إبراهيم الصياد
تصدير المادة
المشاهدات : 3180
شـــــارك المادة
استمرار الأزمة السورية يعكس إشكالية لا يواجهها العرب وحدهم بل العالم كله لأنها أزمة في واقع الأمر ارتبطت بعدد من المشكلات الإقليمية التي أدت تداعياتها إلى تفجر أزمات تلو الأزمات. وبناء عليه يمكن القول إن الأزمة السورية تبلورت نتيجة أوضاع نحصرها في ثلاثة متغيرات مرتبطة.
أولاً؛ عدم قيام النظام السوري من بداية الأزمة في عام 2011 بعملية احتواء للمشكلات في مهدها، فقد ترك الأمور تتفاقم إلى حد خلق حالة تناقض رئيسي في الإقليم السوري نتيجة استخدام العنف في مواجهة المعارضة لنظام حكم بشار الأسد. وهو الأمر الذي أدى إلى خلق تيار قوي مثَّل تهديداً مباشراً للنظام الذي انتقل من العنف المحدود إلى استخدام المزيد من العنف اللامحدود.
ثانياً، فقدان السيطرة أدى إلى خروج الموقف في النهاية عن حدود الاتفاق على الحل، ولم تفرق بعض الأطراف في التعامل مع الأزمة السورية بين النظام الحاكم والشعب السوري من ناحية، أو أنها خلطت بين المعارضة والشعب السوري من ناحية أخرى، ما ترتب عليه وجود تناقضات خطيرة في المواقف الإقليمية والدولية تجاه تطورات الأزمة السورية.
ثالثاً؛ تراوحت التناقضات في إدارة الأزمة بين تناقضات رئيسية أثَّرت في صنع القرارات، وتناقضات ثانوية أدت في شكل أو آخر إلى توقف عجلة الحياة في معظم المدن والبلدات السورية، وأصبح المواطن السوري هو الضحية خصوصاً الذي يعيش خارج دمشق حيث يعاني من أزمة فاقت حدود القبول الإنساني.
وهكذا تحولت الأوضاع في سورية إلى درب من المآسي التي تتنافى مع الأعراف الدينية والإنسانية، وتحول هذا الجزء من العالم العربي إلى ما يمكن تسميته أرضاً محروقة يراق على ثراها الدم العربي المسلم. ما يجعلنا نقول إن الضمير العربي والعالمي يتحمل المسؤولية. وبات واضحاً إن إصرار بشار الأسد على الاستمرار في السلطة يؤدي إلى جعل المواطن السوري ضحية له للمرة الثانية ويدفع ثمن جرم لم يرتكبه لأن الإجراءات العقابية سواء من هذا الطرف أو ذاك انعكست بالتبعية على تحميل الشعب السوري وطأة عقوبات من الطبيعي أن عدم وجودها كان سيؤدي إلى التخفيف النسبي من الضغوط الحياتية والكوارث الإنسانية اليومية التي يعانيها السوريون داخل وطنهم.
وبالتالي؛ كان أمراً طبيعياً أن تتعقد المشكلات، بخاصة على المستوى اللوجيستي الذي من المفترض أنه المستوى المتاح والمستمر في كل منطقة ساخنة من مناطق العالم التي تعاني من أزمة ما. فالصراع يتفاقم في شكل يجعل من سورية بيئة طاردة لأي شكل من أشكال الحياة. ومن هنا كانت ظاهرة النزوح الجماعي من الأرض المحروقة، تشكل هرباً من وضع غريب هو في واقع الأمر أصبح «وصمة عار»، ليس فقط في جبين الأمة الناطقة بلغة الضاد بل في جبين العالم أجمع.
فقد تعاملت الجماعة الدولية مع معطيات الأزمة السورية برفض نظام الأسد الذي لم يستجب متطلبات التغيير السياسي - إذا جاز التعبير - والذي ساد المنطقة العربية تحت ما سميَّ ثورات الربيع العربي وتراوح بين التغيير السلمي والتغيير العنيف. وكان بيد بشار الأسد أن يتعامل وفق روح العصر بذكاء وينقذ نظامه من أخطار السقوط إذا كان يضع مصالح شعبه في اعتباره. من هنا تجلى رفض نظام الأسد في الإصرار على إنهاك الدولة السورية المنهكة أصلاً. وهذا جعل المواطن السوري يسقط ضحية مرة أخرى، عندما وقع بين سندان الإرهاب الداعشي، ومطرقة الضغوط الدولية، في لحظة بدا فيها لأي مراقب اختلاط الألوان والتيارات كافة على الساحة السورية لدرجة أنك لم تعد تعرف مَن يحارب مَن.
أما الموقف العربي، فكان من الناحية النظرية في صف الشعب السوري، لكنه عملياً لم تكن لديه المرونة الكافية بخاصة لدى جامعة الدول العربية باعتبارها التنظيم الإقليمي العربي للتعاطي مع الأزمة السورية في شكل يزيل مسبباتها ويبحث عن حلول فاعلة لها. ولكننا وجدناه يلتقي مع الموقف الدولي في نقطة التقاطع التي لا تفرق بين نظام الأسد والشعب السوري، وإن كنتُ أعتقد بأن الحكومة السورية تتحمل قدراً كبيراً من المسؤولية؛ لأنها لم تتجاوب مع رغبة أطراف عربية عدة، من بينها مصر والسعودية، في جعل حماية الشعب السوري والحفاظ على وحدته الوطنية الهدف والمرتكز لأي تسوية سياسية محتملة.
كما أن دخول تنظيم داعش إلى الأراضي السورية قادماً من العراق غيَّر من الموازين وخلط بين المفاهيم وجعل بعضهم ينظر إلى المعارضة السورية على أنها هي داعش. وهنا مكمن الخطر لأن الحقيقة تمثَّلت في أن دخول داعش إلى الأراضي السورية جاء نتيجة طبيعية لسقوط نظام بشار الأسد في منحدر العناد إلى حد المقامرة بحياة شعب بأكمله، ولولا ذلك لأمكن وقف المد الداعشي.
ويبقى السؤال؛ كيف يمكن الخروج من النفق المظلم الذي دخلت إليه الدولة السورية؟
أتصور أنه لا حل للأزمة إلا بتخلي بشار عن أطماعه السلطوية وقبوله بتسوية سياسية مع المعارضة الوطنية تنقذ البلاد ويتم ذلك يضمانة دولية وإقليمية متمثلة في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية التي يجب أن يكون لها صوت مسموع في حل الأزمة السورية التي هي عربية بالأساس، ونحذر من تحويل الشعب السوري إلى شعب من اللاجئين.
كفانا ما حدث في فلسطين؛ لأن الخطر مازال موجوداً حتى برحيل الأسد، ومتمثلاً في الإرهاب الداعشي وشبح تقسيم الدولة الذي يتفق ومخططات خبيثة تحاك ليست فقط في ما يتعلق بسورية، إنما بخريطة العالم العربي ككل، وهذا هو الخطر الداهم الذي تغفل عنه حتى اللحظة إرادة الفعل العربي.
الحياة اللندنية
طارق الحميد
بولنت أرانديتش
حمزة المصطفى
سعد كيوان
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة