محمد زاهد جول
تصدير المادة
المشاهدات : 5490
شـــــارك المادة
بصورة مفاجئة أتت زيارة رئيس الوزراء التركي البروفسور أحمد داود أوغلو إلى إيران يوم الجمعة 2016/3/4، ولا شك أن توتر الأجواء واضطرابها في المنطقة من أهم أسباب هذه الزيارة، والسبب الثاني هو توتر العلاقات الثنائية بين تركيا وإيران، وقد قدمنا أثر توتر العلاقات في المنطقة على العلاقات الثنائية بين تركيا وإيران، لأن توترات المنطقة هي السبب الأصلي للتوتر التركي الإيراني بصفته الثانية، وإلا فإن العلاقات التركية الإيرانية كان يمكن أن تكون ممتازة لولا ما يثار من قبل إيران من سياسات خاطئة أدت إلى حالة عدم الاستقرار في المنطقة أولاً، وإلى استدعاء القوات الأجنبية بدعوة من إيران نفسها ثانياً، عندما لم تستطع إيران معالجة المشاكل التي أوجدتها في المنطقة لوحدها، وظنت أن من جاؤوا لمساعدتها سيكونون مخلصين لها، أو على الأقل متعاونين معها، في حين هم جاؤوا من أجل مصالحهم الخاصة، حتى لو كانت على حساب استقرار المنطقة بما فيها استقرار إيران أيضاً، وهو ما أثار مخاوف إيران وجعلها تحتاج إلى القيادة التركية لمعالجة مشاكل المنطقة بما لا يعود على دول المنطقة بالخسارة ولا الانهيار ولا التقسيم، سواء في الدول العربية التي استدعت إيران أمريكا وروسيا لتساعدها في السيطرة عليها، أو لتقسيم باقي الدول بما فيها إيران أو السعودية أو تركيا أو غيرها.
لقد استدعت إيران أمريكا لمحاربة العراق واحتلاله عام 2003، وهي تظن أنها تنتقم من الحكومة العربية العراقية أيام صدام حسين، وقد شاركت إيران أمريكا في احتلال العراق، وعملت على أن ترث أمريكا في العراق بغض النظر عن المسميات الأمريكية الجديدة لنظام الحكم العراق، الذي أنتجه الاحتلال الأمريكي بتقسيم العراق بدستور المحاصصة بين الطوائف والقوميات، ثم قدمت إيران السلاح والدعم لمقاتلي القاعدة الفارين من أفغانستان لخوض معركة جديدة ضد الاحتلال الأمريكي في العراق على أمل أن يصفو العراق لحكمها وسلطانها وحدها بعد أن دمر لها الاحتلال الأمريكي الجيش العراقي والحكم العربي فيها، ظانة إيران أن أمريكا غافلة عنها، مثل الدول العربية التي بقيت غائبة عن العراق لأكثر من عشر سنوات من التدمير الإيراني الممنهج في العراق، ولكن أمريكا كانت وهي تحارب القاعدة في العراق تدرك أن تسليم كامل العراق لإيران وحدها ليس في مصلحتها، ولذلك عملت أمريكا على إدامة حالة عدم الاستقرار في العراق، وسمحت بتقديم الدعم للعراقين العرب والأكراد، وبالأخص من أهل السنة قبل غيرهم بالقدر الذي تريده أمريكا، فالمصلحة الأمريكية أن يبقى العراق في حالة اضطراب وقتال بين أبناء الشعب العراقي، أي أن كل ما جرى ويجري في العراق هو بسبب أخطاء وأطماع التخطيط الإيراني، وعدم قدرته على مجاراة أمريكا في تدمير العراق والسيطرة عليه لوحدها.
وللأسف فإن إيران لم تتعلم من خطئها في العراق، وأن أمريكا لم تسمح لها بالانفراد بالهيمنة على العراق حتى لو أدى ذلك لقيام أعتى المليشيات والتنظيمات الإرهابية فيه، بما فيها تنظيم داعش وغيرها، فكررت إيران أخطاءها في العراق في سوريا أيضاً، فدمرت سوريا وقتلت أهلها وشردتهم وهي تدعي حماية محور المقاومة، فلو كان هدف محور المقاومة حماية سوريا، فإن التدخل الإيراني قد دمر سوريا أكثر مما لو لم يحميها الحرس الثوري الإيراني ومليشيات حزب الله اللبناني، وتكرار الخطأ نفسه كان باستدعاء إيران روسيا للقضاء على الثورة السورية بعد أن فشلت إيران هي وحرسها الثوري ومليشياتها العراقية واللبنانية من القضاء على الثورة السورية، ولكن الحلول التي تدير بها روسيا سوريا عسكرياً وسياسياً لم تعد ترضي إيران، لأن روسيا مثل أمريكا لا تريد أن تترك سوريا خالصة للنفوذ الإيراني، وتريد حصتها في سوريا والمنطقة حتى لو كانت على حساب إيران قبل غيرها، وهذا الخطأ كررته القيادة الإيرانية في اليمن أيضاً، فما كان لأمريكا أن تتركها تنفرد بحكم اليمن، حتى وهي تساعدها بالانقلاب الحوثي بتاريخ 2014/9/21، لأن أمريكا كانت تقدم لإيران تسهيلات لتوسيع معاركها في الخارج وبالتالي إرهاقها واستنزافها، فكيف قبلت القيادة الإيرانية تكرار أخطائها في العراق وسوريا واليمن وغيرها، والمؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين.
وعندما وقعت روسيا وأمريكا اتفاق وقف الأعمال العدائية في سوريا بتاريخ 2016/2/22 وأن يبدأ الالتزام به بتاريخ 2016/2/26، لم يصدر عن إيران أي موقف سياسي، ولو صدر لكان بخلاف رأي روسيا أولاً، ورفضاً للرؤية الروسية للهيمنة على سوريا أو تقسيمها، وهو ما ترى إيران أنه يهدد مصالحها، وهذا يدل على أن روسيا لم تشاور إيران بالاتفاق مع أمريكا حول اتفاق وقف الأعمال العدائية، أي إن روسيا تجاهلت إيران ووقعت الاتفاق دون أخذ رأي إيران اولاً، وروسيا تطالب إيران أن تخضع لأوامرها واتفاقها مع أمريكا، بحكم ما يأمر به الضباط الروس في سوريا، من السوريين والإيرانيين واللبنانيين للتنفيذ فقط، حتى أظهر بشار الأسد نقده لهذا الموقف الروسي، ونقطة الخلاف الأساسية هو أن روسيا وبالتخطيط مع أمريكا تريد أن تفرض حلاً على السوريين، سواء وافق عليه الأسد وإيران أو لم يوافقوا، أي إن زاوية الاختلاف بين إيران وروسيا آخذة بالاتساع، مما دفع القيادة الإيرانية أن تلتفت إلى الحكومة التركية بنظرة جديدة، ومحاولة تدارس القواسم المشتركة بين إيران وتركيا في المنطقة وفي سوريا.
لقد بادرت الحكومة الإيرانية بتغيير سفيرها في أنقرة الشهر الماضي، وأرسلت سفيراً جدياً رفيع المستوى، ومهمته إصلاح العلاقات الإيرانية مع تركيا، لأن أضرار التدخل الروسي في سوريا لم تقف عند حدود الاعتداء على تركيا، بل بدأت تتمادى على النفوذ الإيراني أيضاً، وبالأخص مسألة تقسيم سوريا بحسب الخطط الأمريكية، وقد اختارت أمريكا روسيا لتنفيذها أو لفرضها بالقوة العسكرية باسم الخطة البديلة، حيث لا إمكانية لوقف إطلاق نار بين أطراف لم تشارك بصناعته، أي أن الخطة البديلة هي الأصل، وروسيا حاولت أن تنكر ذلك في البداية، ولكنها عبرت عن موافقتها عن سوريا الفيدرالية، فهذه القراءة تحمل مخاطر كبيرة على نفوذ إيران في سوريا ولبنان أولاً، ولكنها تحمل مخاطر أخرى قد تشمل خططاً أخرى لإضعاف إيران وتركيا وتقسيمهما أيضاً، حيث أن الأداة المستعملة لذلك هي الأحزاب الكردية الانفصالية الموجودة في العراق وفي سوريا وفي تركيا وفي إيران، وإذا استخدمت الورقة الكردية في إيران فإنها سوف تفتح ورقة الأهوازيين العرب والأذريين والبلوشيين وغيرهم لتقسيم إيران، وقد عبرت القراءات الإسرائيلية والغربية عن رضاها عن نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة في إيران، ورأت أنها تحمل مشروع الصراع الداخلي في إيران، بل تفتيت إيران أيضاً، بينما تجد إيران أن تركيا قد تكون أقدر منها في مواجهة تقسيم تركيا، بحكم أن الوحدة الوطنية في تركيا أقوى، وبالتالي فإن مشاريع التقسيم الخارجية هي أقوى في إيران منها في تركيا، وهذا يفرض أن تواجه الدولتين إيران وتركيا مشاريع التقسيم معاً، ونقطة البداية ومعيار النجاح قد تبدأ من سوريا ومنع تقسيمها، وبالتالي تبدو أهمية التفاهم التركي الإيراني في إيجاد حل سياسي في سوريا غير التفاهم الروسي الأمريكي، الذي قد يؤدي إلى إضعاف تركيا وإيران ودول المنطقة أيضاً بما فيها السعودية ودول الخليج النفطية.
إن النقطة الأساسية التي ينبغي أن يدور عليها الاتفاق التركي الإيراني هو منع استخدام الأحزاب الكردية الإرهابية في تقسيم سوريا أولاً، وبالتالي منع استخدامها ورقة ضغط على الأمن القومي التركي داخليا وخارجيا معاً، أي إن القيادة الإيرانية مطالبة أن تضع يدها بيد القيادة التركية لمنع استغلال الأحزاب الكردية الإرهابية أداة في تقسيم سوريا أو لإضعاف تركيا أو إضعاف إيران، وهذه مسألة تستطيع الحكومة الإيرانية أن تعمل عليها بنفسها بوقف دعمها لحزب العمال الكردستاني في جبال قنديل، ومن خلال التفاهم مع بشار الأسد، الذي يرفض التقسيم في سوريا، وفي المقابل فإن تركيا تستطيع أن تقدم لإيران تعاوناً في حل الخلاف الإيراني السعودي، الذي أخذت السعودية تتخذ فيه خطوات جديدة وجدية وقادرة على إيذاء إيران في المنطقة أولاً، كانت الخطوة الأولى منها عاصفة الحزم في اليمن، والتي كانت ضربة قاصمة للنفوذ الإيراني في اليمن والجزيرة العربية، وقد استثمرت الحكومة السعودية حادثة إحراق السفارة السعودية في طهران بطريقة ذكية لتجميع قوة عربية وإسلامية لمواجهة السياسية الإيرانية في المنطقة، وقد ساعدها على ذلك الأخطاء الإيرانية الطائفية في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها، وقد جاء قرار مجلس التعاون الخليجي باعتبار القاعدة العسكرية الأولى والأقوى لإيران في المنطقة وهي "حزب الله" اللبناني منظمة إرهابية ضربة قوية أخرى ضد النفوذ الإيراني، وقد وافق وزراء الداخلية العرب على هذا القرار السعودي والخليجي في اجتماعهم في تونس بتاريخ 2016/3/2 باعتبار حزب الله منظمة إرهابية في الدول العربية ضربة أخرى لإيران، وهذا سيضع قيوداً كبيرة على حزب الله في لبنان والدول العربية، إضافة إلى أن أمريكا وأوروبا تقومان بمحاصرة "حزب الله" اللبناني عسكريا ومالياً، وليس بمستبعد أن أمريكا تقوم الآن بالتحضير إلى قرار دولي باعتبار الصواريخ الباليستية التي يمتلكها "حزب الله" في لبنان أسلحة محذورة دولياً، وبالأخص فإن حسن نصر الله يهدد باستخدامها سلاحاً شاملاً ضد إسرائيل، عندما هدد بضرب حاويات الأمونيا في حيفا، أي إن حسن نصر الله قدم للمجتمع الدولي اعترافاً بهدفه استعمال أسلحة دمار شامل تقتل مئات الألوف من البشر، وهذا سيجعل وضع الصواريخ الباليستية الإيرانية ولدى "حزب الله" والأحزاب الإرهابية مدانة من مجلس الأمن الدولي، وعليه العمل دولياً على محاصرة من يمتلكها، وفرض عقوبات دولية عليه، بل والسعي لتدميرها من قبل أمريكا والمجتمع الدولي.
هذه القراءة تعني أن إيران بدأت تحصد أخطاءها بسرعة، وأنها قد قيدت نفسها بالاتفاق النووي مع الدول الست، فلا تستطيع أن تعود لتهديد العالم بما تملك من مشاريع أو صواريخ نووية، ولذا فهي تتطلع أن يكون لدى الحكومة التركية تفهما للمشاكل التي تواجهها إيران في المنطقة أولاً، ومع تركيا ثانياً، وبالأخص أن تركيا بحاجة هي أيضاً إلى تعاون إيران معها في إضعاف أو إنهاء مخاطر الأحزاب الإرهابية، التي تعمل ضد تركيا وتقتل شعبها بالتفجيرات الإرهابية، سواء كانوا من حزب العمال الكردستاني أو حزب الاتحاد الديمقراطي أو قوات حماية الشعب، أو ما لدى إيران من نفوذ وتأثير على تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، فهذه القضايا ينبغي التفاهم بها مع إيران، فإذا نجحت لقاءات داود أغلو في طهران فإنها ستكون نقطة البداية الحقيقية لحل مشاكل المنطقة من قبل أهلها، فلا ينبغي رد التعاون مع إيران بدعوى أنها بدأت تكتوي بالنار التي أشعلتها في المنطقة، لأن هذه النار تحرق جميع شعوب المنطقة العربية والتركية والكردية والإيرانية ودولها المسلمة وليس إيران وحدها، وإذا تم التعاون بينهما في إطفاء هذه الحرائق، وإيران تستطيع بالفعل المشاركة في إطفائها، فإن الخطوة التالية ستكون كيف يمكن حل المشاكل في هذه الدول، بقبول إيران عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، ووقف سياستها التوسعية سياسياً، أو التوسعية طائفياً، فهذه السياسات لا يمكن أن تنجح في ظل توحش دولي ينتهز الفرص لإشعال الحروب بين المسلمين وتدمير بلادهم وحسم الصراع معهم حضارياً لصالح الغرب، طالما أن الحضارة المؤهلة للوراثة الكونية تحرق نفسها بنفسها.
الخليج أونلاين
ماجد عزام
طارق الحميد
محمد بيرقدار
المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة