..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

كيف يسقط النظام أكثر مما سقط!

غسان عبود

١٣ مارس ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 5026

كيف يسقط النظام أكثر مما سقط!
عبود 000.jpg

شـــــارك المادة

في الحسابات الدولية والإقليمية الحالية، لا يمكن إسقاط نظام بشار أسد حتى ولو افترضنا أن القوى الدولية جادة بإسقاطه!
لأن أسد الأب، وبعده الولد، على مدى نحو نصف قرن قاما بإجراءات عدة لفك ارتباط سوريا بالتطور الحضاري العالمي، وتحويل سوريا الدولة، من دولة بدأت تأخذ شكلها حديثاً إلى دكان في حارة في قرية نائية.

فمع بداية حكم نظام أسد الأب تم تصفية سوريا من المبدعين في كل المجالات، إما بالطرد أو بالاعتقال أو التصفية الجسدية، وخصوصاً رجالات الدولة السياسيين ورجال المال، بحجج الإقطاع السياسي والبرجوازية وغيرها، وعلى أكتاف المطرودين تأسست دواوين حكم في دول ناشئة عربية عدة كدول الخليج، وهذ أدى لحرمان الدولة من العقول المؤسسة والمطورة.
واستكمالاً لعزل سوريا الدولة حضارياً، ألغى حافظ أسد البنية الحضارية التي بدأت تتأسس حديثاً، كأنظمة السير الحديثة، الترام، والمكننة الزراعية الحديثة، وأوقف تطور نظم إدارة الدولة وعلاقتها مع المواطنين، وأعاد إنتاج وسائل القروسطية في هذه التعاملات.
لنشهد، مثلاً، في القرن الحادي والعشرين، بأم أعيننا الإبقاء على دفاتر السجلات قيد الاستخدام في دوائر الدولة وحتى في المصارف، وتأخير دخول تكنولوجيا التواصل الحديثة مع العالم إلى البلاد ما أمكن، وتأخير دخول الفاكس والإنترنت وتحويل امتلاكهما إلى تهمة لسنوات طويلة، قبل الإفراج عنهما بعدما كان العالم قد استبدلهما بتكنولوجيا جديدة أكثر تطوراً.

لعل أخطر ما قام به نظام أسد الأب والولد هو تدريب الشعب السوري على الحرمان من المواد الضروية والأساسية في حياته لنحو 40 عاماً.
مثلاً، منذ نهاية التسعينيات، اعتاد المواطن السوري أن يبقى شهوراً دون مواد أساسية، كالمازوت والبنزين أو المحارم أو الفاكهة والخضار أو المعلبات الغذائية، وكذلك تحمل غياب الكهرباء لساعات طويلة في القرن الحادي والعشرين، بعد أكثر من مرور 115 عاماً على وصول الكهرباء إلى دمشق، حوالي العام 1890، وإلى عدد من المدن السورية بداية القرن العشرين، وتحمل غياب الماء لأيام عديدة... إلخ
وكذلك تدريب المواطن السوري على تقبل القهر والذل والزج بالسجون بلا مبررات، وضربه وإهانته في الشوارع وفي أماكن عمله وأماكن تنقلاته وأثناء مراجعته لدوائر الدولة بدون أي سبب، إضافة إلى تدريبه على تقبل فقدان حقوقه، وجور المحاكم الفاسدة عليه، وكذلك استخدام اليد الطولى للدولة لأخذ حقوقه وممتلكاته لصالح الدولة حيناً، ولصالح متنفذ ما في كل الأحيان!

الأمر الأخير والأخطر، أيضاً، هو سعي أسد الأب والولد لتعليم المواطن كل حقوق الدولة عليه، وإغفال تعليمه حقوقه على الدولة، عكس كل مجتمعات الكوكب، التي تعتبر الدولة والمجتمع هما الحامي للفرد وحقوقه لتحقيق رفاهيته وإسعاده!
فعلى مدى نصف قرن، زرعا في ذهنية المواطن أنه هو المسؤول عن الدولة والمجتمع وقضاياهم الكبرى والصغرى، وتحميله المسؤولية كاملة بالتضحية بعيشته وهنائه وحتى حياته لصالح الدولة، التي بهذا الشكل تحولت كلها لتمثل رأس النظام الذي أصبح هو الدولة كلها، وبالتالي، أيضاً، تحولت تضحيات الفرد بحياته كلها لصالح بقاء الحاكم الفرد.
لذلك يستغرب بعض السوريين، عندما يقول أحد ممن بات يطلق عليهم بـ "الرماديين"، بعد خمس سنوات من الدمار والقتل والحرمان منذ انطلاق الثورة: "لا يوجد شيء في البلد والوضع طبيعي وعادي"! فعلاً بالنسبة لكمّ من عموم الشعب السوري الوضع لم يتغير، فقط ازداد الضغط أكثر، فقد كان جائعاً وعرياناً ومقهوراً ومهاناً قبل الثورة، لذلك لم يتغير عليه شي فعلاً بعد انطلاقها!

نظام أسد الأب والولد ساقط منذ تأسيسه، لأنه بكل بساطة خارج التطور الحضاري والإنساني، هل يمكن إسقاطه أكثر من ذلك؟ هل يمكن إسقاط الساقط، إلا إذا كان بالإمكان قتل ميت!
هذا ما يفسر كيف أن الثورة السورية، بكل عنفوانها وتطوراتها لم تتمكن من إسقاط أسد ونظامه حتى الآن، لأن أسد لايزال في قصره ولديه قليل من الجغرافيا، والنظام نفسه رغم فقدانه للسيطرة الكاملة على 75% من سوريا ورغم أن سيطرته شبه معدومة على النسبة الباقية، لكنه يعتبر نفسه دائماً منتصراً لأن حدود قصره بقيت له! وهذا ما حدث أيضاً في كل حروبه التي خاضها، فقد اعتبر النظام نفسه دائماً منتصراً، طالما بقي النظام قائماً ورأسه في قصره، فليس مهم لو ضاع جزء من الجغرافيا السورية أو ضاعت كلها حتى!.
وهذا، أيضاً، يفسرعدم تأثير الثورة بفعالية على الليرة السورية. فعلى الرغم من خراب أكثر من 75% من الدولة بقي تأثير ذلك على سعر صرف الليرة كتأثير اصطدام قطار في اليابان على عملة اليابان، والسبب بكل بساطة لأن الدولة تدار اقتصادياً بنظام دكان في قرية، إذا توفرت بضائع في الدكان يبيع صاحبها، وإن فقدت بعض البضائع يبيع ما هو موجود، وإن لم تتوفر البضائع يأخذ صاحب الدكان كرسيه ويجلس أمامه! في حين مثلاً لو فقدت بضع سلع أساسية من متاجر "كارفور" لأفلست هذه الشركة العالمية في اليوم التالي، ببساطة لأن شركة كارفور ضمن النظام العالمي الحضاري المتطور.

لذلك كل ما يطرح من ضغوطات وعقوبات دولية وحلول سياسية لن تفيد شيئاً ولن تؤثر على هذا الدكان إلا كتأثير غياب سلعة ما من دكان  القرية، لأن القرويين تعلموا كيف يجدون البدائل لغياب هذه السلعة، وهنا يستغرب السوريون من المجتمع الدولي عندما يطالب بالحفاظ على مؤسسات الدولة، عن أي دولة يتحدثون وأي مؤسسات إذاً!؟
ليس هناك حل سياسي يمكن أن يسقط أسد ونظامه، لا يوجد إلا حل وحيد لإسقاطه، حل على طريقة القرون الوسطى وما قبلها، كتائب متحاربة تطاله وجيشه فتهزم الجيش وتأخذ قادته إلى منصة الإعدام، وتجتثه كما يجتث مبضع الجراح الورم الخبيث.
الحل العسكري هو الحل الوحيد الناجع والقادر على حل مأساة السورين ومأساة المنطقة برمتها، وإعادة بناء الدولة السورية بكل مؤسساتها بطريقة حضارية تنتمي إلى عالم البشرية اليوم، وبناء نظام أمن ذكي، لا يتدخل في حياة الناس الخاصة ولا يقمعهم بالعصا، ولا يشاركهم أموالهم ويقض عيشتهم ويختصر أعمارهم.
هذان العاملان، فقط، قادران على جعل الدولة السورية، فيما بعد، دولة ديمقراطية، غير قادر، أي شخص أو حزب أو مجموعة بشرية، على الاستحواذ على الحكم وتحويل البلاد مرة أخرى إلى دكانٍ صاحبها شرير ما!
 

 

أورينت نت

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع