مجاهد مأمون ديرانية
تصدير المادة
المشاهدات : 2950
شـــــارك المادة
السؤال عن الشرّ واحد من الأسئلة المبكرة التي طرحها الذهن البشري منذ استوطن آدمُ وذريته هذا الكوكبَ المليء بالشرور، وهو سؤال اشتغل به الفلاسفة منذ ثلاثة آلاف عام ولم يجدوا له جواباً كاملاً إلى اليوم، ولا يبدو أنهم سيجدون. لماذا؟ لأنهم يبحثون في المكان الخطأ. إنه سؤال كان ينبغي على الفلسفة رد النظر فيه "لعدم الاختصاص"، لأن جوابه يوجد في عالم آخر غير عالمها، إنه عالم الدين.
لقد كان نيوتن واحداً من أعظم الفيزيائيين، وربما كان أعظمَ فيزيائيّي الأزمنة كلها على الإطلاق، ولو أنه سُئل عن الطبيعة المزدوجة للضوء (جُسَيم-طاقة) فإنه سيقول: "الجواب ليس عندي، إنه ليس في قوانيني، اذهبوا فابحثوا عنه عند آينشتاين". هذا الجواب لا ينتقص من عبقرية نيوتن ولا من علمه وقوانينه، ولكنه يعترف فحسب بأن منظومة قوانينه "الكلاسيكية" التي استطاعت أن تفسر عالماً كبيراً من الموجودات تقف عاجزةً عن تفسير عالم الكائنات الدقيقة، فعندما يصل الأمر إلى الفوتونات والبوزونات والكواركات والأجسام تحت الذرية تتوقف قوانين نيوتن عن العمل وننتقل إلى قوانين أخرى تقدمها فيزياء الكم ونظرية آينشتاين.
الأمر نفسه يُقال عن الحياة. {وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تُمْنى}: في تلك اللحظة وُجد كيان مادي لإنسان سيعيش في الدنيا ما شاء الله له أن يعيش. {حتى إذا جاء أحدَكم الموتُ توفّته رسلنا وهم لا يفرطون}: في تلك اللحظة انقطع وجوده المادي على الأرض. بين اللحظتين تقدّمُ المعارفُ الطبية والعلمية والفلسفية للإنسان حلولاً لكثير من مشكلاته، لكنها لا تستطيع أن تتعامل مع الأحداث التي تقع قبل اللحظة الأولى وبعد الثانية ولا تجيب عن أسئلتها: أين كنت قبل وصولي إلى الدنيا؟ أين سأذهب بعد مغادرتها؟ لماذا وُجدت فيها أصلاً؟ هذه "الأسئلة الوجودية" لا يستطيع أن يجيب عنها إلا الخالق الذي خلق الإنسان، ومنها أيضاً سؤال "الشر" المحيّر الكبير.
* * *
قبل أربعة وعشرين قرناً ارتكب الفيلسوف اليوناني أبيقور خطأ كبيراً ما يزال يرتكبه غيرُه إلى اليوم، فقد افترض مقدمتين وخلص إلى نتيجة. قال: إذا وُجد إله كامل فلن يوجد شر. الشر موجود. إذن نستنتج أن الإله الكامل غير موجود.
الخطأ الكبير الذي ارتكبه ذلك الفيلسوف وغيره هو أنهم نسوا أن يسألوا صاحب الشأن، فعنده الجواب. الكون مليء بالشرور؟ نعم. الله قادر عن منعها وتخليص الكون منها؟ نعم. لماذا لم يفعل؟ لأنه لا يستطيع؟ معاذ الله، لا يكون إلهاً قادراً إذن، وهو إله قادر. لأنه يحب الشر؟ معاذ الله، لا يكون إلهاً عادلاً رحيماً إذن، وهو إله عادل رحيم. لماذا إذن؟ نقول لهم: اسألوه، لقد أرسل إلينا كتاباً أجاب فيه عن هذا السؤال وعن غيره من الأسئلة الوجودية الكبرى، فاقرؤوه إن كنتم ترغبون في معرفة الجواب.
قال تعالى في كتابه العزيز: {ونبلوكم بالشر والخير فتنةً، وإلينا تُرجَعون}.
هذه هي العلّة وهذا سبب وجود الشر في الدنيا: إنه فتنة، ابتلاء، امتحان، لأن الدنيا -بالتعريف- هي دار امتحان، فلو خلت من الامتحان لم تكن دنيا أصلاً. إنه امتحان يُمتحَن به الناس جميعاً، فمَن آمن وصبر نجح ونجا، ومن تسخّط وكفر كان من الخاسرين. قال الطبري في التفسير: نبلوهم بما يحبون وبما يكرهون، نختبرهم بذلك لننظر كيف شكرهم فيما يحبون وكيف صبرهم فيما يكرهون، ثم إلى ربهم يُرَدّون فيجازَون بأعمالهم حسنها وسيّئها أجمعين.
لو شاء الله أن يخلق عالماً بلا شر لفعل، ولكن أين الاختبار؟ إن الحياة القصيرة التي نحياها في الدنيا هي إعدادٌ لما بعدها من حياة طويلة خالدة، حياة ممتدة من الشقاء أو حياة ممتدة من النعيم، فكيف يُعرف مَن يستحق الشقاء ومن يستحق النعيم؟ ثم إن النعيم درجات وطبقات، فكيف يُفرَز الناس وكيف يوزَّعون بين الدرجات والطبقات؟ إنها كالشهادة التي يحملها المرء بعد امتحان الثانوية العامة (البكالوريا)، فمَن حاز الدرجات العُلى دخل أفضل الكليات وعمل من بعدها في أفضل المهن وأكثرها دخلاً ووجاهة، وكلما قلّت درجته في الاختبار هبطت درجته في الكلية والوظيفة، حتى نصل إلى أقل الدرجات وأدنى الطبقات.
هذا هو السر، فمَن أدركه كان الشر خيراً له ومن لم يدركه كان الخير شراً عليه. إن الحياة كلها امتحان بخيرها وشرها وهي مقدّمة لما بعدها، وما بعدها هو الحيوان، الحياة الطويلة الخالدة التي لا نهاية لها ولا زوال؛ قال تعالى: {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم} وقال: {وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو، وللدار الآخرة خيرٌ للذين يتقون، أفلا تعقلون؟} وقال: {وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب، وإن الدار الآخرة لهي الحَيَوان لو كانوا يعلمون}.
اللهم اجعلنا من الذين يعقلون ويعلمون فيعملون ويصبرون ويشكرون، اللهمّ اجعلنا من الناجين الفائزين في دار النعيم.
الزلزال السوري
أحمد موفق زيدان
المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
الطاهر إبراهيم
عبد الوهاب بدرخان
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة