حسين عبد العزيز
تصدير المادة
المشاهدات : 3134
شـــــارك المادة
بعد هدوء نسبي شهدته محافظة درعا، عادت المعارك مؤخرا بين قوات النظام مدعومة بعناصر من "حزب الله" من جهة وفصائل المعارضة المسلحة من جهة ثانية لتحتدم من جديد بعد إطلاق النظام حملة عسكرية في 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي للسيطرة على أهم المدن والبلدات في المحافظة. تتقاسم قوات النظام وفصائل المعارضة المسلحة السيطرة على محافظة درعا، قوات النظام تسيطر على مركز مدينة درعا ومدينة الصنمين وازرع وبلدات المسمية وغباغب ومحجة وقرفا، إضافة إلى الطريق الدولي درعاـدمشق وصولا إلى الحدود الإدارية مع ريف دمشق، والفصائل المعارضة تسيطر على الحدود الإدارية لمحافظات درعا (السويداء شرقا والقنيطرة والجولان المحتل غربا، إضافة إلى المعبرين الحدوديين مع الأردن) فضلا عن سيطرتها على مدن هامة كإنخل ونوى وبصرى الشام. المساحات الأوسع في درعا تخضع للمعارضة، لكن المواقع ذات الأهمية الإستراتيجية تخضع للنظام، خصوصا عاصمة المحافظة مدينة درعا والريف الشمالي للمحافظة على تخوم ريف دمشق، والبوابة الجنوبية الرئيسية للعاصمة دمشق.
خصوصية درعا: لمحافظة درعا خصوصية تختلف عن المناطق الشمالية والشرقية من سوريا، لأسباب كثيرة أهمها: 1ـ قربها من حدود العاصمة دمشق، وبالتالي فإن سيطرة الفصائل المسلحة عليها تعني القضاء على العمق الإستراتيجي الجنوبي للعاصمة دمشق، الأمر الذي سيؤدي إلى نقل المعارك إلى مشارفها، ويصبح ريف دمشق الغربي ساحة الاشتباك مع إمكانية إعادة فتح خطوط الإمداد نحو الغوطة الشرقية، وهذه مرحلة لم تلق حتى الآن قبولا دوليا لعدم وجود قرار بإسقاط النظام عسكريا، وخشية من تغيير مفاجئ في معادلة الصراع يصعب على أثرها التحكم بمجريات الأمور. 2ـ ملاصقتها للأردن، حيث تخشى عمان من اليوم التالي لسقوط المحافظة بيد أحد طرفي الصراع السوري، فمن جهة ترفض القيادة الأردنية سيطرة الفصائل المسلحة على كامل المحافظة نتيجة التباينات الحاصلة بينها، الأمر الذي قد يمنع حصول تفاهمات أمنية بين الأردن وهذه الفصائل، كما يرفض الأردن سيطرة النظام على المحافظة لما قد يؤدي ذلك إلى عملية نزوح كبيرة للمدنيين تتجاوز قدرته، ويضطر إلى التدخل عسكريا لترتيب حدودها العسكرية والإنسانية على السواء، وهي مرحلة قد تضعها على تماس مباشر مع دمشق. وخلال السنوات الخمس الماضية مارس الأردن سياسة الحياد مع الميل أحيانا لهذا الطرف أو ذاك وفق ما تطلبه المصلحة، لكنه بحكم موقعه وقدراته لا يستطيع الوقوف إلى جانب الفصائل المسلحة المعارضة في شكل تام ولا مع الحكومة السورية بشكل تام أيضا. 3ـ ملاصقة محافظة درعا لمحافظتي السويداء والقنيطرة، الأولى لها خصوصية طائفية، والثانية قربها من فلسطين المحتلة، ولذلك لم يكن ثمة قرار دولي بسيطرة الفصائل المسلحة على محافظة درعا، مقابل عدم فتح المجال للنظام للسيطرة عليها، وترك حالة الكر والفر هي السائدة. هذه الأسباب هي التي حالت دون نجاح "عاصفة الجنوب" التي بدأت في نهاية يونيو/ حزيران الماضي واستمرت نحو ثلاثة أشهر تخللها خمس محاولات فاشلة لاقتحام درعا المدينة مع وجود أكثر من خمسين فصيلا مشاركة في العملية، أبرزهم (الجيش الحر، حركة المثنى، جبهة النصرة، أحرار الشام). لا يتعلق فشل "عاصفة الجنوب" بأسباب إجرائية كانسحاب بعض الفصائل، أو غياب التنسيق العسكري فيما بينها، فهذه الأسباب قد تفسر فشل معركة لكنها لا تفسر فشل خمس محاولات لاقتحام درعا، ومن ثم انهيار التحالف الذي أسس للعملية، السبب الحقيقي يعود إلى رفض واشنطن نقل تجربة "جيش الفتح" في الشمال إلى محافظة درعا في الجنوب. الشيخ مسكين: جاء التدخل العسكري الروسي في سوريا لإنقاذ النظام بعد التراجعات العسكرية في أماكن عدة، وأعطى هذا التدخل للنظام السوري الفرصة لفتح جبهات كانت مغلقة أو مؤجلة، كما أدت المتغيرات السياسية التي عبر عنها القرار الدولي 2254 إلى ارتفاع حدة الصراع العسكري قبيل انطلاق الاستحقاق السياسي "جنيف 3" أملا في تحقيق إنجازات عسكرية يمكن استثمارها سياسيا. اختار النظام مدينة الشيخ مسكين كخطوة أولى وضرورية إذا ما أراد تغيير الواقع الميداني في المحافظة، فللمدينة أهمية كبيرة إذ تقع في قلب المحافظة وليس على أطرافها، وتشكل عقدة مواصلات بين درعا المدينة في الجنوب وريف دمشق في شمال المحافظة، ويمر فيها طريق دمشق-درعا القديم، كما تشكل نقطة وصل بين محافظة السويداء شرقا والقنيطرة غربا. وتعتبر المدينة كبيرة من حيث الثقل السكاني وفيها صوامع للحبوب ومواقع عسكرية، ولذلك تشكل أهمية كبيرة على الصعيد العسكري، فهي خط الدفاع الجنوبي عن العاصمة.
ومن شأن سيطرة الجيش السوري على مدينة الشيخ مسكين، أن تمنحه القدرة على التحكم في شبكة المواصلات، وبالتالي عملية الإمداد في مجمل المنطقة الجنوبية (درعا، السويداء، القنيطرة) ومنطقة دمشق ومحيطها، ويسمح ذلك لقوات النظام بالتقدم نحو محيط درعا المدينة، كون مدينة الشيخ مسكين تشكل خط الدفاع الإستراتيجي لفصائل المعارضة المسلحة. وفيما يستميت النظام لإطباق سيطرته على المدينة، تعمل الفصائل المسلحة ما استطاعت للحيلولة دون تحقيق ذلك، وحصل قبل أيام اتفاق بين فصائل المنطقة الجنوبية على مواجهة قوات النظام وداعميها، وأعلنت عدة فصائل من بينها (أحرار نوى، ألوية العمري، ألوية الفرقان، حركة المثنى) عن بدء معركة جديدة لتحرير النقاط التي استولت عليها قوات النظام، وفعلا بدأت هذه الفصائل في الرابع من الشهر الجاري هجوما معاكسا لاستعادة مركز اللواء 82 وكتيبة النيران القريبة من اللواء، وبعض النقاط داخل المدينة. لكن معركة الشيخ مسكين المستمرة منذ 28 ديسمبر/كانون الماضي لن تكون سهلة على الطرفين، فالنظام المدعوم بغطاء جوي روسي كثيف فشل إلى الآن في السيطرة على المدينة بسب قوة مقاومة فيها، وفصائل المعارضة من جانبها ليست في حال تمكنها من استعادة المدينة نتيجة الخلافات الكبيرة بين الفصائل والتدخلات الخارجية، فضلا عن عدم امتلاكها لنوعية السلاح الموجود مع الفصائل في الشمال السوري. ومنذ أيام تجري اشتباكات في محيط اللواء 82 دون أن يتم حسم المعركة لصالح أحد، على الرغم من سيطرة الفصائل على عدد من النقاط، في وقت يبقى مركز اللواء تحت سيطرة قوات النظام. المناطق الحدودية: من الواضح أن النظام لن يكتفي بإعادة السيطرة على مدينة الشيخ مسكين، بل يسعى إلى إعادة تموضع عسكري في مجمل المحافظة، وقد بدأ فعلا بفتح معركة محور المنشية في مدينة درعا، في وقت كثفت الطائرات الروسية قصفها لمواقع تابعة للمعارضة غرب المحافظة تمهيدا لفتح معركة مثلث الموت في ريفي درعا والقنيطرة. وفي حال تمكن قوات النظام من السيطرة الكاملة على الشيخ مسكين وإخراجها من معادلة الصراع، فإن مرحلة جديدة من المعارك ستبدأ نحو إبطع وداعل وعتمان جنوبا قرب مدينة درعا، بعدما أصبحت الطريق نحوهم مفتوحة، كما أن السيطرة على الشيخ مسكين ستمكن قوات النظام من التقدم نحو الطريق الرابط بين بلدتي بصر الحرير ونوى، خزان المقاتلين في المحافظة. وتعتبر بلدة بصر الحرير ذات أهمية كبيرة لقربها من الشيخ مسكين، ولكونها البوابة الشرقية نحو السويداء، وفشل النظام في أبريل/ نيسان الماضي في السيطرة على البلدة وعلى قرى في منطقة اللجاة، من أجل فتح طريق إمداد بين مدينة إزرع ومحافظة السويداء وقطع طريق اللجاة باتجاه ريف دمشق، ويحاول النظام السيطرة على هذه البلدة، وبدأ منذ أيام التمهيد لذلك عبر قصفه بالمدافع لمواقع داخل البلدة.
أما مدينة بصرى الشام في الجنوب الشرقي من محافظة درعا والخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة منذ 25 مارس / آذار من العام الماضي، فأغلب الظن أن النظام لن يقدم على فتح معارك فيها، لسببين، الأول خشية من حصول حركة نزوح كبيرة إلى الأردن، والثاني موقعها المهم كونها حلقة الوصل بين محافظتي درعا والسويداء، ويفضل النظام أن تبقى فصائل المعارضة المسلحة قرب المناطق التي تسكنها الأقليات على أمل وقوع اشتباكات أو خلافات بينهما، كما حدث العام الماضي حين حاولت فصائل المعارضة السيطرة على مطار الثعلة.
على أن المعركة الكبرى بالنسبة للنظام ستكون معركة السيطرة على منطقة النعيمة التي تقع على طريق عمان-دمشق الدولي، وتعتبر ذات أهمية كبيرة كونها الخاصرة الجنوبية لمدينة درعا وملاصقتها للحدود الأردنية، وفيها أحد أهم الرادارات في سوريا المختص بمراقبة حركة الطيران العابرة من الجنوب نحو دمشق. والسيطرة على النعيمة تعني من الناحية العسكرية الوقوف على مشارف معبر نصيب الحدودي الذي يشكل أهمية إستراتيجية في الجنوب، من ناحية الإمدادات العسكرية لفصائل المعارضة، ومن ناحية تأمين طرق العلاج للجرحى، ومن ناحية حركة العبور من وإلى الأردن ليس فقط للمواطنين بل أيضا لقادة ميدانيين. تشكل معركة الجنوب السوري مرحلة متقدمة من مراحل الصراع العسكري بين الأطراف المحليين، وعلى عكس الشمال السوري الذي أصبح ساحة للاشتباك الإقليمي الدولي، تخضع معركة درعا لحسابات دولية دقيقة، ومن خلال نتائج هذه المعركة يمكن استنتاج ومعرفة توجهات المجتمع الدولي للمرحلة المقبلة في سوريا.
الجزيرة نت
أبو مضر
علي حسين باكير
عفيف رزق
جورج سمعان
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة