا تحسبوه شراً لكم، بل هو خير لكم}. يقولون: الخير ما نحبه والشر ما نكرهه. نقول: فأين تذهبون بقوله تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم}؟ يقولون: فليكن الخير إذن هو ما امتلأت نفوسُنا باليقين الجازم أنه خير حتى ألححنا على الله بسؤاله. نقول: حتى هذا المبلغ الجازم من اليقين بأن ذلك الأمر خير وذاك شر لا يُسلَّم لصاحبه، واسمعوا قول الرب الحكيم العليم: {ويَدْعُ الإنسان بالشرّ دعاءه بالخير، وكان الإنسان عَجولاً}.

كيف إذن؟ أعود إلى ما صَدّرتُ به هذه السلسلة من المقالات: لن يجد المرء الجواب المطَمْئن إلا من داخل الدين، فمَن آمن بالله ورسوله وكتابه وجد الاطمئنان واليقين، ومن لم يؤمن لن يطمئنّ أبداً. المؤمن وحده هو الذي يطمئن إلى اختيار الله له، فإنه يقرأ قوله عز وجل: {وعسى أن تكرهوا شيئاً...} ثم يقرأ بعدها: {والله يعلم وأنتم لا تعلمون} فيتوجه إلى الله بالشكر الممزوج بالرضا والاطمئنان.

*   *   *

لو أن امرءاً في سوريا فقدَ في هذه الأيام بيته ودكانه فإنه سيأسَى لا محالة، وسوف يخاطب ربه فيقول: لماذا ابتليتني بهذا البلاء يا رب؟ وسوف يقول أكثرَ منه مَن فقد ولده، ولن يشكّ كلاهما في أن ما أصابهما شر محض لا خير فيه. لكن الله يعرض علينا في كتابه الكريم وجهة نظر أخرى، إنه يقول لنا إن تخريب السفينة خير وإن قتل الغلام خير. فأما أصحاب السفينة فلا شك أنهم أسفوا لمّا خُرقت سفينتهم، لكنهم سرعان ما اكتشفوا السرّ فحمدوا الله، فقد سلمت السفينة من المصادرة بذلك العيب الهيّن، وهو عيب يسهل إصلاحه وتبقى لهم السفينة، ولو صادرها الملك الظالم الذي كان يسعى وراءهم لفقدوها فَقْدَ الأبد. وأما والدا الغلام فلم يدركا السر فعاشا في أسف على فراق الولد، ولو أيقنا أن الله لا يختار لهما إلا الخير لرضيا بقضائه وحمداه في كل حال.

لا بد أن ينكشف الغطاء -آجلاً أو عاجلاً- فيظهر للناس أن كثيراً مما يرونه شراً إنما هو في حقيقته خير، ولكن أكثر الناس لا يصبرون. ولو أنهم صبروا لرأوا الخير الكامن في الشر الظاهر فشكروا عليه الله، ولكن أكثر الناس لا يشكرون. كثير من الشر الظاهر يبدو خيرُه لنا في هذه الدنيا ولو بعد حين، ولا بد أن تبقى حوادثُ لن يعرف أصحابُها وجهَ الخير فيها حتى ينكشف الحجاب الأخير، في يوم تجتمع فيه الخلائق بين يدي الله فيوفَّى الصابرون على البلاء أجرَهم بغير حساب، بغير حساب يا أيها المؤمنون.

*   *   *

كثيراً ما تكشف الأيام في هذه الدنيا أن الشر الذي حسبه الناس شراً لم يكن في حقيقته إلا خيراً مُدَّخَراً مؤجَّلاً، ولعل واحداً من أهم أوجه الخير التي يشتمل عليها كل ضر وشر يصيب الناس هو دفعهم إلى الإيمان وإعادتهم إلى الله، فإن الله الذي خلق الخلق رجا لهم الهداية ولم يحبّ لهم العذاب: {ما يفعلُ الله بعذابكم إنْ شكرتم وآمنتم؟} فأرسل الرسل والكتب لدعوتهم إلى الحق وإقناعهم به، فمَن أبى وثبت على الكفر ونسي الله ابتلاه الله بالضر ليذكّره به ويعيده إليه.

هذا هو تفسير ما يصيب المرء من بلاء إذا نسي ربه: {وإذا مسّ الإنسانَ ضُرٌّ دعا ربه منيباً إليه} وهو تفسير ما يصيب المجتمع كله إذا انحدر إلى الجحود والبعد عن الله: {وإذا مَسّ الناس ضرّ دعَوا ربهم منيبين إليه}. واقرؤوا إن شئتم قوله تعالى: {ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضرّاء لعلهم يتضرعون}.

اللهم أعنّا على ذكرك وشكرك. اللهم إنا نسألك العافية من البلاء والضراء، فإذا ابتليتنا فاجعلنا من الصابرين الشاكرين يا رب العالمين.


 

الزلزال السوري

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع