نبيل العتوم
تصدير المادة
المشاهدات : 3044
شـــــارك المادة
في الواقع، لا يمكننا فصل ما يحصل في سوريا اليوم على مستوى الفاعلين وعلاقة ذلك فيما يجري على مستوى المنطقة. وما حصل من اتفاقات روسية – إيرانية نتج عنها تخلي طهران عن جزء مهم من نفوذها لصالح الروس، نجم عنه تزويد الحرس الثوري الإيراني بصواريخ إس 300، و توقيع اتفاقيات متعددة في مجالات التسلح والطاقة والنووي والاقتصاد، وصولًا إلى تنسيق غير مسبوق يشوبه الشك للتعامل مع الأزمة السورية. وقد يتساءل البعض عن الرابط بين اتساع إرسال إيران لجيوشها، وتوسع إطار عملياتها العسكرية وما حصل من مستجدات دراماتيكة متسارعة هدفها التضليل بعد إعلان بوتين عن سحب قواته الجوية من سوريا، ثم قيامه بإرسال أسلحة فتاكة جديدة، وعلى رأسها طائرات الهليكوبتر الهجومية، وغيرها من الأسلحة التي ترغب بتجريبها بروية ودون ضوضاء ضد الشعب السوري الأعزل. الروس والإيرانيون يتنافسون بشكل محموم في محاولة تأمين مناطق نفوذ خاصة بهما على الأراضي السورية، من هنا صارت روسيا وإيران تتنافسان لتأمين نفوذيهما من خلال بسط سيطرتهما والتوسع بها بشكل عاجل. وهي برأيي عمليات تنافس استباقية لسيطرة كل طرف على مناطق أوسع لتعزيز وضعه التفاوضي في نهاية المطاف، ولغرض تعظيم مكاسبها؛ تمهيداً لتوقع حدوث أية تسوية سياسية، وأهمية الاستعداد لها في نهاية المطاف. هذه التطورات بين الطرفين لم تبنى جدار الثقة؛ فالأخبار الواردة من طهران تحمل في طياتها بذور الانقسام والتنافس الحاد، والصراع على المصالح، وكيل الاتهامات المبطنة للجانب الروسي. كما أن إمكانات عسكرية هائلة تم تجهيزها للتوظيف من جانب الروس والإيرانيين –على حد سواء– في مشروع المنافسة؛ بل والمواجهة القادمة بين الطرفين، وهو مشروع بات واضحًا وضوح الشمس، حيث يتم العمل على تحضير الأجواء الملائمة للمفاوضات غير الجادة بين النظام السوري والمعارضة، وقد تطول كي لا تنتقل فعلياً إلى الجانب التنفيذي، و بكل تأكيد هناك مشروع مواجهة روسية – إيرانية قادم ستُدخل سوريا والمنطقة بأتون صراع، سيكون على حساب الشعب السوري؛ على افتراض أن الإيرانيين سيجعلون من سوريا أفغانستان جديدة في حال قام الروس بإبرام أية اتفاقيات لا تنسجم مع مصالحهم. قد يعتقد البعض أنّ في الكلام بعض المبالغة والتهويل، وهو أمر قد يصحّ إذا ما كانت روسيا وإيران دولتين راشدتين، إلّا أنه وفي روسيا بات منطق الحرب المقدسة والمصالح القذرة هو المتحكم بالقرارات وصناعتها تجاه ما يجري في سوريا، وفي إيران فإن القومية الفارسية المجبولة بأيدولوجيا الهذيان المهدوي، والطامحة لاستكمال قوس الهلال الشيعي، هي الدافع غير المحدود للتحرك في فضاء الساحة السورية، و على الرغم من أن الخلافات الأيديولوجية والتاريخية بين روسيا وإيران كبيرة؛ لكن ما يجمعهما بالتأكيد هو الكره للإسلام السني المعتدل وأطيافه المختلفة، ومحاولة تصفيته تحت شعار محاربة الإرهاب. وبالعودة إلى موضوع عمليات الجيش الإيراني والروسي، فإنّ المنطقة التي تحصل فيها العمليات، ستساعد كلاً منهما على بناء مجال جيو -استراتيجي خاص به؛ وعليه، فإنّ العمليات العسكرية الخاصة بهما ستتطور بشكل متصاعد شريطة عدم تدمير داعش العدو المفترض للطرفين في هذه المرحلة. أما بالنسبة إلى حوار جنيف فلا شك بأن هناك تفاهماً روسياً – إيرانياً على عدم إنجاحه، إلا وفق مصالحهما، والواضح أنه بات يصطدم بعقبات كثيرة، ومن أبرزها التطورات الميدانية التي أفرزت انتهاكات كبيرة للهدنة، فإسقاط الهدنة تم بدعم روسي – إيراني من خلال دعم جيش النظام في ارتكاب مجازره، ومحاولة استغلال روسيا وإيران لإحداث اختراق وتوسع ميداني بعد استهداف المعارضة، وهو ما يشير إلى مرحلة شديدة التعقيد في التعاطي مع هذه التطورات. وبشأن الوجود الروسي وكثافته النوعية والنارية، اعتبر بعض المسئولين العسكريين الإيرانيين أن فكرة سحب موسكو جزء من قواتها الجوية من سوريا كانت خدعة واضحة يجب التنبه لها، فبوتين – حسب الرؤية الإيرانية -أوعز إلى سحب جزء كبير من المقاتلات النفاثة، بينما عزز من القوة النارية لعدد معتبر من المروحيات، فضلا عن تعزيز إرسال قوات النخبة من المقاتلين المشاركين إلى جانب قوات الأسد، خصوصاً شمال دمشق، وفي تدمر وحمص، وبعض المراكز الحيوية، مما يثير الكثير من التساؤلات. يدرك الإيرانيون أنهم مع الروس يحاربون إلى جانب نظام الأسد، إلا أنهم يلمحون إلى وجود سباق خفي مع بوتين الذي يريد أن يكون فقط هو صاحب القول الفصل في قرارات السلم والحرب، لكن ما هو موقف الأسد من كل ما يجري؟. ما يخشاه الإيرانيون فعلاً هو تفجر الصراع بين الأجنحة السياسية والأمنية والعسكرية داخل النظام السوري على حد سواء، وأن بعضها صار محسوباً بشكل فعلي على الروس بدرجة كبيرة، وينسقون على حساب طهران؛ الأمر الذي سيخرج دولة الملالي خالية الوفاض من كل ما يجري. هذا النوع من الصراع المخفي والمعقد بين حليفي نظام الأسد ”موسكو وطهران” لن يصبَ في مصلحة إيران في نهاية المطاف؛ من هنا تسابق طهران الخطى لتعزيز وجودها الإلكتروني والاستخباري لجمع المعلومات للتجسس على النظام السوري بأجنحته ومؤسساته المختلفة بذريعة حماية النظام، ولكنه في واقع الأمر لكشف خيوط العلاقة بين مؤسسات النظام السوري وموسكو، والمضي في نفس الوقت لنهش أكبر حصة ممكنة من الفريسة السورية، وتعزيز إستراتيجية انتزاع أكبر مساحة نفوذ لتعزيز وضعها التفاوضي في نهاية المطاف، وللحديث بقية.
مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية
وائل مرزا
سركيس نعوم
علي حسين باكير
عماد السيد عمر
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة