زياد الشامي
تصدير المادة
المشاهدات : 5078
شـــــارك المادة
لم تكن المرة الأولى التي تعلن فيها الولايات المتحدة الأمريكية عن رفضها حتى التخفيف من بطش آلة القتل النصيرية الروسية الصفوية التي تحصد أرواح المدنيين السوريين، فقد أعربت أكثر من مرة عن عدم موافقتها على المنطقة الآمنة في الشمال السوري التي اقترحتها تركيا منذ زمن طويل، وهو ما يجعلها شريكة في قتل الشعب السوري شأنها في ذلك شأن طاغية الشام و روسيا وإيران.
وها هو الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" يجدد رفضه -خلال مؤتمر صحفي جمعه مع المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل"- إقامة منطقة آمنة لحماية المدنيين السوريين في مدينة حلب على وجه الخصوص، رغم هستريا القصف النصيري الروسي على المدينة مؤخرا، والذي لم يستهدف إلا الأحياء السكنية المكتظة بالنساء والأطفال، مخلفا مجازر جديدة رغم الهدنة المزعومة!!
وقد علل "أوباما" من مدينة "هانوفر" الألمانية هذا الرفض بقوله: "إنه من الصعب جدا من الناحية العملية تخيل نجاح إقامة "منطقة آمنة" في سوريا من دون التزام عسكري كبير"، زاعما أن رفض حماية المدنيين السوريين: "لا يتعلق باعتراض أيديولوجي من جهته..لا علاقة للأمر بعدم رغبتي في تقديم المساعدة وحماية عدد كبير من الأشخاص.. الأمر يتعلق بظروف عملية بشأن كيفية تحقيق ذلك"...
والحقيقة أن من يتابع المشهد السوري يتأكد له كذب أوباما وتفاهة تعليله، فالمنطقة الآمنة لم تكن تكلف أمريكا سوى الموافقة قبل العدوان العسكري الروسي على سورية، وحتى بعد ذلك فإن أمريكا قادرة على فرض هذه المنطقة لو أرادت.
ولعل أكثر ما يستفز في الموقف الأمريكي الرافض لتوفير بعض الحماية للمدنيين السوريين من آلة القتل النصيرية الروسية، هو استمرارها في التظاهر "بالقلق" من تفاقم العنف –المعروف مصدره- في سورية مؤخرا... ولعلها في ذلك تتقمص دور عمليها على الأمم المتحدة بان كي مون، الذي لم يتوقف عن القلق مما يحدث في دول أهل السنة من قتل وتشريد منذ أن تم تعيينه أمينا عاما لمنظمة الهيمنة الغربية.
كما أن إصرار "أوباما" على ضرورة التوصل لحل سياسي في سورية، مشيرا إلى أنه وجوقته الغربية متفقون على أن الحل الوحيد القابل للصمود هو حل سياسي من شأنه نقل سوريا باتجاه "حكومة" تضم كل الأطراف وتمثل جميع السوريين... لا يقل استفزازا عن قلقه من تزايد العنف هناك مؤخرا... إذ كيف يمكن التوصل إلى حل سياسي إذا كان صبيهم في الشام وداعموه مصرون على الحل العسكري، سواء من خلال عدم احترامهم الهدنة المزعومة، أو من خلال عدم تنفيذهم لأي بند من بنود محادثات جنيف؟!
إنها في الحقيقة أحجية أمريكية غربية مفادها : الحل الوحيد في سورية سياسي ومن خلال التفاوض، مع عدم إلزام النظام النصيري وداعميه بتنفيذ أي بند من بنود هذا الحل المزعوم – فك الحصار عن أكثر من 28 منطقة وإطلاق سراح المعتقلين و...- بل ومع عدم الاعتراض الأمريكي الغربي – إلا بالقلق – على خرق طاغية الشام وأسياده للهدنة وقتلهم للأبرياء أثناء الهدنة المزعومة، و رفض أي مقترح لإقامة منطقة آمنة تمنع استمرار تدفق الدم السوري على مذبح آلة قتل التحالف النصيري الروسي الصفوي.
ليس حل هذه الأحجية مستحيلا، فأمريكا كشفت عن موقفها الحقيقي من طاغية الشام وما يحدث في سورية منذ أن تغاضت عن انتهاك الطاغية لخطوطها الحمراء المزعومة، ومنذ ذلك اليوم وهي تأكد أنها تريد إجهاض الثورة السورية بأي شكل من الأشكال.
ومن خلال ما سبق يمكن الإجابة على تساءل التقرير: لماذا ترفض أمريكا المنطقة الآمنة؟
والأسباب في الحقيقة كثيرة أهمها:
1- أولها أن المنطقة الآمنة تحرم طاغية الشام وداعميه من أهم ورقة ضغط على المعارضة المسلحة والثوار بشكل عام، ألا وهي ورقة قتل المدنيين وتدمير منازلهم وبناهم التحتية، والتي يحاولون من خلالها تأكيد مقولتهم الطائفية منذ بداية الثورة السورية : الأسد أو نحرق البلد.
وفي مقابل ذلك فإن تأمين هذه المنطقة سيرفع عن كاهل الثوار السبب الأهم في انكفاءهم وعدم تقدمهم على جبهات القتال، حيث إن الخوف على المدنيين وتأمينهم يأخذ جانبا كبيرا من اهتمامهم، ويستهلك قدرا لا يستهان به من قوتهم.
2- كما أن المنطقة الآمنة تجعل النظام النصيري وجها لوجه أمام مواجهة الفصائل المقاتلة على أرض الشام، والتي أثبتت الوقائع والتجارب على مدار الأعوام الخمسة أن كلمة الفصل فيها للثوار، ويكفي استعراض الكثير من المشاهد من على اليوتيوب التي تظهر كيف يفر أتباع النظام النصيري ومليشاته المرتزقة من الرافضة أمام ضربات المجاهدين.
3- كما أن المنطقة الآمنة ستخفف من عبء تفاقم أعداد اللاجئين في تركيا، وسيخفف أيضا من تزايد التحرشات الروسية بحدود أردغان، الأمر الذي سينعكس إيجابيا على الثورة بكل تأكيد.
المسلم
مركز جسور للدراسات
أحمد أبو مطر
غسان المفلح
سعد كيوان
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة