غازي دحمان
تصدير المادة
المشاهدات : 3212
شـــــارك المادة
في عملية إحراق المباني الدبلوماسية السعودية في إيران، والرد عليها من الرياض بقطع العلاقات الدبلوماسية، يكون الصراع بين البلدين قد لامس، ولأول مرّة، خطوط المواجهة المباشرة، بعد أن ظل ولسنوات طويلة، يجري إدارته عبر وكلاء إقليميين وبالواسطة، فهل يمثل هذا التطور نقلة للصراع إلى طور جديد، أم محاولة لإعادة صياغته بما يتناسب والتغيرات في البيئتين الإقليمية والدولية؟.
ليس سرا أن إيران وبعد اتفاقها مع الغرب حول برنامجها النووي وكذلك نجاحها في استدعاء روسيا للانخراط المباشر في الحرب السورية، قد طوّرت رؤية تدخلية ذات طابع اندفاعي وهجومي يتناسب مع ما تعتقده من زيادة في مساحة للدور المسموح لها به في الإقليم، جراء توسيع دوائر علاقاتها الدولية وما تملكه من نفوذ ممتد في الإقليم، والمؤكد أن انتقال إيران إلى هذا الطور كان نتيجة لرفع سقف توقعاتها، بأن المناخ الدولي الراهن في ظل التغييرات الحاصلة في بنية القوة وتوزع الأدوار الجديد، يشكّل فرصة مناسبة لترسيخ نفوذها وتثبيته بشكل نهائي.
من جهتها، لم تكن المملكة العربية السعودية بعيدة عن هذا التغيير لا في إدراك قيادتها السياسية للمتغيرات الدولية ومحاولة إيران الاستفادة منها، ولا في المواجهات العملانية التي كانت تخوضها على أكثر من ساحة في مواجهة التمدد الإيراني، لدرجة يمكن وصف الترتيبات والإجراءات السعودية السياسية والعسكرية في السنة الأخيرة بمنزلة إجراءات مواجهة للمشروع الإيراني، سواء اتخذت تلك الإجراءات شكل تحالفات إقليمية " مثل عاصفة الحزم"، أو على مستوى إعادة بناء العلاقة مع بعض الدول والأطراف والجماعات السياسية الفاعلة في المنطقة، كإعادة تفعيل العلاقة مع تركيا وجماعة الإخوان المسلميين.
وعلى مدار العام الماضي بدا واضحا درجة عنف الاحتكاكات الحاصلة في ساحات الصراع الإقليمية، كما كان لافتا النهوض الحاصل للفريق الذي تدعمه السعودية، وخاصة في سوريا واليمن، وهو ما دفع إيران إلى محاولة مواجهته بمزيد من التنسيق مع روسيا، الذي عدّل موازين القوى بعد أن كانت لغير صالح إيران، وخاصة في الساحة السورية، وهو ما شكل ضغطا جديدا على السعودية والحلف الذي تشكله، غير أن تنسيق إيران مع روسيا أيضا ولّد واقعا جديدا صارت فيه روسيا قوى مقرّرة وعلى حساب الدور الإيراني، وقضما من مساحته.
في ظل هذه الوقائع جاء التوتر الأخير بين الطرفين، فمن جهة يبدو أنه يقع في صلب سياق الصراع بينهما، واستكمالا طبيعيا لصيرورته في ظل عدم توفر آليات لضبطه والتحكم به، ومن جهة ثانية يبدو هذا التوتر وكأنه انعطافة جديدة لهذا الصراع بحيث يشكل هذا التوتر النقطة المفتاحية لتغيير نمطه، وتحوّله لصراع مباشر بين القوتين الإقلمتيين، فهل تسير الرياح الإقليمية صوب هذا الخيار؟.
من الناحية النظرية لا شيء يمنع حصول الصراع، بل إن أسبابه وذرائعه متوفرة لدى الطرفين، كما أن محفّزاته ومحرّكاته أكثر من أن يتم إحصاؤها، وأدواته جاهزة ومستنفرة، ومن الزاوية ذاتها يمكن قراءة أن الصراع والكباش حاصل بالفعل بين الطرفين، وحتى بشكل مباشر في اليمن وسوريا، لكن تطوير هذا الصراع إلى شكل صدام مباشر تكون ساحته الأرض السعودية والإيرانية، أمر تقف دونه عقبات كثيرة في هذه المرحلة، منها مخاطر هذا الصراع وتأثيراته المستقبلية التي لا بد أن كلا من السعودية وإيران يحسبان تكاليفها بدقة، في ظل أوضاعهما الاقتصادية وعلى ضوء تراجع أسعار الطاقة، واحتمالية عدم تعافي سوق النفط قبل عقد من الزمان، يتراكب ذلك مع بنى وطنية لكلا الطرفين قابلة للتصدع في ظل حصول صراعات طويلة، كما أن من شأن هذا الصراع إخراجهما من الهياكل الاقتصادية الدولية والسياسية الإقليمية، التي رتباها في السنوات السابقة. لكن الأرجح هو احتمالية زيادة تزخيم حدة الصراع في الساحات الإقليمية وإدارته بطريقة أكثر جذرية ووضوح، بما ينذر بمزيد من التأزم وخاصة في الساحة السورية التي من المفترض أن تشهد بداية تسوية في المرحلة القادمة، وستكون تلك التسوية أول ضحايا الإدارة الجديدة للصراع بين القطبين الإقليميين السعودية وإيران، والواقع أن هذا الصراع لن يحل إلا بانسحاب أحد الطرفين من ساحاته، وهو ما لايبدو ممكنا في الأفق المنظور.
عربى21
صالح النعامي
حسان الحموي
غالية شاهين
غازي التوبة
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة