حسين. ع
تصدير المادة
المشاهدات : 2975
شـــــارك المادة
ليس من قبيل المصادفة أن تسرّب موسكو، في أسبوع واحد، وثيقتين تتعلقان بالصراع السوري. رسالة الكرملين إلى العالم، من خلال الوثيقتين، هي أن روسيا تمسك ببشار الأسد تماماً، وأن لروسيا حصة وازنة في الوقت نفسه بين صفوف معارضيه، ما يقدم لموسكو بدائل عن الأسد لو رأت يوماً أن مصلحتها تقضي باستبداله من الحكم.
وللإشارة، فإنه أصبح واضحا أن الأسد لا يرقى إلى مستوى أبيه، وبدلاً من أن يتلاعب هو بالقوى الإقليمية والعالمية، صارت هي تتلاعب به وبنظامه، وتقوّض سيادته.
كما بات مؤكدا أيضاً أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعمره في السياسة من عمر بشار الأسد، هو أحد أكثر اللاعبين الدوليين حذاقة، وهو تفوق على خصومه في الغرب وأظهر هيمنة على إيران، ولا شك أنه يأخذ من الأسد أكثر مما يعطيه.
الوثيقة الأولى التي سربتها موسكو، وترجمتها صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، تضمنت نص الاتفاقية بين روسيا وحكومة بشار الأسد حول التدخل العسكري الروسي في سوريا، وهي اتفاقية وقع عليها وزيرا دفاع الدولتين في 26 أغسطس الماضي.
وتظهر الاتفاقية أن الأسد وافق تماماً على ما رفضه رئيسا حكومة العراق المتعاقبان نوري المالكي وحيدر العبادي، بتحريض من طهران، لبقاء جنود أميركيين على الأراضي العراقية بعد تاريخ انسحاب القوات الأميركية، والذي تم نهاية 2012.
وقتذاك، حاولت الولايات المتحدة انتزاع بند وحيد لإبقاء أي عدد من القوات الأميركية تتفق عليه مع بغداد، ويقضي بمنح بغداد حصانة دبلوماسية للجنود الأميركيين في العراق، ما يمنع حكومة بغداد من محاسبتهم أمام القضاء العراقي أو حتى مقاضاتهم أمام محاكم أميركية حال ثبت اعتداؤهم على عراقيين.
ما رفضه المالكي والعبادي أعطاه الأسد لروسيا، حسب الاتفاق الموقّع بين البلدين، والذي منح نظام الأسد بموجبه قاعدة حميميم الجوية للقوات الروسية، ومنح الروس حق إدخال وإخراج ما يشاءون إلى البلاد من دون تفتيش سوري أو رسوم جمركية أو ضرائب، كما منح الأسد الجنود الروس حصانة دبلوماسية تتمثل بتخليه عن أي بنود محاسبة ضد أي جندي روسي قد يظهر عدم انضباط، أو يرتكب أي جرائم بحق مواطنين سوريين، ممن يسكنون في المناطق التي يسيطر عليها النظام أو المعارضون.
كذلك، تظهر الاتفاقية الروسية - السورية أن إنهاء التعاون العسكري بينهما يشترط إبلاغ أي من الحكومتين نظيرتها خطياً، يلي ذلك مهلة عام من وقت الإبلاغ لإنهاء التعاون.
وهذا يعني أن الوجود العسكري الروسي مفتوح الأمد، وأنه حتى لو أراد الأسد إنهاءه، حال تمكنه من السيطرة على الأراضي السورية وهزيمة معارضيه، يمكن للجيش الروسي البقاء عاماً إضافياً على الأراضي السورية، مع ما يمنح ذلك موسكو من قدرة على فرض أي ترتيبات تناسبها، بما في ذلك إجبار الأسد على الخروج من الحكم تحت ضغط قوتها العسكرية.
بكلام آخر، فيما سعت وسائل الإعلام الموالية لإيران والأسد على تصوير تدخل روسيا عسكرياً في سوريا على أنه مجاني، نابعا من إيمان بوتين بصحة نظريات وسياسات "محور الممانعة"، يبدو أن تدخل موسكو العسكري المباشر في سوريا، وهو الأول من نوعه للروس في المنطقة في التاريخ الحديث، حوّل الأسد من حليف موسكو إلى تابع لها، أي إن الأسد أصبح بمثابة محافظ يدير أراض تنفق روسيا عليها الأموال وتستثمر فيها عسكرياً ودبلوماسيا لتأمين مصالحها، فيما تأتي مصالح الأسد في الدرجة الثانية.
الوثيقة الثانية التي سرّبتها موسكو هي لائحة بأسماء 15 شخصية سورية "معارضة" قدمتها إلى الأمم المتحدة لتأكيد مشاركتها في مؤتمر جنيف الثالث المخصص لتسوية الصراع سياسيا. وتصدر اللائحة هيثم مناع وقدري جميل وصالح مسلّم وسمير العيطة.
وبينما يحاول الأسد الإيحاء بأنه يخترق المعارضة السورية بهذه الشخصيات، وغيرها، يبدو في الواقع أن موسكو نجحت في إقامة علاقات مستقلة مع هؤلاء، ما يجعل مقدرة الأسد على السيطرة عليهم محدودة، ويتعذر عليه التخلص بسبب الغطاء الروسي.
الوثيقة الأخيرة الناقصة هي لائحة بأسماء ضباط "الجيش العربي السوري"، ممن أقام الروس معهم علاقة مباشرة، خصوصاً منذ بدء التدخل العسكري الروسي في 30 سبتمبر الماضي. هذه اللائحة من الواضح أنها موجودة، وتمثل المسمار الأخير في نعش سيادة سوريا واستقلالية الأسد بقراره، وهي لائحة تتطلب سرية، ولكن لا شك أن روسيا، بتسريبها الوثيقتين، نجحت في إيصال الرسالة إلى المسؤولين في واشنطن وعواصم القرار الأخرى.
العصر
بيسان الشيخ
حازم الأمين
حسان الحموي
أنور مالك
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة