محمود عثمان
تصدير المادة
المشاهدات : 3272
شـــــارك المادة
قُتِل البارحة (ليلة السبت – الأحد) أحد عشر مدنيًا سوريًا، سبعة منهم أفراد عائلة واحدة، معظمهم من النساء والأطفال، فيما أُصِيب ثمانية آخرون، جراء إطلاق عناصر من حرس الحدود (الجندرمة) التركي النار عليهم، أثناء محاولتهم عبور الحدود نحو الأراضي التركية، قرب بلدة خربة الجوز، بريف مدينة جسر الشغور، شمال غربي مدينة إدلب السورية.
الائتلاف الوطني السوري أدان على لسان نائب رئيسه سميرة المسالمة، التي سمتها بـ"الجريمة البشعة"، ثم تبع الائتلاف بالإدانة والاستنكار حركة أحرار الشام، وعدد من فصائل الجيش الحر، وكانت منظمات أممية وإنسانية سبقتهم إلى إدانة "التصرف التركي"، في حين طالبت منظمة "أطباء بلا حدود" الحكومة التركية بفتح حدودها أمام آلاف الهاربين من الصراع الدائر في سورية.
وكانت الحكومة التركية قد أغلقت معابرها الحدودية المقابلة لسورية منذ نحو عام ونصف العام، وشددت الخناق خصوصًا بعد توقيعها على اتفاق اللاجئين مع الاتحاد الأوروبي، حيث منذ ذلك اليوم لم تسمح تركيا إلا بدخول الحالات الإنسانية الحرجة، وطواقم المنظمات الطبية والإنسانية.
تجدر الإشارة إلى أنّها ليست المرة الأولى التي يسقط فيها نازحون سوريون بنيران حرس الحدود التركي، فقد وثّق ناشطون مقتل ما لا يقل عن خمسين شخصًا في الأشهر القليلة الماضية، كما يجب التنويه إلى أن تركيا تستقبل نحو مليونين ونصف لاجئ سوري، يقيم معظمهم خارج المخيمات الحدودية، ويتلقون اهتمامًا ورعاية في المجال الطبي والتعليمي من الحكومة التركية... وجدير بالذكر أيضًا أن ما تقدمه تركيا للسوريين واللاجئين منهم على وجه الخصوص، ربما فاق ما قدمته دول العالم مجتمعة، وأن تعامل الأتراك –عموما- مع السوريين، سواء كان على الصعيد الشعبي أو الرسمي، هو الأفضل على الإطلاق، ولا يمكن وصفه إلا بالتعامل الحضاري الراقي.
محاولات العبور عبر الشريط الحدودي نحو الأراضي التركية لم ولن تتوقف، طالما استمرت إدارة الرئيس أوباما في تعطيل إقامة المنطقة الآمنة التي تحمي المدنيين السوريين من غائلة قصف الطيران الحربي الروسي وطيران بشار الأسد، وسيتمر النازحون بالمخاطرة بأرواحهم طالما استمرت سياسة الأرض المحروقة التي ينتهجها العدوان الثلاثي، الأسدي – الإيراني- الروسي ضد الشعب السوري.
كل من وزارة الخارجية التركية ورئاسة الأركان التركية أصدرتا بيانا، نفتا فيه أن يكون حرس الحدود (الجندرمة) قد أطلق النار على نازحين قادمين من الأراضي السورية يوم الحادثة!.
قوات الجندرمة من طرفها، أوردت في نشرتها اليومية الروتينية توضيحا لما حدث ليلة البارحة السبت – الأحد، قالت فيه إن مجموعة من المهربين جاءت من جهة الأراضي السورية، قامت بالتسلق على الجدار الفاصل، وقص الأسلاك الشائكة من أجل العبور للطرف التركي، وقد تم التعامل معها كالعادة، وإرجاعها إلى الجهة التي أتت منها!.
من خلال المتابعة والمقارنة نجد البيانات الصادرة عن رئاسة الأركان التركية، وقيادة الجندرمة خصوصا، دائما تشير البيانات وبشكل شبه روتيني إلى أن مجموعة من المهربين جاءت من الطرف السوري، بحوزتها بيدونات محروقات، ومواد للتهريب، تم إطلاق قنابل مضيئة، وبعد تنبيهها باللغتين التركية والعربية، تم إطلاق عيارات نارية في الهواء لتخويفها فلاذت بالفرار.
بيان قيادة الجندرمة هذه المرة خلا من كل هذه التفصيلات، لا قنابل ضوئية، ولا نداء باللغتين، ولا عيارات تحذيرية في الهواء... في وقت أشارت فيه جميع المصادر إلى أنّ حرس الحدود – الجندرمة - التركي فتح النار على اللاجئين بشكل عشوائي، ممّا أدّى إلى مقتل تسعة أشخاص منهم على الفور، وإصابة ثمانية آخرين بجراح.
من الواضح أن جميع البيانات المذكورة أعلاه لم تقنع رئاسة الجمهورية، مما دفعها إلى إصدار أوامرها لوالي هاتاي، وقيادة الجيش بفتح تحقيق بالحادث.
ثمة خلل كبير وفجوة لا يستهان بها بين الأوامر والتعليمات التي تصدر من أنقرة وبين ما يتم تنفيذه على الأرض... وقد كنت أشرت في مقالات سابقة إلى حالة من التمرد الخفي لدى بعض كبار مسؤولي الدولة ضد سياسات الرئيس أردوغان، وطالما اشتكى أردوغان من تسلط هذه الطبقة المسماة -Bürokrat- وهذا ليس بجديد، فقد اشتكى منها قبله جميع الرؤساء والوزراء من لدن الرئيس تورغوت أوزال إلى الرئيس أردوغان، إلى رؤساء الوزراء الذين سعوا للتغيير. إذ شكل هؤلاء حاجز الصد الأول ضد عمليات التغيير والخروج عن السياسات النمطية لتركيا القديمة.
عودًا على بدء... من الذي قتل النازحين السوريين؟
الرئيس الأمريكي أوباما الذي وعد الأتراك بالموافقة على المنطقة الآمنة، ثم نكص بجميع وعوده؟
أم الرئيس الروسي بوتين الذي جاء بقضه وقضيضه، وبدأ يمطر السوريين بحممه القاتلة صباح مساء، محرقًا الأخضر واليابس؟
أم الإيراني الذي فتح معسكرات تفريخ القتلة على أرضه، يجمع المرتزقة من العراق وأفغانستان وكوريا، يدربهم على السلاح، ثم يأتي بهم ليقتلوا السوريين؟
أم الاتحاد الأوروبي الذي يجلس متفرجا على المجازر في سورية، وعندما جاءه بضعة آلاف من النازحين السوريين، ضاق بهم ذرعًا، وأغلق في وجوههم حدوده؟
أم السفاح القاتل المجرم بشار الأسد، الذي قتل مليون سوري، وشرد أكثر من عشرة ملايين؟
أم شبكات التهريب التي تعتاش على مآسي المشردين، وتقتات من مصائبهم، فتأخذ أموالهم وتتركهم عرضة للموت قنصًا في اليابسة أو غرقًا في البحر؟
أم تركيا التي اتخمت بالمهاجرين من سورية والعراق، وغيرها من البلاد التي تعاني من القلاقل والحروب؟
أم تركيا المستهدفة في أمنها ووحدة أراضيها؟
أم تركيا التي تدفع ثمن مواقفها مع المظلومين والضعفاء، دمًا وإرهابًا وتفجيرات؟
أم تركيا التي وقفت مع الربيع العربي وأيدت ثوراته؟
صحيح أن قتل الأطفال والنساء جريمة بكل المقاييس والأعراف والقوانين، لا عذر يبررها، بل يجب التحقيق الفوري فيها، ومعاقبة جناتها بأقسى عقوبة يستحقونها... وصحيح أن الجمهورية التركية أكبر من أن يعبر عن سياساتها مراسل صغير في وكالة أنباء، ذهب يخاطب السوريين بفوقية وعنجهية، ويلوم بدل الجلاد الضحية... لكن الجدير بالإدانة والاستنكار أولا، هو تلك الحملة الشعواء الظالمة ضد تركيا... والتي بدأت قبل الحادثة، تارة بحجة الفيزا، وبفتح المعابر تارة أخرى... حملة تولى كبرها محافل وقوى إقليمية ودولية، هدفها الأساس إقصاء تركيا وإبعادها عن مسرح الأحداث وخصوصا في سورية والعراق... هذه المحافل لا تريد لتركيا خيرا، ولا للثورة السورية نصرا... لكن للأسف الشديد فقد خدع ببريقها أقوام كثر، بحسن نية أو بسوء طوية.
ترك برس
عدنان أمامة
محمد عمار نحاس
إميل خوري
خير الله خير الله
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة