..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الأسد إذ يتحدى العالم!

خليل المقداد

١٩ إبريل ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2898

الأسد إذ يتحدى العالم!
المقداد09.png

شـــــارك المادة

قبل أيام أطل علينا نائب وزير خارجية الأسد فيصل المقداد وقد لبس ساعة طبع داخلها رأس سيده، هو تصرف قد يقوم به عوام الناس تعبيرا عن إعجابهم أو حبهم لشخص ما، لكن أن يصدر هذا التصرف عن مسؤول حكومي بمرتبة وزير فهذا شأن آخر، وربما كان القصد منه التأكيد مجددا على عدم المساس بمقام الرئاسة السامي، هو حدث كان ليبدو عاديا لولا أنه قد ترافق مع إنطلاق جولة الحوار الثالثة من اجتماعات جنيف3، وربما هي دلالة على رمزية موقف النظام، وثقته المطلقة بمآلات الحوار، رغم كل الصخب الحاصل، وما تعلنه المعارضة من مواقف تعبر عن تمسكها برحيل الأسد تارة، وقبولها بتشارك الحكم مع أركان نظام الأسد تارة أخرى.

نظام الأسد كان حدد لنفسه يوم الخامس عشر من هذا الشهر، موعدا للحضور إلى جنيف، ضاربا بعرض الحائط كل مواعيد دي ميستورا، لكن وفود المعارضة الخمسة كانت بدأت بالتقاطر إلى جنيف واعتباراً من الحادي عشر من هذا الشهر، فالاستمتاع بالأجواء الربيعية يستحق السفر باكرا وسينسيهم عناء انتظار وفد الأسد وياحبذا لو تأخر وفده أكثر، فحتى وإن لم يحضر وفد الأسد ففي السفر سبع فوائد، لكنها في الحالة السورية أصبحت سبعون.
ستة وفود أُريدَ لها أن تتولى مهمة التلاعب بمصير الشعب السوري، ودماء أكثر من مليون شهيد، و14مليون مهجر، ومليون مصاب، عدا عن الأرامل والأيتام والأعراض المنتهكة، ستة وفود، خمسة منها محسوبة على المعارضة، لكننا قد لا تجد بينهم الا بضعة أشخاص من المعارضين الحقيقيين لنظام الأسد، لا بل إن المتابع لسير الأحداث يكاد يجزم انهم جميعا ينتمون الى نفس المدرسة، مدرسة الانتهازية والعمالة، فمعظمهم من الذين تربوا ونشأوا على يد نظام الأسد، وهم في معظمهم بين تابع للأسد أو لهذه الدولة او تلك.

لو نظرنا الى تركيبة الوفود المشاركة في حوار جنيف فسنجد ان نظام الأسد ممثل بوفد واحد يتألف من 15عضواً، في حين أن المعارضة ممثلة بخمسة وفود يفوق عددهم السبعين عضوا، إلا أنه من الظلم إطلاق لقب معارضة على هذه الوفود، فلا تركيبتها ولا انتماءات أعضائها وتوجهاتهم تؤهلهم لتمثيل الشعب السوري، وهم بهذا أقرب للنظام منهم للمعارضة، وهو ما يعني أن هيئة المفاوضات ليست الممثل الوحيد للمعارضة، فهي ورغم طريقة فرضها على شعبنا، وعملية التمثيل المعتمدة فيها، إلا أنها تبقى أحد أطراف المعارضة المعتمدة، لكنها ليست الوحيدة فهناك ممثلين عن مؤتمرات موسكو والقاهرة والأستانة (15عضواً) كرنده قسيس وقدري جميل وجهاد مقدسي. وهناك نساء دي ميستورا (12عضوة) كديانا جبور وأسماء كفتارو وريم تركماني ومجدولين حسن. وكذلك ممثلين عن قاعدة حميميم الروسية (12عضواً) كـ اليان مسعد وميس كريدي وإيناس الجمال. ويتواجد أيضا ممثلين عن المجتمع المدني (20عضواً) كرامي عبد الرحمن ومازن درويش ورضوان زيادة.

صحيح أن هيئة المفاوضات التي أنتجتها اجتماعات الرياض هي المفاوض الرئيسي لنظام الأسد، لكن دور باقي الوفود لا يقل أهمية عن دور هذه الهيئة فجميع هذه الوفود فرضت نتيجة لتفاهمات دولية وإقليمية ترضي كافة الأطراف، ولعل هذا ما يفسر التناقض والتضارب في تصريحات أعضاء هذه الوفود التي يغني كل منها على ليلاه، وهو ما يعكس حالة التشرذم والضياع الحاصل والذي هو بالمحصلة انعكاس طبيعي لمواقف الدول والجهات التي تقف خلف هذه الوفود.

لقد أريد للمعارضة أن تبدو ضائعة مشرذمة لا قرار لها، وهو ما يسهل عملية اخضاعها وفرض الإملاءات عليها.

كيف يمكن لنا أن نفسر الخطاب الودي الذي تسوقه المعارضة، ممثلة ببعض أطياف مؤتمر الرياض وهيئة التفاوض تجاه روسيا عدوة الشعب السوري، وشريك الأسد في القتل والتدمير، وهل يمكن لعاقل أن يقبل بهكذا مبررات مخزية؟ أليست روسيا هي من يفتك بجميع الفصائل على اختلاف توجهاتها، ودونما تمييز بين إسلامي وغير إسلامي، ولا حتى مدني أو مسلح؟، وهل كانت روسيا لتتمادى في غيها، لو أنها وجدت في أدعياء المعارضة، موقفا حاسما قويا مقاطعا ونابذا لها بدل سياسة الاستجداء المذلة؟

إن من يقبل أن يضع يده بيد نظام مجرم لن يتورع عن وضع يده في يد من سواه!

مسلسل الانبطاح كان مستمرا وعلى كافة الأصعدة، فقد عقد أربعة من ممثلي فصائل المعارضة المسلحة مؤتمرا صحفيا، تحدثوا فيه الى وسائل الإعلام ووجهوا من خلاله رسائل الى المجتمع الدولي، فقدموا أنفسهم كمحاربين للإرهاب، لكنهم لم يتحدثوا عن إرهاب الأسد، ولم يطلبوا دعما لقتاله، بل طالبوا بدعم المجتمع الدولي لهم من أجل قتال تنظيم الدولة الإسلامية، ثم جهدوا في محاولة اثبات وجود علاقة وتعاون بين التنظيم ونظام الأسد، وهم في هذا كالنائحة، فمعظم جبهاتهم مع الأسد هادئة لا يعكر صفوها الا قصف الطائرات التي تحصد أرواح الأبرياء من المدنيين.

من مجمل التصريحات والتسريبات سنلاحظ وبما لا يدع مجالا للشك أن أي حديث عن اسقاط منظومة الحكم الأسدي قد اختفى من كافة النقاشات، وبات الحديث منصبا فقط حول طرق وسيناريوهات تشارك الحكم مع هذه المنظومة، فمن حكومة وحدة وطنية، الى رئيس منزوع الصلاحيات وبثلاثة نواب، وصولا الى هيئة حكم تضم المعارضة مع أعضاء من نظام الأسد، كلُ هذا معلوماتٌ يجري تسريبها، وبطرق خبيثة هدفها دس السم في العسل وعلى مراحل وتقديمه للسوريين بطريقة تجعلهم يتقبلون التسوية التي ستبقي على العصابة الحاكمة، ولكن بعد تطعيمها بوجوه جديدة، من الذين أصبح لديهم تجربة وخبرة في القتل والمراوغة والخداع وتضليل السوريين.

إذ ما معنى ان يصدر تصريح للمسلط عن إمكانية تشارك الحكم مع أشخاص من منظومة الحكم الأسدي، ثم يخرج كبير المفاوضين العلوش مكذبا المسلط، ليعود الزعبي ليؤكد الخبر لاحقا، ثم لماذا يتم تكذيب ما نقله دي ميستورا من مقترحات حول الإبقاء على الأسد مع تعيين ثلاثة نواب له، أما الأكثر مأساوية فهو التصريح الناري الذي خرج به علينا ممثل جيش الإسلام والذي يدعو فيه الى فتح الجبهات وضرب الرقاب، ويؤكد أنه لم يبقى للأسد سوى أربعة أشهر فقط، هل هو تبرير للفشل أم تخفيف للصدمة على الشارع السوري.

تصريحات كبير المفاوضين هذه تذكرنا بحقن المسكنات التي كانت تعطيها لنا الادارة الامريكية على غرار حقنة "أيام الأسد المعدودة".

كل المؤشرات تقول بانه لا تنحي للأسد قبل العام 2017 أي بعد إعادة تأهيل منظومة الحكم الحالية والتأكد من قدرتها على الإمساك بزمام الأمور وهو على الأرجح سيكون نظام محاصصة طائفي على الطريقة اللبنانية الفاشلة في أحسن الأحوال، أما المعارضة البائسة اللاهثة خلف الفتات فقد جعلت من نفسها العوبة بيد الجميع ومطية لهم.

لعل الإضاءة الوحيدة في مواقف الفصائل هي البيان الصادر عن حركة أحرار الشام، الذي أدان مهزلة جنيف والتنازلات التي يقدمها وفد المعارضة وهيئة المفاوضات التي أكدت الحركة على انسحابها منها، بيان الحركة هذا تصدى له العلوش أيضا عندما أكد على تواجد ممثل عن الحركة في جنيف يتم اطلاعه على سير الحوار، وهي محاولة فجة للزج باسم الحركة وتوريطها في كل ما سيصدر عن جنيف، والإيحاء ربما بوجود انقسامات داخل الحركة أو أن البيان الصادر لا يمثلها وهو ما يعتبر انحيازا لموقف لبيب النحاس المشارك في الهيئة.

إن أكثر ما يلفت الانتباه هو السلبية التي يتعاطى بها رعاة التسوية السياسية، فلو استثنينا كل من روسيا وإيران حليفا الأسد، فسنجد أن باقي الدول كالولايات المتحدة الأمريكية ودول الإتحاد الأوروبي وتركيا ومعها الدول العربية يتباكون موجهين أصابع اللوم للأسد، ويتحدثون عن عدم جديته وعرقلته لمساعي إيجاد تسوية للأزمة السورية، وتراهم يتحدثون عن الأسد وكأنه لاحول لهم ولا قوة أو قدرة على مواجهته أو تنحيته، فمنذ متى كان الغرب يلتفت لدول العالم الثالث، وأي عاقل سيصدق أنهم يقيمون اعتباراً لنظام لا يسيطر على أكثر من 15% من مساحة سورية المأهولة بالسكان؟

إنها ازدواجية المعايير التي تبيح التدخل في أي دولة كليبيا والعراق ويوغوسلافيا وكوسوفو وأفغانستان والصومال لكنها تعجز عن إزاحة مجرم، وهي نفس الازدواجية التي سمحت للولايات المتحدة استخدام القنبلة النووية ضد مدينتان يابانيتان دونما مسائلة، ولاحقا تشكيل حلف دولي من أكثر من 60 دولة بحجة مكافحة الإرهاب في سورية والعراق لكنها تقف عاجزة عن منع الأسد من إبادة الشعب السوري وتهجيره، ألم يقلبوا عشرات أنظمة الحكم حول العالم؟

تواطؤ المجتمع الدولي اللاأخلاقي، هو الذي سمح للأسد يظهر بمظهر المتحدي للعالم في حين أنه ليس سوى خائن عميل ومجرم بحق الإنسانية!

الأسد، وفي مقابلة له مع وكالة "ريا نوفوستي" الروسية ونقلتها وكالة "سانا" نهاية الشهر الماضي، ذكر أن الكلام عن هيئة انتقالية "غير دستوري وغير منطقي". له كل الحق في أن يقول ذلك فتنحيه عن منصبه بعد كل ما ارتكبه من جرائم بحق الإنسانية يعتبر كلاما غير دستوري لكن قتل وتهجير شعب أو تدمير وطن هو التصرف المنطقي والدستوري. وهل هي مصادفة أن يختار نتن ياهو ذكرى جلاء المستعمر الفرنسي عن سورية ليعقد اجتماعا في هضبة الجولان المحتلة يعلن من خلاله أنه لا تنازل عن الهضبة بتاتا، وناعتا كافة فصائل المعارضة السورية المسلحة بالمتطرفة متوافقا في ذلك مع تصنيف ربيبه بشار.

كم كنا لنفخر بوجود معارضة على قدر المسؤولية، وعلى مستوى تضحيات الشعب السوري، معارضة لا تنخرط في تسويات مذلة مهينة، أو معارك جانبية لا ناقة لنا فيها ولا جمل، لكنها تخفف الضغط عن عصابات الأسد وإيران وميليشياتهما الطائفية، فالمفاوضات والحرب على الإرهاب جميعها مشاريع كاذبة لا هدف لها سوى تكريس بقاء الأسد رغم كل ما فعله بسورية وشعبها.

من ساعة المقداد ورأس الأسد، الى فضائح وفد حميميم الجنسية، الى مطالبة مازن درويش بحماية الأقليات التي باتت أكثرية، الى تضارب تصريحات وفد هيئة المفاوضات، التي أصبحت أشبه ما تكون بحقن المورفين، وصولا الى مطالبة ممثلي الفصائل المسلحة بالدعم والسلاح، وتقديم أنفسهم كمحاربين للإرهاب الإسلامي، وليس الأسدي الإيراني الروسي، جميعها مؤشرات تؤكد أن الحالة السورية ليست بخير، وباتت بحاجة الى ثورة حقيقية لأنه ما عاد بالإمكان الوثوق أو المراهنة على من رهنوا أنفسهم للكرسي والدولار, فهؤلاء ساعدوا الأسد أن يظهر وكأنه بطل يتحدى العالم.

 

 

أورينت نت

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع